معاني القرآن للفراء إِذَا جَاءَكَ
الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ
وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ
إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1)
ومن سورة المنافقين
قوله عزَّ وجلَّ: وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ
لَكاذِبُونَ (1) .
يَقُولُ القائل: قَدْ شهدوا للنبي صَلَّى اللَّهُ عليه،
فقالوا: «وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ» فكيف
كذَّبهم اللَّه؟.
يُقال: إنَّما أكذبَ «1» ضميرهم لأنهم أضمروا النفاق، فكما لم
يَقبل إيمانهم وَقَدْ أظهروه، فكذلك جعلهم كاذبين لأنهم أضمروا
غير ما أظهروا.
وقوله: وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ (4) .
من العرب من يجزم بإذا، فيقول: إِذَا تقم أقمْ، أنشدني بعضهم:
وإذا نطاوِعْ أمرَ سادتِنا ... لا يَثْنِنا جُبن ولا بُخْلُ
وقَالَ آخر «2» :
واستغْنِ ما أغناك ربُّك بالغِنى ... وإذا تُصبْك خصاصةٌ
فتجمَّل «3»
وأكثر الكلام فيها الرفع لأنها تكون فِي مذهب الصفة، ألا ترى
أنك تَقُولُ:
الرُّطب [إِذَا اشتد الحر، تريد فِي ذَلِكَ الوقت. فلما كانت
فِي موضع صفة كانت صلة للفعل] «4» الَّذِي يكون قبلها، أَوْ
بعد الَّذِي يليها، كذلك قَالَ الشَّاعِر:
وإذا تكون شديدةٌ أُدْعَى لها ... وإذا يحاسُ الْحَيْسُ
يُدْعَى جُندُبُ «5»
وقوله: كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ (4) .
خفف الْأَعْمَش «6» ، وثقل إِسْمَاعِيل بْن جَعْفَر
الْمَدَنِيّ عنْ أصحابه وعاصم، فمن ثقل فكأنه جمع
__________
(1) فى ش أذكر، تحريف.
(2) فى ش الآخر.
(3) هو العبد قيس بن خفاف (انظر المفضليات 2/ 185) والأصمعيات
269. وفى (ح) «فتحمل» مكان «فتجمل»
(4) سقط فى ح، ش.
(5) الخزانة 1/ 243.
(6) وهى قراءة قنبل وأبى عمرو والكسائي والبراء بن عازب،
واختيار أبى عبيد (تفسير القرطبي 18/ 125) .
(3/158)
هُمُ الَّذِينَ
يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ
حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7)
خشبة خشابا، ثم جمعه [199/ ب] فثقل، كما
قَالَ «1» : ثمار وَثُمُرٌ. وإن شئت جمعته، وهو خشبة على
خُشُب، فخففت وثقلت، كما قَالُوا: البدَنة، والبُدْن والبدن
«2» ، والأكم والأُكْم.
والعرب تجمع بعض ما هُوَ عَلَى صورة خشبة أرى عَلَى فُعْل من
ذَلِكَ: أجمة وأُجْم، وبَدَنة وبُدْن، وأكَمة وأُكْم.
ومن ذَلِكَ [من] «3» المعتل: ساحة وسُوح، وساق وسُوق، وعائة
وعُون، ولابة «4» ولُوب، وقارة «5» وقور، وحياة وحي، قال
العجاج:
ولو ترى إذا الحياة حِيّ «6» وكان ينبغي أن يكون: حُوَى، فكسر
أولها لئلا تتبدل الياء واوا، كما قَالُوا: بيض وعِين.
وقوله: يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ (4) .
جبنا وخوفا، ثم قال: «هُمُ الْعَدُوُّ» ، ولم يقل: هُمُ
الأعداء، وكل ذَلِكَ صواب.
وقوله: لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ (5) .
حركوها استهزاء بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ودعائه. وقرأ بعض أهل المدينة: «لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ» بالتخفيف
«7» .
وقوله: هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ
عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ (7) .
كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غزاة
من غزواته، فالتقى رَجُل من المسلمين يُقال لَهُ: جِعال «8»
وآخر [من المنافقين عَلَى الماء فازدحما عَلَيْهِ، فلطمه جعال]
«9» ، فأبصره عَبْد اللَّه بْن أَبِي، فغضب، وقَالَ «10» : ما
أدخلنا هَؤُلَاءِ القوم دارنا إلّا لنُلطمَ ما لهم؟ وكلهم الله
إلى جعال، وذوى جعال «11» !،
__________
(1) فى ش: قالوا.
