معاني القرآن للفراء

ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1)

ومن سورة ق والقرآن المجيد
قوله عز وجل: ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1) .
قاف: فيها المعنى الذي أقسم به [181/ ب] ذكر أنها قُضى والله كما قيل فِي حُمَّ: قُضى والله، وحُمَّ والله: أي قضى.
وَيُقَال: إن (قاف) جبل محيط بالأرض، «1» فإن يكن كذلك فكأنه فِي موضع رفع، أي هو (قاف والله) ، وكان [ينبغي] «2» لرفعه أن يظهر لأنَّه «3» اسم وليس بهجاء، فلعل القاف وحدها ذكرت من اسمه كما قَالَ الشَّاعِر:
قلنا لها: قفي، فقالت: قاف «4» ذكرت القاف أرادت القاف من الوقوف «5» ، أي «6» : إنى واقفة.
وقوله إِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً (3) .
كلام لم يظهر قبله ما يكون هَذَا جوابًا لَهُ، ولكن معناه مضمر «7» ، إنَّما كان- والله- أعلم:
«ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ» لتبعثن «8» . بعد الموت، فقالوا: أنبعث إِذَا كُنَّا ترابا؟ فجحدوا البعث
__________
(1، 3) ما بين الرقمين (1- 1) سقط فى ش: ونص العبارة فى ش: فإن لم يكن اسم وليس بهجاء ... إلخ.
(2) الزيادة من ب.
(4) هو للوليد بن عقبة بن أبى معيط أخى عثمان (رضى الله عنه) لأمه، وكان يتولى الكوفة فاتهم بشرب الخمر، فكتب إليه الخليفة يأمره بالشخوص إليه، فخرج فى جماعة، ونزل الوليد يسوق بهم، فقال:
قلت لها: قفى، فقالت: قاف ... لا تحسبينا قد نسينا الإيجاف
والنشوات من معتق صاف ... وعزف قينات علينا عزاف
والإيجاف: العدو، وهو أيضا: الحمل عليه (انظر المحتسب 2/ 204 والخصائص 1/ 30) .
(5) فى ح، ش: الوقف. [.....]
(6) سقط فى ب.
(7) فى (ا) مضمرا، تحريف.
(8) فى ب ليبعثن.

(3/75)


وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9)

ثم قالوا «1» : (ذلك رجع بعيد) (3) . جحدوه أصلا [و] «2» قوله: (بعيد) كما تقول للرجل يخطىء فِي المسألة: لقد ذهبت مذهبًا بعيدًا من الصواب: أي أخطأت.
وقوله: قَدْ عَلِمْنا مَا تَنْقُصُ «3» الْأَرْضُ مِنْهُمْ (4) ما «4» تأكل منهم.
وقوله: فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (5) .
فى ضلال.
وقوله: ما لَها مِنْ فُرُوجٍ (6) .
ليس فيها خلل ولا صدع.
وقوله: وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) .
والحب هُوَ الحصيد، وهو مما أضيف إلى نفسه مثل قوله: «إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ» «5» ، ومثله: «وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ» (16) .
والحبلِ هُوَ الوريد بعينه أضيف إلى نفسه لاختلاف لفظ اسميه، والوريد: عرق بين الحلقوم والعلباوين «6» .
وقوله: وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ (10) .
طوال، يقال: قد بسق طولا، فهن طوال النخل.
وقوله: لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) .
يعني: الكفُرَّى «7» ما كَانَ فِي أكمامه وهو «8» نضيد، أي منضود بعضه، فوق بعض، فإذا خرج من «9» أكمامه فليس بنضيد.
__________
(1) فى ش: قال تحريف.
(2) زيادة فى ب، ش.
(3) فى ش: ينقص: تحريف.
(4) سقط فى ح، ش.
(5) سورة الواقعة: 95.
(6) جاء فى اللسان: العلباء: ممدود، عصب العنق، قال الأزهرى: الغليظ خاصة، وهما علباوان يمينا وشمالا بينهما منبت العنق.
(7) الكفرى: وعاء الطلع وقشره الأعلى.
(8) فى ب، ش: فهو.
(9) فى ش: فى.

