معاني القرآن للفراء

ومن سورة الحاقة
قوله عز وجل: الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) .
والحاقة [204/ ب] : القيامة، سميت بذلك لأن فيها الثواب والجزاء، والعرب تَقُولُ: لما عرفت الحقة مني هربت، والحاقة. وهما فى معنى واحد.
__________
(1) وهى قراءة الأعمش وأبى وائل ومجاهد (تفسير القرطبي 18/ 255) .
(2) سقط فى ش.
(3) زيادة من ب. [.....]
(4، 5) سقط فى ح، ش.
(6) العبارة مضطربة فى النسخ، ويبدو أن فيها سقطا. والأصل: تالله لم أر كاليوم مالا ... وانظر الكشاف:
2: 484.
(7) ما بين الحاصرتين زيادة من ب.
(8) فى ب به.

(3/179)


سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7)

وَالحاقة: مرفوعة بما تعجبت مِنْهُ «1» من ذكرها، كقولك: الحاقة ماهى؟ والثانية: راجعة عَلَى الأولى. وكذلك قوله: «وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ «2» » و «الْقارِعَةُ، مَا الْقارِعَةُ «3» » معناه: أي شيء القارعة؟ [فما فِي موضع رفع بالقارعة الثانية، والأولى مرفوعة بجملتها، والقارعة] «4» :
القيامة أيضًا.
وقوله: سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً (7) .
والحسوم: التّباع إذا تتابع الشيء فلم ينقطع أوله عنْ آخره، قيل فِيهِ: حسوم، وإنما أُخذ- والله أعلم- من حسم الداء إِذَا كُوى صاحبهُ لأنَّه يكوى «5» بمكواةٍ، ثُمَّ يتابع ذَلِكَ عَلَيْهِ.
وقوله: فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ (8) . من بقاءٍ، وَيُقَال: هَلْ ترى منهم «6» باقيًا؟، وكل ذَلِكَ فِي العربية جائز حسن.
وقوله: وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ (9) .
قرأها «7» عاصم والْأَعْمَش وأهل المدينة: (ومن قَبله) ، وقرأ طلحة بْن مصرِّف والحسن، أَوْ أَبُو عَبْد الرَّحْمَن- شكّ الفراء-: (ومن قِبَلهُ) ، بكسر القاف «8» . وهي فِي قراءة أبيّ:
(وجاءَ فِرْعَوْنُ ومَن مَعَه) ، وفي قراءة أَبِي مُوسَى الأشعري: «ومن تِلْقَاءه «9» » ، وهما شاهدان لمن كسر القاف لأنهما كقولك: جاء فرعون وأصحابه. ومن قَالَ: ومن قَبْلَهُ: أراد الأمم العاصين قبله.
وقوله: وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ (9) .
الَّذِينَ ائتفكوا بخطئهم.
وقوله: فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً (10) .
__________
(1) سقط فى ح.
(2) سورة الواقعة: 27.
(3) سورة القارعة: 1، 2.
(4) ساقط فى ح، ش.
(5) فى ا- يكون، تحريف.
(6) فى ب: فيهم
(7) فى ح: قرأ.
(8) وقرأ أيضا أبو عمرو والكسائي: ومن قبله بكسر القاف وفتح الباء (القرطبي 18/ 261) .
(9) انظر المصاحف للسجستانى 104.
P والقرطبي 18/ 262.

(3/180)


لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ (12)

