معاني القرآن للفراء ومن سورة الفتح
قوله: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (1) .
كَانَ فتح وفيه قتال [قليل] «10» مراماة بالحجارة، فالفتح «11»
قَدْ يكون صلحًا، ويكون أخذ الشيء عنوة، ويكون القتال إنما
[179/ ا] أريد به يوم الحديبية.
__________
(1) فى ب: كليهما مجزومان، وكليهما تحريف، وفى ش: كلاهما
مجزومان.
(2) فى ش: قلت، وهو تحريف.
(3) فى ش: وأخذت.
(4) الموطأ: 11، 12، وروايته: (الذي تفوته العصر، كأنما وتر
أهله وماله) .
(5، 6) زيادة فى ج، ش.
(7) فى ش أضغانكم بعد كلمة البخل. [.....]
(8، 9) سقط فى ح، ش.
(10) زيادة من ب، ح، ش.
(11) فى ش: والفتح.
(3/64)
وَيُعَذِّبَ
الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ
وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ
عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ
وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا
(6)
وقوله: دائِرَةُ السَّوْءِ (6) .
مثل قولك: رجل السّوء، ودائرة السوء: العذاب، والسّوء أفشى فِي
اللغة «1» وأكثر، وقلما تَقُولُ «2» العرب: دائرة السّوء.
وقوله «3» : إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً (8) ثم قال:
لِتُؤْمِنُوا (9) .
ومعناه: ليؤمن بك من آمن، ولو قيل: ليؤمنوا لأن المؤمن غير
المخاطَب، فيكون المعنى:
إنا أرسلناك ليؤمنوا بك، والمعنى فى الأول يراد بِهِ مثل
هَذَا، وإن كَانَ كالمخاطب لأنك تَقُولُ للقوم: قَدْ فعلتم
وليسوا بفاعلين كلهم، أي فعلَ بعضكم، فهذا دليل عَلَى ذلك.
وقوله: وَتُعَزِّرُوهُ (9) .
تنصروه بالسيف كذلك ذكره عَنِ الكلبي.
وقوله: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ (10) بالوفاء والعهد
«4» .
وقوله: سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ (11)
.
الَّذِينَ تخلفوا عَنِ الحديبية: شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا
وَأَهْلُونَا، وهم «5» أعراب: أسلم، وجهينة، ومزينة، وغِفَار-
ظنوا أن لن ينقلب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عليه، فتخلفوا.
وقوله: إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا (11) .
ضم يَحيى بْن وثاب وحده الضاد، ونصبها عاصم، وأهل المدينة
والحسن «ضَرًّا» «6» .
وقوله: أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى
أَهْلِيهِمْ أَبَداً «7» (12) وفى قراءة عهد اللَّه:
«إلى أهلهم» بغير ياء، والأهل جمع وواحد.
__________
(1) فى ب، ح، ش أفشى فى القراءة.
(2) فى ش يقول.
(3) سقط فى ش: وقوله.
(4) فى ب، ش بالعهد.
(5) فى ش: ومنهم.
(6) اختلف فى «ضرا» ، فحمزة والكسائي وخلف بضم الضاد، وافقهم
الأعمش، والباقون بفتحها، لغتان كالضّعف، والضّعف (الاتحاف
396) وانظر المصاحف للسجستانى: 71.
(7) لم يثبت فى ح، ش: أبدا.
(3/65)
سَيَقُولُ
الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ
لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ
يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا
كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ
تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا
(15)
وقوله: وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً (12) .
[حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ] : «1» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ
قَالَ: حَدَّثَنِي حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي
صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْبُورُ فِي لُغَةِ
أَزْدِ عُمَانَ: الْفَاسِدُ، وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا،
قَوْمًا فَاسِدِينَ، وَالْبُورُ فِي كَلامِ الْعَرَبِ:
لا شَيْءَ «2» يُقَالُ «3» : أَصْبَحَتْ أَعْمَالُهُمْ بُورًا،
وَمَسَاكِنُهُمْ قُبُورًا.