(2) سقط فى ح، ش.
(3) زيادة من ش تقيم العبارة.
(4) اللابة: الحرة.
(5) القارة: الجبيل، أو الصخرة العظيمة.
(6) يروى وقد مكان ولو. انظر أراجيز العرب: 175. واللسان (حى)
، والحي: الحياة.
(7) التخفيف قراءة نافع. تفسير القرطبي 18/ 127 وروح؟ (الاتحاف
416)
(8) فى تفسير القرطبي اسمه جهجاه (القرطبي 18/ 127) . [.....]
(9) سقط فى ح، ش.
(10) فى ب: فقال.
(11) كان جعال من فقراء المهاجرين، فهذا قوله: وكلهم الله ...
(3/159)
وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا
رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ
فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ
فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10)
ثُمَّ قَالَ: إنكم لو منعتم أصحاب هَذَا
الرجل الطعام لتفرقوا عَنْهُ، وانفضوا، فذلك قوله: «هُمُ
الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ
اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا (7) ثُمَّ قَالَ عَبْد اللَّه بْن
أَبِي: «لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ
الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ» وسمعها «1» زَيْد بْن أرقم،
فأخبر بها النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونزل
القرآن: «وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ
وَلِلْمُؤْمِنِينَ» (8) ، ويجوز فِي القراءة: «لَيُخْرِجَنَّ
الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ» «2» كأنك قلت: ليخرجن العزيز
منها ذليلًا، وقرأ بعضهم: لنُخْرِجَن الأعزَّ منها الأذل «3»
أي: لنخِرجن الأعزَّ فِي نفسه ذليلًا «4» .
وقوله: فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) .
يُقال: كيف جزم (وأكن) ، وهي مردودة عَلَى فعل منصوب؟
فالجواب فِي ذَلِكَ أن- الفاء- لو لم تكن فِي فأصدق كانت
مجزومة، فلما رددت (وأكن) ، - ردّت عَلَى تأويل الفعل لو لم
تكن فِيهِ الفاء، ومَن أثبت الواو ردَّه عَلَى الفعل الظاهر
فنصبه، وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه، «وأكونَ من الصالحين» «5»
.
وَقد يجوز «6» نصبها فِي قراءتنا، وإن لم تكن فيها الواو لأن
العربَ قَدْ تسقط الواو فِي بعض الهجاء، كما أسقطوا الألف من
سليمن وأشباهه، ورأيت فى بعض مصاحف عبد الله: فقولا:
فقلا بغير واو.
__________
(1) فى ح: وسمعنا، تحريف
(2) فى البحر المحيط: قرىء مبنيا للمفعول، وبالياء. الأعز
مرفوع به. الأذل نصبا على الحال. (البحر المحيط 8/ 274) .
(3) هى قراءة الحسن وابن أبى عبلة، بنصب الأعز والأذل.
(4) فالأعز مفعول والأذل حال. (البحر المحيط 8/ 274) .
(5) وهى قراءة أبى عمرو وابن محيصن ومجاهد (تفسير القرطبي 18/
131) والحسن وابن جبير وأبى رجاء وابن أبى اسحق ومالك بن دينار
والأعمش (البحر المحيط 8/ 275) .
(6) سقط فى ح، ش.
(3/160)
مَا أَصَابَ مِنْ
مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ
يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11)
ومن سورة التغابن
قوله جل وعز: «مَا أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ
اللَّهِ» (11) .
يريد: إلا بأمر اللَّه، «وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ
قَلْبَهُ» [عند المصيبة فيقول: إنا لله وإنا إِلَيْه راجعون،
وَيُقَال: يهد قلبه] «1» إِذَا ابتُلي صبر، وإذا أُنعم
عَلَيْهِ شكر، وإذا ظُلِمَ غفر، فذلك قوله يهد قلبه [200/ ا] .
وقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ
وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ (14) .
نزلت لما أمِر النَّاس بالهجرة من مكَّة إلى المدينة، فكان
الرجل إِذَا أراد أن يهاجر تعلقت بِهِ امرأته وولده، فقالوا:
أَيْنَ تضعنا «2» ، ولمن تتركنا؟ فيرحمهم، ويقيم متخلفًا عَنِ
الهجرة، فذلك قوله: «فَاحْذَرُوهُمْ» أي: لا تطيعوهم فِي
التخلف.
وقوله: وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا (14) .