أخذة زائدة، كما تَقُولُ: أربيتَ إِذَا أخذ أكثر مما أعطاه من الذهب والفضة، فتقول «1» : قَدْ أربيت فَرَبا رِباك.
وقوله: لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً
(12) لنجعل السفينة لكم تذكرة: عظة.
وقوله: وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ
(12) يَقُولُ: لتحفظها كل أذن لتكون عظة لمن يأتي «2» بعد.
وقوله: وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا (14) ولم يقل: فد ككن لأنه جعل الجبال كالواحد «3» وكما قال: (أن السّموات والأرض كانت «4» رتقا) ولم يقل: كنّ رتقا، ولو قيل فِي ذَلِكَ: وحملت الأرض والجبال فدكَّت لكان صوابًا لأن الجبال والأرض كالشيء الواحد وقوله: دَكَّةً واحِدَةً (14) ودكُّها: زلزلتها.
وقوله: وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ (16) وَهْيُهَا: تشققها «5» .
وقوله: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ (17) يُقال: ثمانية أجزاء من تسعة أجزاء من الملائكة.
وقوله: لا يخفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ (18) قرأها يَحيى بْن وثاب بالياء، وقرأها النَّاس بعد- بالتاء- (لا تَخْفى) ، وكلٌّ صواب، وهو مثل قوله: «وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ «6» » . وأخذت.
__________
(1) فى ش: فيقول. [.....]
(2) فى ب، ج، ش: من بعد.
(3) فى ح، ش كالواحدة.
(4) سورة الأنبياء الآية 30.
(5) وفى تفسير القرطبي: 18/ 265- واهية أي: ضعيفة، يقال: وهى البناء يهى وهيا فهو واه إذا ضعف جدا، ويقال: كلام واه أي ضعيف.
(6) سورة هود الآية 67.

(3/181)


يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27)

وقوله: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ (19) نزلت فِي أَبِي سَلَمة بْن عَبْد الأسد، كَانَ مؤمنًا، وكان أخوه الأسود «1» كافرًا، فنزل فيه:
«وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ» (25) وقوله: إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (20) أي: علمت، وهو من علم مالا يعايَن، وَقَدْ فسِّر ذَلِكَ فِي غير موضع.
وقوله: فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (21) فيها الرضاء، والعرب [216/ ا] تَقُولُ: هَذَا ليل نائم، وسر كاتم، وماء دافق، فيجعلونه فاعلًا، وهو مفعول فِي الأصل، وذلك: أنهم يريدون وجه المدح أَوِ الذم «2» ، فيقولون ذَلِكَ لا عَلَى بناء الفعل، ولو كَانَ فعلًا مصرحًا لم يُقَلْ ذَلِكَ فِيهِ، لأنَّه لا يجوز أن تَقُولُ للضارب: مضروب، ولا للمضروب «3» : ضارب لأنَّه لا مدح فِيهِ ولا ذم.
وقوله: يَا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ (27) يَقُولُ: ليت الموتة الأولى التي متها لم أُحيَ بعدها.
وقوله: ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ (32) ذكر أنها تدخل «4» فِي دبر الكافر، فتخرج من رأسه، فذلك سلكه فيها. والمعنى:
ثم اسلكوا فِيهِ سلسلة، ولكن العرب تَقُولُ: أدخلت رأسي فِي القلنسوة، وأدخلتها فِي رأسي، والخاتَم يُقال: الخاتم لا يدخل فِي يدي، واليد هِيَ التي فِيهِ تدخل «5» من قول الفراء.
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه [مُحَمَّد بْن الجهم «6» ] : والخف مثل ذَلِكَ، فاستجازوا ذَلِكَ لأنَّ معناه لا يُشكل عَلَى أحد، فاستخفوا من ذَلِكَ ما جرى على ألسنتهم.
__________
(1) فى ش: أخوه الأسود أراه ابن عبد الأسد، وهى زيادة لا حاجة إليها. وفى ب، ح: أخوه الأسود ابن عبد الأسد.
(2) فى ش: والذم.
(3) فى (ا) لمضروب، وفى ح، ش للمضرب، تحريف.
(4) فى (ا) يدخل، تحريف.
(5) كذا فى ح، ش.
(6) زيادة فى ح، ش.

(3/182)


سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1)

وقوله: وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36) يُقال: إنه ما يسيل «1» من صديد أهل النار.
وقوله: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (44) يقول: لو أن محمدا صلى الله عليه تقوّل علينا ما لم يؤمر بِهِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ، بالقوة والقدرة.
وقوله: فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ (47) .
أحد يكون للجميع «2» وللواحد، وذكر الْأَعْمَش فِي حديث عَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (لم تَحل الغنائم لأحد سُودِ الرءوس إلّا لنبيكم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، فجعل: أحدًا فِي موضع جمع. وقَالَ اللَّه جل وعز: «لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ «3» » فهذا جمع لأنّ بين- لا يقع إلّا على اثنين فما زاد.