(3/76)


أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (15)

وقوله: أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ (15) .
يَقُولُ: كيف نعيا عندهم بالبعث ولم نعي بخلقهم أولًا؟ ثُمَّ قَالَ: «بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ» ، أي هُمْ فِي ضلال وشك.
وقوله: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ (16) .
الهاء لما، وَقَدْ يكون ما توسوس أن تجعل الهاء للرجل الَّذِي توسوس بِهِ- تريد- توسوس إِلَيْه وتحدثه.
وقوله: عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (17) .
يقال «1» : قعيد، «2» ولم يقل: قعيدان «3» . حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي حِبَّانُ بْنُ عَلِيٍّ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَعِيدٌ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ يُرِيدُ- قَعُودٌ، فَجَعَلَ الْقَعِيدَ جَمْعًا، كَمَا تَجْعَلَ الرَّسُولَ لِلْقَوْمِ وَالاثْنَيْنِ «4» . قال الله تعالى: ِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ»
«5» لموسى وأخيه، وقال الشَّاعِر:
ألِكْني إليها، وخيرُ الرسو ... ل أعلَمُهم بنواحيِ الْخَبَرْ «6»
فجعل الرَّسُول للجمع، فهذا وجه، وإن شئت جعلت القعيد واحدًا اكتفى بِهِ من صاحبه، كما قَالَ الشَّاعِر:
نَحْنُ بما عندنا، وأنت بما ... عندك راض، والرأي مختلف «7»
ومثله قول الفرزدق:
إنّي ضمنت لمن أتاني ما جَنَى ... وأبي، «8» وكان وكنت غير غدور «9»
__________
(1) سقط فى ش.
(2، 3) ساقط فى ب، ح، ش. وجاءت العبارة بعد الآية مباشرة فى ش هكذا: ولم يقل قعيدون. [.....]
(4) فى ش: للاثنين، تحريف وفى ب وللاثنين.
(5) سورة الشعراء الآية 16.
(6) انظر معانى القرآن 2/ 180، وتفسير القرطبي 17/ 10 واللسان (رسل) .
(7) انظر معانى القرآن 2/ 363، وإعراب القرآن 2/ 611، وتفسير الطبري 17/ 10.
(8) سقط فى ش.
(9) فى ب، ش غدوّر، ولم يقل غدورين. وانظر معانى القرآن 2/ 363 ونسب في كتاب سيبويه إلى الفرزدق 1/ 38.

(3/77)


وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19)

وَلم يقل: غدورين.
وقوله. وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ (19) وفي قراءة عبد الله: سكرة الحق بالموت «1» ، فإن شئت أردت (بالحق) أَنَّهُ اللَّه عزَّ وجلَّ، وإن شئت جعلت السكرة هِيَ الموت، أضفتها إلى نفسها كأنك قلت: جاءت السكرة الحقّ بالموت، وقوله: «سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ» يَقُولُ: بالحق الذي قَدْ كَانَ غير متبين لهم من أمر «2» الآخرة، ويكون الحق هُوَ الموت، أي جاءت سكرة الموت بحقيقة الموت.
وقوله: فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) .
يَقُولُ: قَدْ كنت تُكذب، فأنت اليوم عالم نافذ البصر، والبصر هاهنا: هو العلم ليس بالعين.
[182/ ا] وقوله: أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) .
العرب تأمر الواحد والقوم بما يؤمر بِهِ الاثنان، فيقولون للرجل: قوما عنا، وسمعت بعضهم:
ويحكَ! ارحلاها وازجراها «3» ، وأنشدني بعضهم:
فقلت لصاحبي لا تحبسانا «4» ... بنزع أصوله، واجتزَّ «5» شيحا «6»
قَالَ: ويروى: واجدزّ «7» يريد: واجتز، قَالَ: وأنشدني أَبُو ثروان:
وإن تزجراني يا ابْنُ عفان أنزجر ... وإن تدعاني أَحْمِ عرضًا ممنَّعًا «8»
ونرى أن ذَلِكَ منهم أن الرجل أدنى أعوانه فِي إبله وغنمه اثنان، وكذلك الرِّفقة، أدنى ما يكونون «9» ثلاثة، فجرى كلام الواحد عَلَى «10» صاحبيه، ألا ترى الشعراء أكثر شيء قيلا:
يا صاحبىّ، يا خليلى، فقال امرؤ القيس:
__________
(1) انظر تفسير الطبري 26/ 91 وقد وردت خطأ فى الطبري حيث قال: قراءة عبد الله بن مسعود «وجاءت سكرة الموت بالحق» ، وليست كذلك وإنما هى سكرة الحق بالموت والمحتسب: 2/ 283.
(2) سقط فى ح.
(3) أوردها القرطبي فى تفسيره: ويلك ارحلاها وازجراها. (تفسير القرطبي 17/ 16) .
(4) ش: لا تحسبانا.
(5) فى ح: واحتز.
(6) فى ا، ش: شيخا.
(7) وهى كذلك فى ش.
(8) يروى: فإن. انظر تفسير القرطبي 17/ 16، والمخصص 2: 5 [.....]
(9) فى ب: ما يكون.
(10) فى ش: عن، تحريف.

