معاني القرآن للفراء

لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1)

ومن سورة القيامة «1»
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه [: سمعت الفراء يقول: وقوله] «2» : لا أُقْسِمُ (1) كَانَ كَثِير من النحويين يقولون «3» : (لا) صلة «4» قَالَ الفراء: ولا يبتدأ بجحد، ثُمَّ يجعل صلة يراد بِهِ الطرح لأن هَذَا الوجاز لم يعرف خبر فِيهِ جحد من خبر لا جحد فِيهِ. ولكن القرآن جاء بالرد عَلَى الَّذِينَ أنكروا:
البعث، والجنة، والنار، فجاء الإقسام بالرد عليهم فِي كَثِير من الكلام المبتدأ مِنْهُ، وغير المبتدأ:
كقولك فِي الكلام: لا والله لا أفعل ذاك جعلوا (لا) وإن رأيتها مبتدأة ردًّا لكلامٍ قَدْ «5» كَانَ مضي، فلو ألقيت (لا) مما ينوي «6» بِهِ الجواب لم يكن بين اليمين التي تكون جوابًا، واليمين التي تستأنف فرق. ألا ترى أنك تَقُولُ مبتدئًا: والله إن الرَّسُول لحق، فإذا قلت: لا والله إن الرَّسُول لحق، فكأنك أكذبت قومًا أنكروه، فهذه جهة (لا) مَعَ الإقسام، وجميع الأَيْمان فِي كل موضع ترى فِيهِ (لا) مبتدأ بها، وهو كَثِير فِي الكلام.
وكان بعض من لم يعرف هذه الجهة فيما ترى «7» [115/ ا] يقرأ «لأقسم «8» بيوم القيامة «9» » ذكر عَنِ الْحَسَن يجعلها (لاما) دخلت عَلَى أقسم، وهو صواب لان العرب تَقُولُ: لأحلف بالله ليكونن «10» كذا وكذا، يجعلونه (لاما) بغير معنى (لا) .
وقوله عز وجل: وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2)
__________
(1) من أول سورة القيامة إلى آخر القرآن الكريم اعتمد فيه على النسخة ب إذ هو ليس فى ا.
(2) ساقط فى ح، ش.
(3) فى ح، ش: يقول.
(4) فى ش: يقولون صلة، سقط.
(5) فى ح، ش: لكلام كان. [.....]
(6) فى ح، ش: بنوا.
(7) فى ش: نرى.
(8) فى ح: لا أقسم، تحريف.
(9) هى قراءة الحسن، وقد روى عنه بغير ألف فيما جميعا، والألف فيهما جميعا (المحتسب 2/ 341) .
(10) فى ش: لتكونن، تصحيف.

(3/207)


بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (4)