وقوله عزَّ وجلَّ: سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا
انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها (15) .
يعني خيبر لأن الله فتحها عَلَى رسوله من فوره من الحديبية،
فقالوا ذَلِكَ لرسول اللَّه: ذرنا نتبعك، قَالَ: نعم عَلَى
ألّا يُسْهَم لكم، فإن «4» خرجتم عَلَى ذا فاخرجوا فقالوا
للمسلمين: ما هَذَا لكم ما فعلتموه بنا إلا حسدا؟ قَالَ
المسلمون: كذلكم قَالَ اللَّه لنا من قبل أن تقولوا.
وقوله: يُرِيدُون أَنْ يُبِدَّلُوا كلِمَ اللَّهِ (15) .
قرأها يَحيى (كَلِم) وحده، والقراء بعدُ (كَلامَ اللَّهِ) بألف
«5» ، والكلام مصدرٌ، والكلمُ جمع الكلمة والمعنى فِي قوله:
«يريدون أن يبدلوا كلم اللَّه» «6» : طمعوا أن يأذن لهم
فيبدِّل كلام اللَّه، ثُمَّ قيل: إن كنتم إنَّما ترغبون فِي
الغزو والجهاد لا فِي الغنائم، فستدعون غدا إلى أهل اليمامة
إلى قوم أولى بأس شديد- بني حنيفة أتباع مسيلمة- هَذَا من
تفسير الكلبي.
وقوله: تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ (16) .
وفي إحدى القراءتين: أَوْ يُسْلِموا. والمعنى: تقاتلونهم أبدًا
حَتَّى يسلموا، وإلّا أن يسلموا تقاتلونهم، أو يكون [179/ ب]
منهم الْإِسْلَام.
وقوله: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ (17) فى ترك الغزو إلى
آخر الآية.
__________
(1) ما بين الحاصرتين زيادة فى ب.
(2) جاء فى اللسان: بور: قال الفراء فى قوله: «وَكُنْتُمْ
قَوْماً بُوراً» قال: البور مصدر يكون واحدا وجمعا، يقال:
أصبحت منازلهم بورًا، أي: لا شيء فيها، وكذلك أعمال الكفار
تبطل.
(3) سقط فى ش.
(4) في ح، ش قال، تحريف. [.....]
(5) اختلف فى مد «كلام الله» فحمزة والكسائي وخلف بكسر اللام
بلا ألف جمع كلمة اسم جنس، وافقهم الأعمش، والباقون بفتح اللام
وألف بعدها على جعله اسما للجملة. الاتحاف: 396 وانظر البحر
المحيط: 8/ 94 والمصاحف: 71.
(6) فى ش: كلام الله.
(3/66)
وَعَدَكُمُ اللَّهُ
مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ
وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً
لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (20)
وقوله: تَحْتَ الشَّجَرَةِ (18) كانت
سَمُرةً «1» .
وقوله: فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ (18) .
كان النبي صلّى الله عليه أُرِيَ فِي منامه أَنَّهُ يدخل
مكَّة، فلما لم يتهيأ لَهُ «2» ذَلِكَ، وصالح أهل مكَّة عَلَى
أن يخلوها «3» لَهُ ثلاثًا من العام المقبل دخل المسلمين أمر
عظيم، فَقَالَ لهم النبي صلّى الله عليه:
إنَّما كانت رؤيا أُريتُها، ولم تكن وحيًا من السماء، فَعَلِمَ
مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السكينة عليهم. والسكينة:
الطمأنينة والوقار إلى ما أخبرهم بِهِ النَّبِيّ صلّى الله
عليه: أنها إلى العام المقبل، وذلك قوله: «فَعَلِمَ ما لَمْ
تَعْلَمُوا» من تأخير تأويل الرؤيا.