(3/78)


قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (27)

خليليّ، مرّا بِي عَلَى أم جندب ... نُقضِّي لبانات الفؤاد المعذب «1»
ثُمَّ قَالَ:
ألَمْ تَرَ أنى كلما جئت طارقًا ... وجدت بها طيبا وإن لم تطيب
فَقَالَ: ألم تر، فرجع إلى الواحد، وأول كلامه اثنان، قَالَ: وأنشدني آخر:
خليليّ قوما فى عطالة فانظرا ... أنارًا «2» ترى من نحو بابَيْن «3» أَوْ برقا
وبعضهم: أنارا نرى.
وقوله: ما أَطْغَيْتُهُ يقوله «4» الملَك الَّذِي كَانَ يكتب السيئات للكافر، وذلك أن الكافر قَالَ: كَانَ يعجلني عَنِ التوبة، فَقَالَ: ما أطغيته «5» يا رب، ولكن كَانَ ضالًا. قَالَ اللَّه تبارك وتعالى:
«مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ» (29) . أي: ما يُكْذَب عندي لعلمه عزَّ وجلَّ بغيب ذَلِكَ.
وقوله: هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ (33) .
إن شئت جعلت (مَن) خفضا تابعة لقوله: (لكُلّ) ، وإن شئت استأنفتها فكانت رفعا يراد بها الجزاء. من خشي الرَّحْمَن بالغيب قيل له: ادخل الجنة، و (ادخلوها) جواب للجزاء أضمرتَ «6» قبله القول وجعلته فعلًا للجميع لأن مَن تكون فِي مذهب الجميع.
وقوله: فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ (36) .
قراءة القراء يَقُولُ: خرّقوا البلاد فساروا فيها، فهل كَانَ لهم من الموت «7» من محيص؟
أضمرت كَانَ هاهنا كما قَالَ: «وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ» «8» ، والمعنى: فلم يكن لهم ناصر عند إهلاكهم «9» . ومن قرأ: (فنقّبوا)
__________
(1) انظر الخزانة 3/ 284.
(2) فى (ا) أثرا، تحريف.
(3) فى ب: أم ورواية اللسان من ذى أبانين وجاء باللسان: قال الأزهرى: ورأيت بالسودة من ديارات بنى سعد جبلا منيفا يقال له: عطالة، وهو الذي قال فيه القائل، وأورد البيت.
(4) فى ا، ب يقول.
(5) فى ش: ما اصطفيته، تحريف.
(6) فى ش: ضمرت، تحريف.
(7) سقط فى ح، ش: من الموت.
(8) سورة محمد الآية: 13.
(9) فى ش: هلاكهم.

(3/79)


وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (40)

فِي البلاد، فكسر القاف «1» فإنه كالوعيد. أي: اذهبوا فِي البلاد فجيئوا واذهبوا.
وقوله: إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ (37) .
يَقُولُ: لمن كَانَ لَهُ عقل «2» ، وهذا «3» جائز فى العربية أن تقول: مالك قلب «4» وما قلبك معك، وأين ذهب قلبك؟ تريد العقل لكل ذَلِكَ.
وقوله: أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ (37) .
يَقُولُ: أَوْ ألقى سمعه إلى كتاب اللَّه وهو شهيد، أي شاهد ليس بغائب.
وقوله: وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ (37) .
يقول: من إعياء، وذلك أن يهود أهل المدينة قَالُوا: ابتدأ خلق السموات والأرض يوم لأحد، وفرغ يوم الجمعة، فاستراح يوم السبت «5» ، فأنزل اللَّه: «وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ» إكذابًا لقولهم «6» ، وقرأها أَبُو عَبْد الرَّحْمَن السلمي: من «7» لَغوب «8» بفتح اللام وهي شاذة.
وقوله: وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ (40) .
وإدبار. من قرأ: وأدبار جمعه «9» عَلَى دُبُر وأدبار، وهما الركعتان بعد المغرب، جاء ذلك عن على ابن أبى طالب أنه قال، [182/ ب] وأدبار السجود: الركعتان بعد المغرب، (وإِدْبارَ النُّجومِ) «10» .
الركعتان (قبل الفجر) وكان عاصم يفتح هَذِهِ التي فِي قاف، وبكسر التي فِي الطور، وتكسران جميعا، وتنصبان جميعا جائزان «11» .
__________
(1) هى قراء يحيى بن يعمر. (تفسير الطبري ح 26/ 99) .
وهى أيضا قراءة ابن عباس، وأبى العالية، ونصر بن سيار، وأبى حيوة، والأصمعى عن أبى عمرو (تفسير البحر المحيط 8/ 129) .
(2) فى ش: قلب.
(3، 4) سقط فى ح، ش. [.....]
(5) سقط فى ب، ح، ش: يوم السبت.
(6) فى ب، ح، ش: لهم.
(7) فى ش: السلمى لغوب.
(8) وهى قراءة على، وطلحة، ويعقوب (البحر المحيط 8/ 129) ، وانظر (المحتسب 2/ 285) .
(9) أي جمعه على أنه دبر وأدبار.
(10) سورة الطور الآية 49.
(11) اختلف القراء فى قراءة قوله: «وإدبار السجود» ، فقرأته عامة قراء الحجاز والكوفة سوى عاصم والكسائي:
وإدبار السجود بكسر الألف، وقرأه عاصم، والكسائي، وأبو عمرو: وأدبار بفتح الألف. (وانظر الاتحاف:
397) .