ومن سورة سأل سائل
قوله: سَأَلَ سائِلٌ (1) .
دعا داعٍ بعذاب واقع، وهو: النضر [بْن الحارث] «4» بْن كَلدةَ، قَالَ: اللهم إن كَانَ ما يَقُولُ مُحَمَّد هُوَ الحق من عندك فأمطرْ علينا حجارة من السماء، أَوِ ائتنا بعذاب أليم، فأُسر يوم بدر، فقتل صبرا هو وعقبة.
وقوله: بِعَذابٍ واقِعٍ (1) .
يريد: للكافرين، والواقع من نعت العذاب. واللام «5» التي فِي الكافرين دخلت للعذاب لا للواقع.
__________
(1) فى ح: ما يسل، تحريف.
(2) فى ش: للجمع.
(3) البقرة الآية: 136. [.....]
(4) زيادة من ب، ح.
(5) فى (ا) وأما اللام.

(3/183)


مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3)

وقوله: ذِي الْمَعارِجِ (3) .
من صفة اللَّه عزَّ وجلَّ لأن الملائكة تعرُج إلى اللَّه عزَّ وجلَّ، فوصف نفسه بذلك.
وقوله: فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) .
يَقُولُ: لو صعد غير الملائكة لصعدوا فِي قدر خمسين ألف سنة، وأمَّا (يَعْرُجُ) ، فالقراء مجتمعون عَلَى التاء، وذكر بعض المشيخة عنْ زهير عن أبى إسحق الهمداني قَالَ: قَرَأَ عَبْد اللَّه «يعرج» بالياء «1» وقَالَ الْأَعْمَش: ما سمعت أحدًا يقرؤها إلا بالتاء. وكلٌّ صواب.
وقوله: إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً (6) .
يريد «2» : البعث، ونراه نَحْنُ قريبًا «3» لأن كلّ ما هو «4» آت: قريب.
وقوله: وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً (10) .
لا يَسْأَل ذو قرابة عنْ قرابته «5» ، ولكنهم يعرّفونهم [بالبناء للمجهول «6» ] ساعة، ثُمَّ لا تعارف بعد تلك «7» الساعة، وَقَدْ قَرَأَ بعضهم: (ولا يُسْأَلُ حَميمٌ حَمِيمًا «8» ) لا يُقال لحميم «9» : أَيْنَ حميمك؟
ولست أشتهي ذَلِكَ لأنَّه مخالف للتفسير، ولأن القراء «10» مجتمعون على (يسأل) .
وقوله: وَفَصِيلَتِهِ (13) هِيَ أصغر آبائه الَّذِي إِلَيْه ينتمي.
وقوله: ثُمَّ يُنْجِيهِ (14) أي: ينجيه الافتداء من عذاب اللَّه.
قَالَ الله عز وجل: «كَلَّا» أي: لا ينجيه ذَلِكَ، ثُمَّ ابتدأ، فَقَالَ: «إِنَّها لَظى» (15) ولظى:
اسم من أسماء جهنم فلذلك لم يجره.
__________
(1) وهى أيضا قراءة الكسائي (الاتحاف 423) والسلمى (القرطبي 18/ 281) .
(2) فى ب، ح يرون.
(3) فى ش: ونراه قريبا نحن.
(4) سقط فى ش.
(5) فى (ا) قرابة.
(6) زيادة من ا.
(7) فى ش: بعد ذلك
(8) وهى قراءة شيبة والبزي عن عاصم (القرطبي 18/ 285 وأبى جعفر 423) ونصب (حميما) على نزع الحافض (عن) : الإتحاف: 423
(9) فى ش: للحميم
(10) فى (ا) : ولا القراء، سقط

(3/184)


وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24)