وقوله: وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها
(20) مما يكون بعد اليوم فعجل «4» لكم هَذِهِ: خيبر.
وقوله: وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ. (20)
كانت أسد وغطفان مَعَ أهل خيبر عَلَى رسول الله صلّى الله
عليه، فقصدهم «5» النبي صلى الله عليه، فصالحوه، فكفوا، وخلّوا
بينه وبين أهل خيبر، فذلك قوله: «وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ
عَنْكُمْ» .
وقوله: وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها (21) .
فارس- قَدْ أحاط اللَّه بها، أحاط لكم بها أن يفتحها لكم.
وقوله: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ،
وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ (24) .
هَذَا لأهل «6» الحديبية، لا لأهل خيبر.
وقوله: وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً (25) محبوسا.
__________
(1) السمرة واحدة السمر، وهو شجر من العضاة، والعضاة: كل شجر
يعظم وله شوك.
(2) سقط فى ب، ح، ش.
(3) فى (ا) يحدّوا له.
(4) فى ش فجعل، تحريف.
(5) فى ش لهم.
(6) فى ش أهل، تحريف.
(3/67)
وقوله: أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ (25)
منحره، أي: صدوا الهدى «1» .
وقوله: وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ (25)
.
كَانَ مسلمون بمكة، فَقَالَ: لولا أن تقتلوهم، وأنتم لا
تعرفونهم فتصيبكم منهم معرة، يريد:
الدية، ثُمَّ قَالَ اللَّه جل وعز: «لَوْ تَزَيَّلُوا» لو
تميّز «2» وخلَص «3» الكفار من المؤمنين، لأنزل اللَّه بهم
القتل والعذاب.
وقوله: إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ
الْحَمِيَّةَ (26) .
حموا أنفا أن يَدخلها عليهم رَسُول اللَّه صلّى الله عليه،
فأنزل الله سكينته يَقُولُ: أذهب اللَّه عَنِ المؤمنين أن
يَدخلهم ما دخل أولئك من الحمية، فيعصوا اللَّه ورسوله «4» .
وقوله: كَلِمَةَ التَّقْوى (26) لا إله إلا الله.
وقوله: كانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها (26) .
ورأيتها فِي مصحف الحارث بْن سويد التيمي من أصحاب عَبْد
اللَّه، «وكانوا أهلها وأحق بها» وهو تقديم وتأخير، وكان مصحفه
دفن أيام الحجاج.
وقوله: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ [180/ ا] الْحَرامَ إِنْ
شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (27) .
وفي قراءة عَبْد اللَّه: لا تخافون مكان آمنين، «مُحَلِّقِينَ
رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ» ، ولو قيل:
محلقون ومقصرون أي بعضكم «5» محلقون وبعضكم «6» مقصرون لكان
صوابًا [كما] «7» قَالَ الشَّاعِر:
وغودر البقل ملوى ومحصود وقوله: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ
كُلِّهِ (28) .
يُقال: لا تذهب الدنيا حَتَّى يَغلب الْإِسْلَام عَلَى أهل كل
دين، أَوْ يؤدوا إليهم الجزية، فذلك قوله:
لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ.
__________
(1) فى ش والهدى، تحريف.
(2) سقط فى ش: لو تميزوا.
(3) فى (ا) وعلم.
(4) زاد فى ح، ش بعد قوله ورسوله: يقال: فلان حمى أنفه إذا أنف
من الشيء.
(5، 6) فى (ا) بعضهم.
(7) زيادة فى ب، ح، ش. [.....]
(3/68)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ
وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
(1)
وقوله: تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً (29) .
فى الصلاة.
وقوله: سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ. (29) وهي الصفرة من السهر
بالليل.
وقوله: ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ (29) .