(3/80)


يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ (44)

وقوله: وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (41) .
يُقال: إن جبريل عَلَيْهِ السَّلام يأتي بيت المقدس فينادي بالحشر، فذلك قوله: «مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ» .
وقوله: يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً (44) .
إلى المحشر وتُشقَق، والمعنى واحد مثل: مات الرجل وأميت.
وقوله: وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ (45) .
يَقُولُ: لست عليهم بمسلَّط، جعل الجبار فِي موضع السلطان من الجَبْريّة، قَالَ أنشدني المفضل:
ويوم الحَزن إذ حشَدَت مَعدٌّ ... وكان الناسُ إلا نَحْنُ دينا
عصينا عزمةَ الجبار حَتَّى ... صبحنا «1» الجوفَ ألفا مُعْلمينا «2»
«3» أراد بالجبار: المنذر لولايته «4» .
وقال الكلبي بإسناده: لستَ عَلَيْهِمْ بَجَبّار «5» يقول: لم تبعث «6» لتجُبرهم عَلَى الْإِسْلَام والهدى إنَّما بعثت «7» مُذَكِّرًا فذكّر، وذلك قبل أن يؤمر بقتالهم.
والعرب لا تَقُولُ: فعّال من أفعلت، لا يقولون: هَذَا خَرّاج ولا دَخّال، يريدون مُدْخِل ولا مُخرِج من أدخلت وأخرجت، إنَّما يقولون: دخال من دخلت، وفعّال من فعلت. وَقَدْ قَالَتِ العرب: درّاك من أدركت، وهو شاذ، فإن حملت الجبار على هذا المعنى فهو «8» وجه.
وَقَدْ سمعت بعض العرب يَقُولُ: جبره عَلَى الأمر يريد: أجبره، فالجبار من هَذِهِ اللغة صحيح يراد بِهِ «9» : يقهرهم ويجبرهم.
__________
(1) فى ش: صحنا، تحريف.
(2) لم أعثر فى نسخة المفضليات التي لدى على هذين البيتين.
(3، 4) ساقط فى ح، ش.
(5) فى ش: لست عليهم بجنا، تحريف.
(6) فى ش: لا تبعث، تحريف.
(7) فى ح: بعث، تحريف.
(8) فى ش: وهو، تحريف. [.....]
(9) فى ش: ويريد.

(3/81)


وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (1)

وقوله: هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) .
رفعتَ العتيد عَلَى أن جعلته خبرًا صلته لما، وإن شئت جعلته مستأنفًا «1» عَلَى مثل قوله: «هَذَا بَعْلِي شَيْخٌ» «2» ولو كَانَ نصبًا كان صوابا لأن (هذا، وما) - معرفتان، فيقطع العتيد منهما «3» .

ومن سورة والذاريات
قوله عز وجل: وَالذَّارِياتِ ذَرْواً (1) .
يعنى: الرياح، «فَالْحامِلاتِ وِقْراً» (2) ، يعنى: السحاب لحملها الماء.
«فَالْجارِياتِ يُسْراً» (3) ، وهى السفن تجرى ميسّرة «فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً» (4) : الملائكة تأتي بأمر مختلف: جبريل صاحب الغلظة، وميكائيل صاحب الرحمة، وملك الموت يأتي بالموت، فتلك قسمة الأمور «4» .
وقوله: وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ (7) .
الحُبك: تكسُّر كل «5» شيء، كالرملة إِذَا مرت بها الريح الساكنة، والماء القائم إِذَا مرت بِهِ «6» الريح، والدرع درع الحديد لها حُبُك أيضًا، والشَّعرة الجَعدة تكسُّرُها حبك، وواحد الحبك:
حِباك، وحَبِيكة.
وقوله: إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ «7» مُخْتَلِفٍ (8) .
__________
(1) جاء فى تفسير الزمخشري: عتيد بالرفع بدل، أو خبر بعد خبر، أو خبر مبتدأ محذوف (انظر تفسير الزمخشري سورة ق) ، وقرأ الجمهور عتيد بالرفع وعبد الله بالنصب على الحال (البحر المحيط 8/ 126) .
(2) سورة هود الآية 72.
(3) جاء فى النسخة (ا) بعد سورة ق: ومن سورة الذاريات: هو في الجزء التاسع والحمد لله رب العالمين وصلّى الله على نبى الرحمة محمد الهاشمي وعلى آله وسلّم كثيرا:
(4) فى ش: فذا قسمة الأمر، وفى ب: فتلك قسمة الأمر.
(5) فى ش: وكل، تحريف.
(6) فى ح، ش: بها، تحريف.
(7) فى ش: خلق تحريف.