نزلت فِي أولاد الَّذِينَ هاجروا، ولم يطيعوا عيالاتهم لأنهم
قَالُوا لهم عند فراقهم للهجرة: لئن لم تتبعونا لا ننفق عليكم،
فلحقوهم بعد بالمدينة، فلم ينفقوا عليهم، حتَّى سألوا رَسُول
اللَّه صلّى الله عليه فنزل: وإن تعفوا وتصفحوا، وتنفقوا
عليهم، فرخص لهم فِي الإنفاق عليهم.
وقوله: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ (16) .
يُقال: من أدَّى الزكاة فقد وُقِيَ شح نفسه، وبعض القراء قَدْ
قَرَأَ: «ومَنْ يُوقَ شِحَّ نَفْسِه» ، بكسر الشين «3» ،
ورفَعها الأغلب فِي قراءة.
__________
(1) ساقط فى ش.
(2) فى ش، تضعن، تحريف.
(3) وهى قراءة أبى حيوة وابن أبى عبلة (البحر المحيط 8/ 247) .
(3/161)
يَا أَيُّهَا
النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ
لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ
رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا
يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ
وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ
فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ
بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1)
ومن سورة النساء القصرى «1» وهى: سورة
الطلاق
قوله عز وجل: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ
النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ (1) .
فينبغي للرجل إِذَا أراد أن يطلق امرأته للعدة أمهلها حتَّى
تحيض حيضة، ثُمَّ يطلقها، فإِذا حاضت حيضة بعد الطلاق طلقها
أخرى، فإن حاضت بعد التطليقتين طلقها ثالثة، فهذا طلاق العدة،
وَقَدْ بانت مِنْهُ، فلا تحل لَهُ حتَّى تنكح زوجًا غيره.
وطلاق السنة: أن يطلقها طاهرًا فِي غير جماع، ثُمَّ يدعها
حتَّى تحيض ثلاث حيضات، فإذا فعل ذَلِكَ بانت مِنْهُ، ولم
يَحلّ لَهُ نكاحها إلا بمهر جديد، ولا رجعة له عليها.
قوله: «2» وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ (1) الحيض وقوله: لا
تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ (1) .
التي طُلّقن «3» فيها، ولا يَخرجن من قِبَلِ أنفسهن «إِلَّا
أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ» ، فَقَالَ بعضهم:
إلّا أن يأتين بفاحشة [إلا أن تُحدِث حدًّا فَتُخْرَجَ ليقام
عليها، وقَالَ بعضهم: إلا أن يأتين بفاحشة] «4» إلا أن يعصين
فيخرُجن، فخروجها «5» فاحشة بينة.
وقوله: فَأَمْسِكُوهُنَّ (2) .
يَقُولُ فِي التطليقة الباقية بمعروف أَوْ سرحوهن بمعروف،
قَالَ: والمعروف: الإِحسان.
وقوله: لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً (1) .
__________
(1) هذا اسم آخر لسورة الطلاق: وكذا سماها ابن مسعود أخرجه
البخاري وغيره: (الإتقان فى علوم القرآن للسيوطى: 69) وانظر
بصائر ذوى التمييز: 2/ 469.
(2) سقط فى ب. [.....]
(3) فى ح: تطلقن، تحريف.
(4) ما بين القوسين ساقط فى ح.
(5) فى ش: فخروجهن.
(3/162)
أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ
حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ
لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ
فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ
أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا
بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ
لَهُ أُخْرَى (6)
هَذِهِ الرجعة فِي التطليقتين.
وقوله: فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ (2) .
إِذَا حاضت حيضة بعد التطليقتين إلى أن تحيض الثالثة، ولا
تغتسل «1» ، فله رجعتها مالم تغتسل من الحيضة الثالثة.
وقوله: بالِغُ أَمْرِهِ (3) .
القراء جميعًا عَلَى التنوين. ولو قرئت: بالغ أمره [على
الإضافة «2» ] لكان صوابا «3» ، ولو قرىء:
بالغ أمره بالرفع لجاز «4» .
وقوله: [200/ ب] وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ
نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ (4) .
يَقُولُ: إن شككتم فلم تدروا ما عدتها، فذكروا: أن مُعاذ بْن
جبل سَأَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ: قَدْ عرفنا «5» عدة التي تحيض، فما عدة الكبيرة التي
قد يئست؟ فنزل «فَعِدَّتُهُنَّ «6» ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ» فقام
رَجُل فَقَالَ: يا رَسُول اللَّه! فما عدة الصغيرة التي لم
تحض؟ فَقَالَ: وَاللَّائِي «7» لم يحضن بمنزلة الكبيرة التي
قَدْ يئست عدتها: ثلاثة أشهر. فقام آخر فَقَالَ: فالحوامل «8»
ما عدتهن؟ فنزل: «وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ
يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ» (4) فإذا وضعت الحامل «9» ذا بطئها حلّت
للأزواج، وإن كَانَ زوجها الميت عَلَى السرير لم يدفن.