وفي «1» الإنجيل: أيضًا كمثلهم فِي القرآن، وَيُقَال: ذَلِكَ
مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ «2» وَمَثَلُهُمْ فِي
الإِنْجِيلِ، كزرع أخرج شطأه، وشطؤه «3» : السنبل تُنبت الحبة
عشرًا وثمانيًا وسبعًا، فيقوى بعضه ببعض، فذلك قوله: (فآزره)
فأعانه وقواه فاستغلظ [ذَلِكَ] «4» فاستوى، ولو كانت واحدة لم
تقم عَلَى ساق، وهو مَثَل ضربه اللَّه عزَّ وجل للنبى صلّى
الله عليه إذ «5» خرج وحده ثُمَّ قوّاه بأصحابه، كما قوّى
الحبة بما نبت منها.
آزرت، أُؤازره، مؤازرة: قوّيته، وعاونته، وهي المؤازرة.
ومن سورة الحجرات
قوله جل وعز: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا
(1) .
اتفق عليها «6» القراء، ولو قَرَأَ قارئ: (لا تقدموا) لكان
صوابًا يُقال: قَدَمت «7» فِي كذا وكذا، وتقدَّمت.
وقوله عزَّ وجلَّ: لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ (2) «8» وفي
قراءة عَبْد اللَّه «بأصواتكم» «9» ، ومثله فِي الكلام: تكلم
كلامًا حسنًا، وتكلم بكلام حسن.
__________
(1، 2) ساقط فى ش.
(3) سقط فى ش.
(4) زيادة فى ب، ح، ش.
(5) فى ش: إذا، تحريف.
(6) فى ش عليه.
(7) فى (ا) قدّمت.
(8، 9) ساقط فى ح، والعبارة فى ش: وفى قراءة عبد الله: «لا
رفعوا بأصواتكم» .
(3/69)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ
فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ
فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)
وقوله: «1» وَلا تَجْهَرُوا لَهُ «2»
بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ (2) :
يَقُولُ: لا تقولوا: يا مُحَمَّد، ولكن قولوا: يا نبي اللَّه-
يا رَسُول اللَّه، يا أبا القاسم.
وقوله: أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ (2) .
معناه: لا تحبطُ وفيه الجزم والرفع إِذَا وضعت (لا) مكان (أن)
، وَقَدْ فُسر فِي غير موضع، وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه:
فتحبطَ أعمالكم، وهو دليل عَلَى جواز الجزم فِيهِ.
وقوله: أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ
لِلتَّقْوى (3) .
أخلصها للتقوى كما يمتحن الذهب بالنار، فيخرج جيده، ويسقط
خبثه.
وقوله: مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ (4) .
وجه الكلام أن تضم الحاءَ والجيم، وبعض العرب يَقُولُ:
الحُجَرات والرُّكَبات «3» وكل جمع كأن يُقال فِي ثلاثةٍ إلى
عشرةٍ: غرف، وحجر «4» ، فإذا جمعته بالتاء نصبت ثانية، فالرفع
«5» [180/ ب] أجودُ من ذَلِكَ.
وقوله: أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (4) .
أتاه وفد بني تميم فِي الظهيرة، وَهو راقد صلّى الله عليه،
فجعلوا ينادون: يا مُحَمَّد، اخرج إلينا، فاستيقظ فخرج، فنزل:
«إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ» إلى
آخر الآية، وَأذِن بعد ذَلِكَ لهم فقام شاعرهم، وشاعر المسلمين
«6» ، وخطيب منهم، وخطيب المسلمين، فعلت أصواتهم بالتفاخر،
فأنزل اللَّه جل وَعز فِيهِ «7» : «لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ
فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ» (2) .
وقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ
«8» بِنَبَإٍ فتثبتوا «9» (6)
__________
(1) فى: ش: لا تجهروا بالقول، سقط.
(2) سقط في ش خطأ.
(3) فى (ا) أو الركبات. وفى ح، ش: والنكبات، تحريف.
(4) فى ش: حجر وغرف.
(5) فى ب: والرفع.