(3/82)


يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (12)

جواب للقسم، والقول المختلف: تكذيب بعضهم بالقرآن وبمحمد، وإيمان بعضهم.
وقوله: يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (9) .
يريد: يُصرف عَنِ القرآن والإيمان من صُرف كما قال: «أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا» «1» يَقُولُ:
لتصرفنا عنْ آلهتنا، وتصُدَّنا.
وقوله: قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10) .
يَقُولُ: لُعن «2» الكذابون الَّذِينَ قَالُوا: مُحَمَّد صَلَّى الله عليه: مجنون، شاعر، كذاب، ساحر.
خرّصوا ما لا علم لهم به.
وقوله: يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (12) .
مَتَى يوم الدين؟ قَالَ اللَّه: «يَوْمُ الدِّينِ، يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ» وإنما نصبت (يومَ هُمْ) لأنك أضفته إلى شيئين، وإذا أضيف اليوم والليلة إلى اسم لَهُ فعل، فارتفعا نصب اليوم، وإن كَانَ فِي موضع خفض أَوْ رفع، وإذا أضيف إلى فَعَل أَوْ يفعَل أَوْ إِذَا كَانَ كذلك ورفعه فِي موضع الرفع، وخفضه فِي موضع الخفض يجوز، فلو قيل: يَوْمَ هُمْ على النار يفتنون فرفع يوم لكان وجها، ولم يقرأ بِهِ أحد من القراء.
وقوله يُفْتَنُونَ (13) يحرقون ويعذبون بالنار.
وقوله: ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ (14) يَقُولُ «3» : ذوقوا «4» عذابكم الَّذِي كنتم بِهِ تستعجلون فى الدنيا.
وقوله: آخِذِينَ (16) «وفاكهين» «5» .
نصبتا على القطع، ولو كانتا [184/ ب] رفعا كَانَ صوابًا، ورفعهما عَلَى أن تكونا خبرا، ورفع آخر أيضا على الاستئناف.
__________
(1) سورة الأحقاف: 22.
(2) سقط فى: ش:
(3، 4) سقط فى ح، ش.
(5) فى ب: فكهين سورة الطور آية 18.

(3/83)


فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23)

وقوله: كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) .
إن شئت جعلت ما فِي موضع رفع، وكان المعنى: كانوا قليلًا هجوعهم. والهجوع: النوم.
وإن شئت جعلت ما صلة لا موضع لها، ونصبت قليلًا بيهجعون. أردت: كانوا يهجعون قليلًا من الليل.
وقوله: وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) يُصَلون.
وقوله: وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) .
فأمَّا السائل فالطوّاف عَلَى الأبواب، وأمَّا المحروم فالمحارَفُ «1» أَوِ الَّذِي لا سهم لَهُ فِي الغنائم.
وقوله: وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) .
فآيات الأرض جبالها، واختلاف نباتها وأنهارها، والخلق الَّذِينَ «2» فيها.
وقوله: وَفِي أَنْفُسِكُمْ (21) .
آيات أيضًا إن أحدكم يأكل ويشرب فِي مدخل واحد، ويُخْرِج من موضعين، ثُمَّ عنّفهم فقال: (أفلا تبصرون) ؟
وقوله: فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ (23) .
أقسم عزَّ وجلَّ بنفسه: أن الَّذِي قلت لكم لَحق مثل ما أنكم تنطقون. وَقَدْ يَقُولُ القائل:
كيف اجتمعت ما، وأنّ وقد يكتفي بإحداهما من الأخرى؟ وفيه وجهان: أحدهما «3» : أن العرب تجمع بين الشيئين من الأسماء والأدوات إِذَا اختلف لفظهما، فمن الأَسماء قول الشَّاعِر:
من النّفر اللائي الَّذِينَ إِذَا هُم ... يَهاب اللئامُ حلقةَ البابِ قَعْقَعوا «4»
فجمع بين اللائي والذين، وأحدهما مجزىء من الآخر.
وأما فى الأدوات فقوله:
__________
(1) المحارف: الذي ليس له فى الإسلام سهم، وقيل: هو الرجل الذي لا يكون له مال إلا ذهب (تفسير الطبري 26/ 11) .
(2) فى ش: الذي. [.....]
(3) فى ش: أن أحدهما، زيادة لا مكان لها.
(4) الخزانة: 3/ 529، وفيها: (اعتزوا) بدل (هم) فى الشطر الأول، و (هاب الرجال) بدل (يهاب اللئام) .