ليس من نفس بَرّة ولا فاجرة إلّا وهي تلوم نفسها إن كانت عملت خيرًا قالت: هلا ازددت وإن كانت عملت سوءا «1» قالت: ليتني قصرت! ليتني لم أفعل!
وقوله عزَّ وجلَّ: بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ (4) جاء فِي التفسير: بلى «2» نقدر عَلَى أن نسوي بنانه، أي: أن نجعل «3» أصابعه مصمّتة غير مفصلة كخف البعير، فَقَالَ «4» : بلى قادرين عَلَى أن نعيد أصغر العظام كما كانت، وقوله: «قادِرِينَ» نصبت عَلَى الخروج من «نَجْمَعَ» ، كأنك قلت فِي الكلام: أتحسب أن لن نقوي عليك، بلى قادرين عَلَى أقوى منك. يريد: بلى نقوى قادرين، بلى نقوى مقتدرين عَلَى أكثر من ذا. ولو كانت رفعًا عَلَى الاستئناف، كأنه قَالَ: بلى نَحْنُ قادرون عَلَى أكثر من ذا- كَانَ صوابًا.
وقول النَّاس: بلى نقدر، فلما صرفت إلى قادرين نصبت- خطأٌ لأن الفعل لا ينصب بتحويله من يفعل إلى فاعل. ألا ترى أنك تَقُولُ: أتقوم إلينا فإن حولتها إلى فاعل قلت:
أقائم، وكان خطأ أن تَقُولُ: أقائمًا أنت إلينا؟ وَقَدْ كانوا يحتجون بقول الفرزدق:
عَلَى قسَمٍ لا أشتم الدهر مسلما ... ولا خارجًا مِن فيَّ زورُ كلام «5»
فقالوا: إنَّما أراد: لا أشتم، ولا يخرج، فلما صرفها إلى خارج نصبها، وإنما نصب لأنه أراد:
عاهدتُ ربي لا شاتمًا أحدًا، ولا خارجًا من فِيّ زور كلام. وقوله: لا أشتم فى موضع نصب [115/ ب] .
وقوله عز وجل: لِيَفْجُرَ أَمامَهُ (5) .
[حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ «6» ] قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي قيس عَن أَبِي حَصين عَن سَعِيد بْن جُبَير «7» فِي قوله: «بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ» قَالَ: يَقُولُ: سوف أتوب [سوف أتوب] «8» . وقَالَ الكلبي: يكثر الذنوب، ويؤخر التوبة.
__________
(1) فى ش: سواء، تحريف.
(2) فى ح: بل، بدون: نقدر، وفى ش: بل، تحريف.
(3) فى: ح أي نجعل.
(4) فى ش: ويقال، تحريف.
(5) انظر ديوان الفرزدق. والكتاب: 1: 173، وشرح شواهد الشافية: 72
(6) ما بين الحاصرتين زيادة فى ش.
(7) هو سعيد بن جبير بن هشام الأسدى الوالبي مولاهم أبو محمد، ويقال: أبو عبد الله الكوفي التابعي الجليل والإمام الكبير. عرض على عبد الله بن عباس، عرض عليه أبو عمرو بن العلاء، والمنهال بن عمرو. قتله الحجاج بواسط شهيدا فى سنة خمس وتسعين (طبقات القراء 1/ 305) .
(8) سقط فى ح.

(3/208)


فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7)

وقوله عز وجل: فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) قرأها الْأَعْمَش وعاصم والحسن وبعضُ أهل المدينة (بَرِق) بكسر الراء، وقرأها نافع الْمَدَنِيّ «فإذ «1» بَرَق البصر» بفتح الراء من البريق «2» : شخص، لمن فتح، وقوله «بَرق» : فزع، أنشدني بعض العرب:
نعانى حنانة طُوبالةً ... تُسَفُّ يَبيسًا من العِشْرِقِ
فنفسَك فَانْعَ ولا تَنْعَنِي ... وداوِ الْكُلُومَ ولا تَبْرَقِ «3»
فَتح الراءَ أي: لا تفزع من هول الجراح التي بك، كذلك يبرق البصر يوم القيامة.
ومن قَرَأَ «بَرِقَ» يَقُولُ: فتح عينيه، وبرق بصره أيضا لذلك.
وقوله عز وجل: وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) .
ذهب ضوءُه.
وقوله عزَّ وجلَّ: وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9) .
[وفي قراءة عَبْد اللَّه «4» ] وجمع بين الشمس والقمر يريد: فِي ذهاب ضوئها أيضًا فلا ضوء لهذا ولا لهذه. فمعناه: جمع بَيْنَهُما «5» فِي ذهاب الضوء كما تَقُولُ: هَذَا يوم يستوي فِيهِ الأعمى والبصير أي: يكونان فِيهِ أعميين جميعًا. [وَيُقَال: جمعًا] «6» كالثورين العقيرين فِي النار. وإنما قَالَ: جُمِع ولم يقل: جمعت لهذا لأن المعنى: جمع بَيْنَهُما فهذا وجه، وإن شئت جعلتهما جميعًا فِي مذهب ثورين. فكأنك قلت: جمِع النوران، جُمِع الضياءان، وهو قول الكسائي: وقد كان قوم
__________
(1) فى ح، ش: نافع المدني برق. [.....]
(2) وهى أيضا قراءة أبان عن عاصم. معناه: لمع بصره من شدة شخوصه فتراه لا يطرف، قال مجاهد وغيره:
هذا عند الموت. وقال الحسن: هذا يوم القيامة. (تفسير القرطبي 19/ 95) .
(3) الشعر لطرفة- كما فى اللسان مادة برق 215.
والطوبالة: النعجة لقبه بها، ولا يقال للكبش: طوبال، ونصب طوبالة على الذم له كأنه قال:
أعنى: طوبالة ... والعشرق: شجر ينفرش على الأرض عريض الورق، ليس له شوك. وانظر ديوان الشاعرة 218
(4) ما بين الحاصرتين زيادة فى ش.
(5) كذا فى ش وفى ب، ح: بينها، تصحيف.
(6) سقط فى ش.