(6) فى ش: وشاعر المسلمون، تحريف.
(7) سقط فى (ا) . [.....]
(8) فى (ح) : جاءكم بنبإ، سقط.
(9) فى ش: فتبينوا.
(3/70)
وَإِنْ طَائِفَتَانِ
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا
فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا
الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ
فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)
«1» قراءة أصحاب عَبْد اللَّه، ورأيتها فِي
مصحف عَبْد اللَّه منقوطة بالثاء، وَقراءة النَّاس:
(فَتَبَيَّنُوا) «2» ومعناهما متقارب لأن قوله:
(فَتَبَيَّنُوا) أمهلوا حَتَّى تعرفوا، وَهذا معنى «3» تثبتوا
«4» . وَإنما كَانَ ذَلِكَ أن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ بعث عاملًا عَلَى بني المصطلق ليأخذ «5» صدقاتهم،
فلما توجه إليهم تلقوه ليعظموه، فظن أنهم يريدون قتاله، فرجع
إلى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عليه فَقَالَ: إنهم قاتلوني،
وَمنعوني أداء ما عليهم فبينما «6» هُمْ كذلك وَقَدْ غضب
النَّبِيّ صَلَّى الله عليه قدم عَلَيْهِ «7» وَفد بني المصطلق
فقالوا: أردنا تعظيم رَسُول «8» رَسُول اللَّه، وَأداء الحق
إِلَيْه، فاتهمهم رسول الله صلّى الله عليه ولم يصدقهم فأنزل
الله: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ
بِنَبَإٍ فتثبتوا» إلى آخر الآية، وَالآية التي بعدها.
وقوله: وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا (9)
.
ولم يقل: اقتتلتا، وهى فى قراءة عبد الله: فخذوا بينهم. مكان
فأصلحوا بينهم، وفى قراءته: حتى يفيئوا «9» إلى أمر الله فإن
فاءوا فخذوا بينهم.
وقوله: فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ (10) .
ولم يقل: بين «10» إخوتكم، وَلا إخوانكم، وَلو قيل ذَلِكَ
كَانَ صوابًا.
وَنزلت فِي رهط عَبْد اللَّه بْن أَبِي، ورَهط عَبْد اللَّه
بْن رواحة الْأَنْصَارِيّ، فمر رَسُول اللَّه صَلَّى الله عليه
عَلَى حِمار فوقف عَلَى عَبْد اللَّه بْن أَبِي فِي مجلس قومه،
فراث حمار رَسُول اللَّه، فوضع عَبْد اللَّه يده عَلَى أنفه
وَقال: إليك حمارك فقد آذاني، فَقَالَ لَهُ ابْنُ روَاحة:
أَلِحِمارِ رَسُول اللَّه تَقُولُ هَذَا؟ فو الله لهو أطيب
عِرضا منك وَمن أبيك، فغضب قوم هَذَا، وَقوم هَذَا، حَتَّى
اقتتلوا بالأيدي وَالنعال، فنزلت هذه الآية.
__________
(1، 2) ساقط فى ش.
(3) فى ش: يعنى.
(4) قراءة حمزة والكسائي وخلف «فتثبتوا» ، وقراءة الباقين:
«فتبينوا» (الإتحاف 397) .
(5) فى ش ليأخذوا، تحريف.
(6) فى ش فبينا.
(7) فى ب عليهم.
(8) سقطت فى ش.
(9) كذا فى ح، ش وفى الأصل: تفيئوا، وبقية العبارة تشير إلى
يفيئوا.
(10) ساقطة فى ب، ش.
(3/71)
وقوله: فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي (9)
التي لا تقبل الصلح، فأصلح النَّبِيّ صَلَّى الله عليه بينهم
«1» .
وقوله: لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ (11) .