(3/84)


ما إنْ رَأَيْتُ ولا سَمعتُ بِهِ ... كاليوم طالى أينق جرب «1»
فجمع بين ما، وبين إن، وهما جحدان أحدهما يجزي من الآخر.
وأمّا الوجه الآخر، فإن المعنى لو أفرد بما لكان كأنّ المنطق فِي نفسه حق لا كذب: ولم يُرَد بِهِ ذَلِكَ. إنَّما أرادوا أَنَّهُ لحق كما حقٌّ أن الآدمي ناطق.
ألا ترى أن قولك أحقٌّ منطقك معناه: أحقٌّ هُوَ أم كذب؟ وأن قولك: أحقّ أنك تنطق؟ معناه: أللانسان «2» النطق لا لغيره. فأدخلتَ أنَّ ليُفرَق بها بين المعنيين، وهذا أعجب الوجهين إليَّ.
وَقَدْ رفع عاصم والأعمش (مثلَ) ونصبها أهل الحجاز والحسن «3» ، فمن رفعها جعلها نعتا للحق ومن نصبها جعلها فِي مذهب المصدر كقولك: إنه لحق حقا. وإن العرب لتنصبها إِذَا رفع بها الاسم فيقولون: مثلَ من عبد الله؟ ويقولون: عبد الله [185/ ا] مثلَك، وأنت مثلَه. وعلة النصب فيها أن الكاف قَدْ تكون داخلة عليها فتُنصب إِذَا ألقيت الكاف. فإن قَالَ قائل: أفيجوز أن تَقُولُ: زيدٌ الأسدَ شدةً، فتنصب الأسد إِذَا ألقيت الكاف؟ قلت: لا وذلك أن مثلَ تؤدى عَنِ الكاف والأسدُ لا يؤدي عَنْهَا ألا ترى قول الشَّاعِر:
وزعتُ بكالهراوة أعوجِيٍّ ... إِذَا وَنتِ الرِّكاب جرى وثابا «4»
أن الكاف قَدْ أجزأت من مثل، وأن العرب تجمع بينهما فيقولون: زَيْد كمثلك، وقال اللَّه جل وعز: «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ «5» وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ» «6» ، واجتماعهما دليل عَلَى أن معناهما واحد كما أخبرتك فى ما وإن ولا وغيره.
__________
(1) الأغانى فى ترجمة الخنساء، وانظر شرح شواهد المعنى، وفيه:
(بمثله) بدل (به) ، و (هانى) بدل (طالى) وهو لدريد بن الصمة يصف الخنساء، وقد رآها تهنأ بعيرا أجرب.
(شرح شواهد المغني 2/ 955) .
(2) فى ش: الإنسان.
(3) قرأ أبو بكر، وحمزة، والكسائي، وخلف بالرفع صفة لحق، وافقهم الأعمش (الاتحاف 399) ، والباقون- باقى السعة- والجمهور بالنصب. (البحر المحيط: 8/ 136) .
(4) وزعت: كففت، أعوجى: منسوب إلى أعوج، وهو فرس كريم تنسب إليه الخيل الكرام. اللسان (ثوب) وسر صناعة الإعراب: 287.
(5) فى ش: كمثله وهو، سقط.
(6) سورة الشورى الآية: 11.

(3/85)


فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (28)

وقوله: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ (24) .
لم يكن عَلِمه النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ- حتى أنزله «1» الله عليه «2» .
وقوله: الْمُكْرَمِينَ (24) .
أكرمهم بالعمل الَّذِي قرّبه.
وقوله: قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) .
«3» رفع بضمير: أنتم قوم منكرون «4» .
وهذا يقوله إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلام للملائكة.
وقوله: فَراغَ إِلى أَهْلِهِ (26) .
رجع إليهم، والروغ وإن كَانَ عَلَى هَذَا المعنى فإنه لا يُنطق بِهِ حَتَّى يكون صاحبه مُخْفيًا لذهابه [أَوْ مجيئه] «5» ألا ترى أنك لا تَقُولُ: قَدْ راغ أهل مكَّة، وأنت تريد رجعوا أَوْ صدروا؟ فلو أخفى راجع رجوعه حسنت فِيهِ: راغ ويروغ «6» .
وقوله: وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (28) .
إِذَا كبر، وكان بعض مشيختنا يَقُولُ: إِذا كان العلم منتظرا [لمن] «7» يوصف بِهِ قلت فِي العليم إِذَا لم يعلم: إنه لعالم عنْ قليل وفاقِه، وفي السيد: سائد «8» ، والكريم: كارم. والذي قَالَ حسن، وهذا كلام عربي حسن، قَدْ قاله اللَّه فى عليم «9» ، وحليم «10» ، وميت «11» .
__________
(1) فى ب، ح، ش أنزل.
(2) لم يثبت فى ش: عليه.
(3، 4) بهامش ا. وقد ورد فى الصلب فى باقى النسخ.
(5) التكملة من ب، ح، ش.
(6) لم يثبت فى ح: ويروغ.
(7) فى (ا) : لم، تحريف. [.....]
(8) فى ش: سيد، تحريف.
(9) كما فى قوله: «وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ» .
(10) كما فى قوله: «فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ» . (الصافات الآية 101) .
(11) كما فى قوله: «إِنَّكَ مَيِّتٌ، وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ» الزمر الآية 30.