وقوله: نَزَّاعَةً لِلشَّوى (16) .
مرفوع عَلَى قولك: إنها لظى، إنها نزاعة للشوى، وإن شئت جعلت الهاء عمادًا، فرفعت «1» لظى بنزاعة، ونزّاعة بلظى كما تَقُولُ فِي الكلام: إنّه جاريتك فارهة، وإنها جاريتُك فارهة. والهاء فِي الوجهين عماد. والشَّوَى: اليدان، والرجلان، وجلدة الرأس يُقال لها: شواة، وما كَانَ غير مقتَل فهو شوًى.
وقوله: تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17) .
تَقُولُ للكافر: يا كافر إليَّ، يا منافق إليَّ، فتدعو كل واحد «2» باسمه.
وقوله: وَجَمَعَ فَأَوْعى (18) .
بقول: جمع فأوعى، جعله فِي وعاء، فلم يؤد مِنْهُ زكاة، ولم يصل رحمًا.
وقوله: إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) .
والهلوع: الضجور وصفته كما قَالَ اللَّه: «إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً» (20) «وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً» (21) فهذه صفة الهلوع، وَيُقَال مِنْهُ: هِلع يهلَع هلَعًا مثل «3» : جزِع يجزع جزعًا، ثُمَّ قَالَ:
«إِلَّا الْمُصَلِّينَ» (22) فاستثنى المصلين من الْإِنْسَان، لأن الْإِنْسَان فِي مذهب جمع، كما قَالَ اللَّه جل وعز: «إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا «4» » .
وقوله: حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) .
الزكاة وقَالَ بعضهم: لا، بل سوى الزكاة.
وقوله: إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ (30) .
يَقُولُ القائل: هَلْ يجوز فِي الكلام أن تَقُولُ: مررت بالقوم إلَّا بزيد، تريد:
إلَّا أني لم أمرر «5» بزيد؟ قلت: لا يجوز هَذَا، والذي فِي كتاب اللَّه صواب جيد
__________
(1) فى ح: فرفت بإسقاط العين، تحريف
(2) فى ب: أحد [.....]
(3) سقط فى ب.
(4) سورة الإنسان الآيتان 2، 3.
(5) فى (ا) أمر.

(3/185)


عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ (37)

لأن أول الكلام «1» فِيهِ كالنهي إذ ذُكِر: «والّذين هم لفروجهم حافظون» (29) يَقُولُ:
فلا يلامون «2» إلّا عَلَى غير أزواجهم، فجرى الكلام عَلَى ملومين التي فِي آخره. ومثله أن تَقُولُ للرجل: اصنع ما شئت إِلا [عَلَى] «3» قتل النفس، فإنك معذب، أَوْ فِي «4» قتل النفس، فمعناه «5» إلا أنك معذب فِي قتل النفس.
وقوله: وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ [37) .
والعزون: الحلق، الجماعات كانوا «6» يجتمعون حول النَّبِيّ صلى الله عليه فيقولون: لئن دخل هَؤُلَاءِ الجنة- كما يَقُولُ محمد صلى الله عليه- لندخلنها قبلهم، وليكونن لنا فيها أكثر مما لهم، فأنزل اللَّه: «أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ» (38) .
قَرَأَ النَّاس: «أن يُدخَل» لا يسّمى فاعِلُه [217/ ا] وقرأ الْحَسَن: «أَنْ يُدْخَلَ «7» » ، جعل لَهُ الفعل، ثُمَّ بَيَّنَ اللَّه عزَّ وجلَّ فَقَالَ: ولم يحتقرونهم، وَقَدْ خَلَقْناهم جميعًا «مِمَّا يَعْلَمُونَ» من تراب؟.
وقوله: إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43) . الإيفاض: الإسراع. وقَالَ الشَّاعِر «8» :
لأنْعتنْ نعامةً ميفاضًا ... خَرْجاءَ ظلت تطلبُ الإضاضَا
قَالَ: الخرجاء فِي اللون، فإذا رُقِّعَ القميص الأبيض برقعةٍ حمراء فهو أخرج، تطلب الإضاضا:
أي تطلب موضعًا تدخل فِيهِ، وتلجأ إِلَيْه. قَرَأَ الْأَعْمَش وعاصم: «إلى نَصْبٍ» إلى شيء مَنْصُوب يستبقون إِلَيْه. وقرأ «9» زَيْد بْن ثابت: «إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ» «10» فكأن النُّصبَ الآلهة التي كانت تعبد [من دون اللَّه] «11» وكلٌّ صواب، «12» ، وهو واحد، والجمع: أنصاب.
__________
(1) كذا فى ح، ش وفى سواهما (الكتاب) ، وما أثبتناه أوضح.
(2) فى ش: يلومون، تحريف.
(3) التكملة من ب، ح.
(4) فى ب: وفى.
(5) فى ش: ومعناه.
(6) التصحيح من ح، وفى الأصل: ا- كان.
(7) وهى أيضا قراءة طلحة بن مصرف، والأعرج، ورواه المفضل عن عاصم (تفسير القرطبي 18/ 294) .
(8) لم أعثر على قائله. (وفى الطبري 29: 89 تغدو مكان ظلت)
(9) سقط فى ح.
(10) سقط فى ح، ش.
(11) التكملة من ب. [.....]
(12) قراءة: نصب كسقف وسقف أو جمع نصاب ككتاب وكتب هى قراءة ابن عامر وحفص (الإتحاف 424)