وقوله: مِنْ وُجْدِكُمْ (6) .
يَقُولُ: عَلَى قدر ما يجد أحدكم فإن كَانَ موسّعًا وسَّع
عليها فِي: المسكن، والنفقة وإن كَانَ مُقْتِرًا (10) فعلى قدر
ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: «وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ
فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ
__________
(1) فى ش: يحيض الثالثة ولا يغتسل، وهو تحريف.
(2) الزيادة من ب. بين السطور.
(3) وهى قراءة عاصم وحفص والمفضل وأبان وجبلة وجماعة عن أبى
عمرو (البحر المحيط 8/ 283) .
(4) وهى قراءة داود بن أبى هند (تفسير القرطبى 18/ 161
والمحتسب 2/ 324) .
(5) فى ش: ما وهو خطأ.
(6) فى ش: فنزل ثلاثة أشهر.
(7) فى ب، ش: اللائى.
(8) فى (ا) : الحوامل، تحريف.
(9) فى ح: مقبرا.
(3/163)
حَمْلَهُنَّ» (6) ينفق عليها من نصيب ما فى
بطئها، ثُمَّ قَالَ: «فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ
أُجُورَهُنَّ» أجر الرضاع.
وقوله: وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ (6) يَقُولُ: لا
تضارّ المرأةُ زوجها، ولا يضرّ «1» بها، وقد أجمع «2» القراء
على رفع الواو من:
«وُجْدِكُمْ» «3» ، وعلى رفع القاف من «قُدِرَ» «4» [وتخفيفها]
«5» ولو قرءوا: قدِّر «6» كَانَ صوابًا.
ولو قرءوا مِنْ «وُجْدِكُمْ» «7» كَانَ صوابًا لأنها لغة لبني
تميم.
وقوله: فَحاسَبْناها حِساباً [شَدِيداً (8) .
فى الآخرة] «8» ، «وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً» (8) فِي
الدنيا، وهو مقدّم ومؤخر، ثُمَّ قَالَ: «فَذاقَتْ وَبالَ
أَمْرِها» من عذاب الدنيا «وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً»
(9) النارَ وعذابَها.
وقوله: قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً» (10)
رَسُولًا (11) نزلت فِي الكتاب بنصب الرَّسُول، وَهو وجه
العربية، ولو «9» كانت رسولٌ بالرفع كَانَ صوابًا لأن الذكر
رأس آية، والاستئناف بعد الآيات حسن. ومثله قوله:
«التَّائِبُونَ» «10» وقبلها: «إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ» ، فلما قال: «وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ
الْعَظِيمُ» «11» استؤنف بالرفع، ومثله: «وَتَرَكَهُمْ فِي
ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ، صُمٌّ بُكْمٌ» «12» ، ومثله: «ذُو
الْعَرْشِ الْمَجِيدُ» ثم قال: «فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ» «13» ،
وهو نكرة من صفة معرفة، فاستؤنف بالرفع، لأنه بعد آية.
__________
(1) فى ش: يضار.
(2) فى ش: ولقد اجتمع. [.....]
(3) فى ب: من وجد.
(4) قرأ الجمهور «قدر» مخففا. (البحر المحيط 8/ 286)
(5) زيادة فى ب، ح، ش.
(6) هى قراءة ابن أبى عبلة.
(7) هى قراءة الأعرج والزهري (القرطبي 18/ 168) .
(8) سقط فى ج، ش
(9) فى ح، ش: فلو.
(10) التوبة 112.
(11) التوبة 111.
(12) البقرة الآيتان: 17، 18
(13) البروج: الآية 16
(3/164)
يَا أَيُّهَا
النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي
مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1)
وقوله: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ
الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ (12) .
خلق سبعا، ولو قرئت: «مِثْلَهُنَّ» إذ لم يظهر الفعل كَانَ
صوابًا «1» .
تَقُولُ فِي الكلام: رَأَيْت لأخيك إبلا، ولوالدك شاء كَثِير
«2» ، إِذَا لم يظهر الفعل.
قَالَ يعني الآخِر «3» جاز: الرفع، والنصب إِذَا كَانَ مَعَ
الآخر صفة رافعة فقس عَلَيْهِ إن شاء اللَّه. |