(3/209)


يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13)

يقولون: إنَّما ذكرنا فعل الشمس لأنها لا تنفرد بجُمع حتَّى يشركَها غيرها، فلما شاركها مذكر كَانَ القول فيهما جُمِعا، ولم «1» يجر جمعتا، فقيل لهم: كيف تقولون الشمس [116/ ا] جُمعَ والقمر؟
فقالوا: جُمِعت، ورجعوا عنْ ذَلِكَ القول.
وقوله عز وجل: أَيْنَ الْمَفَرُّ (10) .
قرأه [الناس المفر] «2» بفتح الفاء [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ»
] وقال: حدثنا الفراء، قال: وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَلَمَةَ «4» بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَجُلٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ: «أَيْنَ الْمَفَرُّ» وَقَالَ: إِنَّمَا الْمَفَرُّ مَفَرُّ الدَّابَّةِ حَيْثُ تَفِرُّ، وَهُمَا لُغَتَانِ: الْمَفِرُّ وَالْمَفَرُّ «5» ، وَالْمَدِبُّ وَالْمَدَبُّ. وَمَا كَانَ يَفْعِلُ فِيهِ مَكْسُورًا مِثْلَ: يَدِبُّ، وَيَفِرُّ، وَيَصِحُّ، فَالْعَرَبُ تَقُولُ: مَفِرٌّ وَمِفَرٌّ، وَمَصِحٌّ وَمَصَحٌّ، وَمَدِبٌّ وَمَدَبٌّ. أنشدني بعضهم:
كأن بقَايا الأثر فوقَ متونه ... مدَب الدَّبي فوق النقا وهو سارِح «6»
ينشدونه: مَدَب، وهو أكثر من مَدِب. وَيُقَال: جاء عَلَى مَدَب السيل، [ومدِب السيل] «7» ، وما فِي قميصه مَصِح ولا مَصَحٌّ.
وقوله عزَّ وجلَّ: كَلَّا لا وَزَرَ (11) .
والوزر: الملجأ.
وقوله عز وجل: يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ
(13) .
يريد: ما أسلف من عمله، وما أخر من سنة تركها يعمل بها من بعده، فإن سن «8» سنة حسنة
__________
(1) كذا فى ش وفى ب، ح: لم يجر.
(2) سقط فى ش.
(3) ما بين الحاصرتين زيادة من ش.
(4) كذا فى ش، وفى ب، ح: عن، تصحيف. انظر ميزان الاعتدال: 4: 381.
(5) المفسّر: قراءة الجمهور، والمفسّر، قراءة مجاهد والحسن وقتادة (تفسير القرطبي 19/ 98) .
(6) الدّبى: الجراد قبل أن يطير، وعن أبى عبيدة: الجراد أول ما يكون سرو وهو أبيض، فإذا تحرك واسود فهو دبى قبل أن تنبت أجنحته.
والنقا: الكثيب من الرمل. ورد البيت فى تفسير الطبري 19: 98 غير منسوب، وفيه: فوق البنا مكان: فوق النقا. وهو تصحيف.
(7) سقط فى ش.
(8) فى ش: سن حسنة.