(3/186)


إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (1)

ومن سورة نوح عليه السلام
قوله عز وجل: أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ (1) .
أي: أرسلناه بالإنذار. (أن) : فِي موضع نصب لأنك أسقطت منها الخافض. ولو كانت إنا أرسلنا نوحًا إلى قومه «1» أنذر قومك- بغير أن لأن الإرسال قول فِي الأصل، وهي، فِي قراءة عَبْد اللَّه كذلك بغير أن.
وقوله: وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى (4) .
مسمّى عندكم تعرفونه لا يميتكم غرقًا ولا حرقًا «2» ولا قتلا، وليس فِي هَذَا حجة لأهل القدر لأنَّه إنَّما «3» أراد مسمّى عندكم، ومثله: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ «4» ) عندكم فِي معرفتكم.
وقوله: يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ «5» (4) .
[من قَدْ تكون] «6» لجميع ما وقعت عَلَيْهِ، ولبعضه. فأمَّا البعض فقولك: اشتريت من عبيدك، وأمَّا الجميع فقولك: رَوِيت من مائك، فإذا كانت فِي موضع جمع فكأنّ مِنْ: عنْ كما تَقُولُ: اشتكيت من ماء شربته، [وعن ماء شربته] «7» كأنه فِي الكلام: يغفر لكم عنْ أذنابكم «8» ، ومن أذنابكم.
وقوله: لَيْلًا وَنَهاراً (5) .
أي: دعوتهم بكل جهة سرّا وعلانية.
__________
(1) زاد فى ش ان بين «قومه» و «أنذر» ، والكلام على حذفها، وحذف جواب لو للعلم به.
(2) سقط فى ح.
(3) سقط فى ب.
(4) سورة الروم الآية: 27.
(5) هذا الجزء من الآية قبل (ويؤخركم إلى أجل مسمى) المذكور آنفا.
(6) سقط فى ح، ش.
(7) سقط فى ح.
(8) كذا فى النسخ، ولا يعرف جمع ذنب بمعنى إثم على أذناب.

(3/187)


وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7)

وقوله: وَأَصَرُّوا (7) .
أي: سكتوا على شركهم، (واستكبروا) (7) عن الإيمان.
وقوله: وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ (12) .
كانت السنون الشدائد قَدْ ألحت عليهم، وذهبت بأموالهم لا نقطاع المطر عَنْهُمْ، وانقطع الولد من نسائهم، فَقَالَ: «وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ» .
وقوله: مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً (13) . أي: لا تخافون لله عظمة.
وقوله: وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً (14) .
نطفةً، ثُمَّ علقةً، ثُمَّ مضغةً، ثُمَّ عظمًا.
وقوله: سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً (15) .
إن شئت نصبت الطباق [217/ ب] عَلَى الفعل أي: خلقهن مطابِقاتٍ، وإن شئت جعلته من نعت السّبع لا عَلَى الفعل، ولو كَانَ سبع سمواتٍ طباقٍ بالخفض كَانَ وجها جيدًا كما تقرأ: «ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ «1» » ، و «خضرٌ» .
وقوله: وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً (16) .
ذكر: أن الشمس يضيء ظهرُها لما يليها من السموات، ووجهها يضيء لأهل الأرض. وكذلك القمر، والمعنى: جعلَ الشمس والقمر نورًا فِي السموات والأرض.
وقوله: سُبُلًا فِجاجاً (20) .
طرقا، واحدها: فج، وهى الطرق الواسعة.
[حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ «2» ] حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي هُشَيْم عَن مُغِيرَة عنْ إِبْرَاهِيم أَنَّهُ قرأ: ماله وولده «3» (21) .
__________
(1) فيكون (خضر) نعتا (لسندس) ، من نعت المفرد بالجمع، وأجيب بأن السندس (اسم جنس) ، وقيل:
جمع سندسة، أما رفع خضر فعلى النعت لثياب. وانظر الإتحاف: 429.
(2) زيادة من ش.
(3) قرأ أهل المدينة والشام وعاصم (وولده) ، بفتح الواو واللام، والباقون بضم الواو وسكون اللام، وهى لغة فى الولد. تفسير القرطبي: 18: 306.