(3/86)


وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (37)

وكان المشيخة يقولون للذي لما «1» يَمُت وسيموت: هو مائت عنْ قليل، وقول اللَّه عزَّ وجلَّ أصوب من قيلهم، وقال الشَّاعِر فيما احتجوا بِهِ:
كريم كصفو الماء ليس بباخل ... بشيء، ولا مهد ملاما لباخل
يريد: بخيل، فجعله باخل لأنَّه لم يبخل بعد.
وقوله: فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ (29) .
فى صيحة، ولم تقبل من موضع إلى موضع إنَّما هُوَ، كقولك: أقبل يشتمني، أخذ فِي شتمي «2» فذكروا «3» أن الصيحة: أوَّه، وقال بعضهم: كانت يا ويلتا.
وقوله: فَصَكَّتْ وَجْهَها (29) .
هكذا أي جمعت أصابعها، فضربت جبهتها، «وَقالَتْ: عَجُوزٌ عَقِيمٌ» (29) أتلد عجوز عقيم؟
ورفعت بالضمير بتلد.
وقوله: وَتَرَكْنا فِيها آيَةً (37) .
معناه: تركناها آية وأنت قائل للسماء فيها «4» آية، وأنت تريد هِيَ الآية بعينها.
وقوله: هُوَ مُلِيمٌ
(40) .
أتى باللائمة وَقَدْ ألام، وقوله: «لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ «5» وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ» «6» هم الآيات «7» وفعلهم.
وقوله: فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ (39) «8» .
يُقال: تولى أي أعرض عَنِ الذكْرٍ بقوته فِي نفسه، ويقالُ: فتولى برُكنه بمن معه لأنّهم قوّته.
__________
(1) فى ح، ش: أمّا.
(2) سقط فى ش: أخذ فى شتمى.
(3) فى ش: فذكر، تحريف.
(4) فى ا: فيه، تحريف.
(5) فى ش: كان لكم فى يوسف، تحريف.
(6) سورة يوسف الآية: 7
(7) كذا فى ش: وفى ب: وفعلهم.
(8) ما يلى ذلك من النسخة (ب) ص 54/ ب.

(3/87)


مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42)

وقوله عز وجل تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (43) .
كَانَ ذَلِكَ الحينُ ثلاثة أيام.
وقوله عزَّ وجل: كَالرَّمِيمِ (42) .
والرميمُ: نباتُ الأرضِ إِذا يَبِسَ ودَبسَ فهو رَمِيمٌ.
وقوله تبارك وتعالى: فأخذتهم الصَّعقَةُ (44) .
قرأها العوام [الصَّاعِقَةُ] «1» بالألف.
قال حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قال: وَحَدَّثَنِي «2» قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونَ عَنْ عُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ: أَنَّهُ قَرَأَ (الصَّعْقَةُ) بِغَيْرِ أَلِفٍ «3» ، وَهُمْ يَنْظُرُونَ.
وقوله عزَّ وجلَّ: فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ (45) .
يَقُولُ: فما قاموا لها ولو كانت: فما استطاعُوا من إقامةٍ لكان صَوَابًا.
وطرحُ الألفِ منها، كقوله جلّ وعز: «وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً» ولو كانت- إنباتًا- كَانَ صَوَابًا.
وقوله جل ذكره: وَقَوْمَ نُوحٍ (46) .
نصبها القراء [55/ ا] إلّا الأعمشَ وأصحابه، فإنهم خفضوها «4» لأنها فِي قراءةِ عَبْد اللهِ فيما أعلم:
وفي قوم نوح.
ومن نصبها فعلى وجهين: أخذتهم الصعقة، وأخذت قوم نوح.
__________
(1) التكملة من ح،، ش.
(2) فى ش: وحدث. [.....]
(3) جاء فى الاتحاف (399) : واختلف فى: الصعقة فالكسائى بحذف الألف، وسكون العين على إرادة الصوت الذي يصحب الصاعقة، والباقون: بالألف بعد الصاد وكسر العين على إرادة النار النازلة من السماء العقوبة.
(وانظر البحر المحيط 8/ 141) .
(4) قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي: وقوم بالجر عطفا على ما تقدّم أي: وفى قوم نوح، وهى قراءة عبد الله.
وقرأ باقى السبعة وأبو عمرو فى رواية بالنصب (البحر المحيط 8/ 141) . وقرئت بالرفع على الابتداء والخبر ما بعده، أو على تقدير أهلكوا (إعراب القرآن 2/ 129) .