نزلت فِي أن ثابت بْن قيس الْأَنْصَارِيّ كَانَ ثقيل السمع،
فكان يدنو من النَّبِيّ صلّى الله عليه ليسمع حديثه، فجاء بعد
ما قضي ركعة من الفجر، وَقد أخذ النَّاس أماكنهم من رَسُول
اللَّه فجعل «2» يتخطى وَيقول: تفسحوا حَتَّى انتهى إلى رَجُل
دون النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عليه، فَقَالَ: تفسح، فَقَالَ
لَهُ الرجل: قَدْ أصبت مكانًا فاقعد، فلما أسفر قَالَ: من
الرجل؟ قَالَ: فلان بْن فلان، قَالَ:
أنت «3» ابْنُ هَنَةٍ لأمٍّ لَهُ، قَدْ كَانَ يعير بها فشق على
الرجل، فأنزل اللَّه عزَّ وجلَّ: «لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ
قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ) وهي فِي قراءة
عَبْد اللَّه فيما أعلم: عسوا أن يكونوا خيرًا منهم «4» ، ولا
نساء من نساء عسَين أن يكنَّ خيرًا منهن.
ونزل أيضًا فِي هذه القصة: [181/ ا] «يا أَيُّهَا النَّاسُ
إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ
شُعُوباً» (12) والشعوب أكبر من القبائل، والقبائل أكبر من
الأفخاذ (لتعارفوا) : ليعرف بعضكم بعضا فِي النسب (إِنَّ
أَكْرَمَكُمْ) مكسورة لم يقع عليها التعارف، وهي قراءة «5»
عَبْد اللَّه:
لتعارفوا بينكم، وخيركم عند اللَّه أتقاكم فَقَالَ «6» ثابت:
والله لا أفاخر رجلًا فِي حسبه أبدا.
وقوله: وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ (11) .
لا يَعب بعضكم بعضًا، ولا تنابزوا بالألقاب: كَانَ الرجل
يَقُولُ للرجل من اليهود وَقَدْ أسلم:
يا يهودي! فنُهوا عنْ ذَلِكَ وَقال فيه: «بِئْسَ الِاسْمُ
الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ» ومن فتح: أن
__________
(1، 2، 4) سقط فى ش.
(3) فى ب آنت.
(5) فى ب، ش: وهى فى قراءة. [.....]
(6) فى ش: قال.
(3/72)
قَالَتِ الْأَعْرَابُ
آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا
وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ
تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ
أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14)
أكرمكم فكأنه قَالَ: لتعارفوا أن الكريم
المتقِي «1» ، ولو كَانَ «2» كذلك لكانت: لتعرفوا أن أكرمكم،
وجاز: لتعارفوا ليعرِّف بعضكم بعضًا أن أكرمكم عند الله
أتقاكم.
وقوله: وَلا تَجَسَّسُوا (12) .
القُراء مجتمعون عَلَى الجيم نزلت خاصة «3» فِي «4» سلمان،
وكانوا نالوا منه «5» .
وقوله: فَكَرِهْتُمُوهُ (12) .
قال لهم النبي صلّى الله عليه: أكان أحدكم آكلًا لحم أخيه بعد
موته؟ قَالُوا: لا! قَالَ.
فإِن الغيبة أكل لحمه، وهو أن تَقُولُ ما فِيهِ، وإذا قلت ما
ليس فِيهِ فهو البَهْت «6» ليست بغيبة «7» فكرهتموه أي فقد
كرهتموه «8» ، فلا تفعلوه.
ومن قَرَأَ: فكُرِّهتموه «9» يَقُولُ: قَدْ «10» بُغِّض إليكم
«11» والمعنى واللَّه أعلم- واحد، وهو بمنزلة قولك: مات الرجل
وأُميت.
وقوله: قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا
وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا (14) .