(3/188)


وقوله: وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً (22) .
الكُبَّار: الكبير، والعرب تَقُولُ كُبَار «1» .
ويقولون: رَجُل حُسَّان جُمَّال بالتشديد. وحُسَان جُمَال بالتخفيف فِي كثير من أشباهه.
وقوله: وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً (23) .
هَذِهِ آلهة كَانَ إبليس جعلها لهم. وَقَدِ اختلف القراء فِي وَدَّ، فقرأ أهل المدينة: (وُدًّا) بالضم، وقرأ الْأَعْمَش وعاصم «2» : (وَدًّا) بالفتح.
ولم يجروا: (يغوث، ويعوق) لان فيها ياء زائدة. وما كَانَ من الأسماء معرفة فِيهِ ياء أَوْ تاء أَوْ ألف فلا يُجرى. من ذَلِكَ: يَمِلك، ويزيد، ويعَمر، وتغلب، وأحمد. هَذِهِ لا تُجرى لما زاد فيها. ولو أجريت لكثرة التسمية كَانَ صوابًا، ولو أجريت أيضًا كأنه يُنْوى بِهِ النكرةُ كَانَ أيضًا صوابًا.
وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: «وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا ويَغوثًا ويَعَوقًا ونَسْرًا» بالألف، «وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً» يَقُولُ: هَذِهِ الأصنام قَدْ ضل بها قوم كَثِير. ولو قيل: وَقَدْ أضلّت كثيرًا، أَوْ أضللن «3» : كان صوابا.
وقوله: مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ (25) .
العرب تجعل (ما) صلة فيما ينوي بِهِ مذهب الجزاء، كأنك قلت: مِن «4» خطيئاتهم ما أغرقوا.
وكذلك رأيتُها فِي مصحف عَبْد اللَّه، فتأخرها دليل عَلَى مذهب الجزاء، ومثلها فِي مصحف عَبْد اللَّه:
«أيَّ الأجلينَ مَا قضَيْت فَلَا عُدْوَانَ عَلَيّ «5» » ألا ترى أنك تَقُولُ: حيثما تكن أكن، ومهما تقل أقلْ. ومن ذلك: (أيّا ما تدعو فله الأسماء الحسنى «6» ) وصل الجزاء بما، فإذا كَانَ استفهامًا لمْ
__________
(1) فى اللسان عن ابن سيده: أن الكبار والكبار كلاهما المفرط فى الكبر، نقيض الصغر.
(2) فى ش: عاصم والأعمش. [.....]
(3) فى ب: وأضللن، وفى ش: أو أضللت، تحريف.
(4) فى ش: مما، تحريف.
(5) سورة القصص الآية: 28.
(6) سورة الاسراء الآية 110.

(3/189)


قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1)

يصلوه بما يقولون: كيف تصنع؟ وأين تذهب؟ إِذَا كَانَ استفهامًا لم يوصل «1» بما، وإذا كَانَ جزاء وُصِل وتُرِك الوصل.
وقوله: دَيَّاراً (26) .
وهو من دُرت، ولكنه فيْعال من الدوران، كما قَرَأَ عُمَر بْن الخطاب «اللَّهُ لَا إلهَ إلَّا هُوَ الحَيُّ القَيّامُ «2» » ، وهو من قمت.
وقوله: إِلَّا تَباراً (28) : ضلالا.