(3/88)


وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49)

وإن شئت: أهلكناهم، وأهلكنا قومَ نوح. ووجه آخرُ «1» ليسَ بأبغَضَ إليَّ «2» من هذين الوجهين: أن تُضمر فعلا- واذكر لهم قوم نوح، كما قَالَ عزَّ وجلَّ «وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ «3» » «وَنُوحاً إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ «4» » فِي كَثِير من القرآن معناه: أنبئهم واذكر لهم الأنبياء وأخبارهم.
وقوله عزَّ وجلَّ: بِأَيْدٍ (47) بقوّة.
وقوله عز وجل: وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) . أي إنا لذو وسَعَةٍ لخَلْقِنا. وكذلك قوله جل ذكره: «عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ» «5» .
وقوله تبارك وتعالى: وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ (49) .
الزَّوجان من جميع الحيوانِ: الذكَرُ والُأنثى، ومِن سوى ذَلِكَ: اختلافُ ألوان النبات، وطُعومِ الثمار، وبعضٌ حلوٌ، وبعضٌ حامضٌ، فذانِك زوجان.
وقوله تبارك وتعالى: فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ (50) .
معناه: فرُّوا «6» إِلَيْه إلى طاعتهِ من معصيته.
وقوله تبارك وتعالى أَتَواصَوْا بِهِ (53) .
معناه: أتواصى به [55/ ب] أهلُ مكةَ، وَالُأمم الماضيةُ، إذْ قَالُوا لَكَ كما قَالَتِ «7» الأمَمُ لرُسلها.
وقوله تبارك وتعالى: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) .
إلا ليوحِّدوني، وَهذه «8» خاصّةُ يقولُ: وَما خلقت أهلَ السعادةِ من الفريقين إلا ليُوحِّدُوني.
وَقال بعضُهم: خلقَهم ليفعلوا فَفَعل بعضُهم وَترك بعضٌ، وَليس فِيهِ لأهلِ الْقَدَرِ حُجَّةٌ، وَقد فُسِّرَ.
وقوله تبارك وتعالى: مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ (57) .
__________
(1، 2) سقط فى ش.
(3) سورة العنكبوت، الآية 16.
(4) سورة الأنبياء، الآية 76.
(5) سورة البقرة: 236.
(6) فى ش: ففروا.
(7) فى ب: قالته.
(8) فى ش: وفى هذه.

(3/89)


يَقُولُ: ما أريدُ منهم أن يرزقوا أنفسهم، «وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ» (57) أن يطعموا أحدًا من خلقي «إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ» (58) .
قَرَأَ يَحيى بْن وَثاب (المتين) بالخفض جعله من نعتِ- القوةِ، وَإن كانت أُنثى فِي اللفظ، فإنَّهُ ذهب إلى الحبل وَإلى الشيء المْفتولِ.
أنشدني بعض العربِ:
لكل دَهْرٍ قَدْ لبست أثوبا ... من ريطة واليمنة المعصّبا «1»
فجعل المعصّب نعتا لليمنة، وهي مؤنثة في اللفظ لأن اليمنة ضربٌ وَصِنْفٌ من الثيابِ: الوَشي، فذهبَ إِلَيْه.
وقرأ «2» النَّاس- (المتينُ) رفعٌ من صِفَةِ الله تبارك وتعالى.
وقوله [56/ ا] عز وجل: فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً (59) .
والذنوب فِي كلام العرب: الدَّلْوُ العظيمة «3» وَلكن العربَ تذهَبُ بها إلى النَّصِيب وَالحظِّ.
وَبذلِكَ أتى التفسيرُ: فإنَّ للذين ظَلموا حظًّا من العذابِ، كما نزَلَ بالذين من قبلهم، وقال الشاعرُ:
لنَا ذَنوبٌ وَلكمْ ذَنوبُ ... فإنْ أبيتمْ فلنا القليب «4»
والذنوب: يذكّر، ويؤنّث.
__________
(1) رواية القرطبي قال: وأنشد الفراء:
لكل دهر قد لبست أثؤبا ... حتى اكتسى الرأس قناعا أشيبا
من ريطة، واليمنة المعصبا
(2) فى ح: قرأ.
(3) فى ش: العظيم.
(4) انظر البحر المحيط 8/ 132، والقليب: البئر.

(3/90)