(3/210)


كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20)

كَانَ لَهُ مثل أجر من يعمل بها من غير أن يُنتقصوا، وإن كانت سنة سيئة عذب عليها، ولم ينقص من عذاب من عمل بها شيئًا.
وقوله عزَّ وجلَّ: بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ
(14) .
يَقُولُ: عَلَى الْإِنْسَان من نفسه رقباء يشهدون عَلَيْهِ بعمله: اليدان، والرجلان، والعينان، والذكر، قَالَ الشَّاعِر:
كأنَّ عَلَى ذي الظن عينًا بصيرةً ... بمقعده أو منظر هو ناظره
يحاذر حتى يحسب الناس كلّهم ... من الخوف لا تخفي عليهم سرائره «1»
وقوله عزَّ وجلَّ: وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ
(15) .
جاء فِي التفسير: ولو أرخى ستورة، وجاء: وإن اعتذر فعليه من يكذب عذره.
وقوله [116/ ب] عز وجل: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ
(16) .
كَانَ جبريل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نزل بالوحي على محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالقرآن قَرَأَ بعضه فِي نفسه قبل أن يستتمه خوفًا أن ينساه، فقيل لَهُ «لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ»
فى قلبك «وَقُرْآنَهُ»
وقراءته، أي: أن جبريل عَلَيْهِ السَّلام سيعيده عليك.
وقوله عزَّ وجلَّ: فَإِذا قَرَأْناهُ [فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ]
«2» 18) .
إِذَا قرأه عليك جبريل «3» عَلَيْهِ السَّلام «فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ»
، والقراءة والقرآن مصدران، كما تَقُولُ:
راجحٌ بَين الرجحان والرجوح. والمعرفة والعرفان، والطواف والطوفان.
وقوله عزَّ وجلَّ: كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ (20) . وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (21) .
رويت عنْ عليّ بْن أَبِي طَالِب، رحمه اللَّه: «بَلْ تُحِبُّونَ، وَتَذَرُونَ» بالتاء، وقرأها كَثِير:
«بل يحبون» «4» بالياء، والقرآن يأتي عَلَى أن يخاطب المنزل عليهم أحيانًا، وحينا يُجعلون كالغَيَب،
__________
(1) رواية القرطبي: العقل مكان الظن فى الشطر الأول من البيت الأول (انظر تفسير القرطبي 19/ 100) . [.....]
(2) الزيادة من ح، ش.
(3) سقط فى ح، ش.
(4) هى قراءة مجاهد والحسن وقتادة والجحدري وابن كثير وأبى عمر وبياء الغيبة فيهما (البحر المحيط/ 3887)

(3/211)


وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24)

كقوله: «حَتَّى إِذا «1» كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ «2» » .
وقوله عزَّ وجلَّ: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (22) .
مشرقة بالنعيم «3» . «وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ» (24) كالحة.
وقوله عزَّ وجلَّ: تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ (25) .
والفاقرة: الداهية، وَقَدْ جاءت أسماء القيامة، والعذاب بمعاني الدواهي وأسمائها.
وقوله عزَّ وجلَّ: كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ (26) .
يَقُولُ: إِذَا بلغت نَفْس الرجل عند الموت تراقيه، وقال من حوله: «من راق؟» هَلْ [من «4» ] مداو؟ هَلْ «5» من راق؟ وظن الرجل «أَنَّهُ الْفِراقُ» ، علم: أَنَّهُ الفراق، وَيُقَال: هَلْ من راق إن ملَك الموت يكون معه ملائكة، فإذا أفاظ «6» [117/ ا] الميت نفسه، قَالَ بعضهم لبعض: أيكم يرقَى بها؟
من رقيت أي: صمدت.
وقوله عز وجل: وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29) .
أتاه أولُ شدة أمر «7» الآخرة، وأشد آخر أمر الدنيا، فذلك قوله: «وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ» ، وَيُقَال: التفت ساقاه، كما يُقال للمرأة إِذَا التصقت فخذاها: هِيَ لَفّاء.
وقوله عزَّ وجلَّ: يَتَمَطَّى (33) .
يتبختر لأن الظهر هُوَ المَطَا، فيلوي ظهره تبخترًا وهذه خاصة فِي «8» أبي جهل.
وقوله عز وجل: مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى (37) .
__________
(1) سقط خطأ فى ش.
(2) سورة يونس، الآية 22.
(3) فى ح، ش كالنعيم، تحريف.
(4) الزيادة. من ش
(5) فى ش: وهل.
(6) أفاظ نفسه: أخرجها ولفظ آخر أنفاسها.
(7) فى ش: آخر، تحريف.
(8) فى ش: إلى، تحريف.