فهذه نزلت فى أعاريب بني أسد قدموا عَلَى «12» النَّبِيّ
صَلَّى اللَّهُ عليه المدينة بعيالاتهم طمعًا فِي الصدقة،
فجعلوا يروحون ويغدون، ويقولون: أعطنا فإنا أتيناك بالعيال
والأثقال، وجاءتك العرب عَلَى ظهور رواحلها
فأنزل اللَّه جل وعز «يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا»
(17) (وأن) فِي موضع نصب لأنها فِي قراءة عَبْد اللَّه: يمنون
عليك إِسلامهم، ولو جعلتَ: يَمُنُّون عَلَيْك لأنْ أسْلَمُوا،
فإذا ألقيت اللام كان نصبا مخالفا للنصب الأول.
__________
(1) فى ش: التقوى، تحريف.
(2) فى ش: كانت.
(3) فى ح، ش: نزلت أيضا خاصة.
(4، 5) زيادة من ب.
(6) البهت والبهيتة: الكذب.
(7، 8) ساقط فى ح.
(9) فى ش: كرهتموه.
(10) فى ش: فقد.
(11) فكرهتموه، قراءة أبى سعيد الخدري، وأبى حيرة، وقد رواها
الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(البحر المحيط 8/ 115) .
(12) فى ش إلى.
(3/73)
وقوله: أَنْ هَداكُمْ (17) ، وفى قراءة عبد
الله: إذ هداكم.
ف (أن) فِي موضع نصب لا بوقع الفعل، ولكن بسقوط الصفة.
وقوله: لا يَلِتْكُمْ (14) .
لا ينقصكم، ولا يظلمكم من أعمالكم شيئًا، وهى من لات يليت،
والقراء مجمعون «1» عليها، وَقَدْ قَرَأَ بعضهم: لا يَأْلِتْكم
«2» ، ولست «3» أشتهيها لأنها بغير ألف كتبت فى المصاحف، وليس
هذا بموضع يجوز فيه سقوط الهمز ألا ترى قوله: (يأتون) «4» ، و
(يأمرون) «5» ، و (يأكلون) «6» لم تلق الألف فِي شيء مِنْهُ
لأنها ساكنة، وإنما تلقى الهمزة إِذَا سكن ما قبلها، فإذا «7»
سكنت هِيَ تعني «8» الهمزة ثبتت فلم تسقط، وإنما اجترأ عَلَى
قراءتها «يألتكم» أَنَّهُ وجد «وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ
عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ» «9» فى موضع، فأخذ ذا من ذَلِكَ
فالقرآن 1»
يأتي باللغتين المختلفتين ألا ترى قوله: (تملى عليه) «11» .
وهو فى موضع آخر: «فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ» «12» . ولم تحمل
إحداهما عَلَى الأخرى فتتفقا ولات يليت، وألتَ يألِتُ لغتان
[قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الجهم بْن إِبْرَاهِيم
السِّمَّرِيّ قَالَ حَدَّثَنَا الفراء] «13» .
__________
(1) فى ب، ش: مجتمعون.
(2) قرأ الجمهور: (لا يلتكم) : من لات يليت، وهى لغة الحجاز
(البحر المحيط 8/ 117) وقرأ الحسن والأعرج وأبو عمرو (لا
يألتكم) ، من ألت وهى لغة غطفان وأسد (البحر المحيط 8/ 117) .
(3) سقط فى ح. [.....]
(4) فى مواضع من القرآن الكريم: سورة التوبة آية 54، والاسراء
آية 88 والكهف آية 15 ...
(5) كما فى آل عمران: الآيات 21، 104، 114 والنساء الآية 37
والحديد الآية 24.
(6) فى مواضع من القرآن مثلا: البقرة آية 174، 275 والنساء آية
10.
(7) فى ح: وإذا.
(8) فى ش يعنى.
(9) سورة الطور: 21.
(10) فى ب: والقرآن.
(11) سورة الفرقان الآية 5.
(12) سورة البقرة الآية 282.
(13) ما بين الحاصرتين زيادة فى ب.
(3/74)
|