(3/212)


هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1)

بالياء والتاء «1» . من قال: يمنى، فهو للمنى، وتُمنى للنطفة. وكلٌّ صوابٌ، قرأه أصحاب عَبْد اللَّه بالتاء. وبعض أهل المدينة [أيضًا] «2» بالتاء.
وقوله عزَّ وجلَّ: أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى (40) .
تظهر الياءين، وتُكسر الأولى، وتجزم الحاء. وإن كسرت الحاء ونقلت إليها إعراب الياء الأولى التي تليها كَانَ صوابًا، كما قَالَ الشَّاعِر:
وكأنها بين النساءِ سَبيِكةٌ ... تَمْشِي بِسُدَّةِ بَيْتها فتعىّ «3»
أراد: فتعيا «4» .

ومن سورة الْإِنْسَان
قوله تبارك وتعالى: هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ (1) .
معناه: قَدْ أتى عَلَى الْإِنْسَان حين من الدهر. «وهل» قَدْ «5» تكون جحدًا، وتكون خبرًا.
فهذا من الخبر لأنك قد تقول: فهل وعظتك؟ فهل أعطيتك؟ تقرره «6» بأنك قَدْ أعطيته ووعظته.
والجحد أن تَقُولُ: وهل يقدر واحد عَلَى مثل هَذَا؟.
وقوله تبارك وتعالى: لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً (1) .
يريد: كَانَ شيئًا، ولم يكن مذكورًا. وذلك من حين خلقه اللَّه من طين إلى أن نفخ فِيهِ الروح.
وقوله عزَّ وجلَّ: أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ (2) .
__________
(1) قرأ الجمهور: تمنى، وابن محيصن والجحدري وسلام ويعقوب وحفص وأبو عمرو بخلاف عنه بالياء (البحر المحيط 8/ 391) .
(2) زيادة من ح، ش.
(3) انظر الدرر اللوامع: 1: 31. السبيكة: القطعة المذوّبة من الذهب أو الفضة.
والسدّة: الفناء، جاء فى البحر المحيط: قال ابن خالويه: لا يجيز أهل البصرة: سيبويه وأصحابه- ادغام: يحيى، قالوا: لسكون الياء الثانية، ولا يعتدون بالفتحة فى الياء، لأنه حركة إعراب غير لازمة.
وأمّا الفراء فاحتج بهذا البيت: تمشى بسدة بيتها فتعىّ، يريد فتعيا (البحر المحيط 8/ 391) [.....]
(4) كذا فى النسخ والأشبه أن تكون فتعى مضارع أعيا، فتكون مطابقة: ليحيى.
(5) فى ش: وهل تكون.
(6) كذا فى ش: وفى ب، ح: تقدره، تصحيف.

(3/213)


الأمشاج: الأخلاط، ماء الرجل، وماء المرأة، والدم، والعلقة، ويقال للشىء من هذا إذا [117/ ب] خلط: مشيج كقولك: خليط، وممشوج، كقولك: مخلوط.
وقوله: نَبْتَلِيهِ (2) والمعنى والله أعلم: جعلناه سميعًا بصيرًا لنبتليه، فهذه مقدَّمة معناها التأخير.
إنَّما المعنى: خلقناه وجعلناه سميعًا بصيرًا لنبتليه.
وقوله تبارك وتعالى: إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ (3) .
وإلى السبيل، وللسبيل. كل ذَلِكَ جائز فِي كلام العرب. يَقُولُ: هديناه: عرّفناه السبيل، شكر أو كفر، و (إما) هاهنا تكون جزاء، أي: إن شكر وإن كفر، وتكون عَلَى (إما) التي مثل قوله: «إِمَّا «1» يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ «2» » فكأنه قَالَ: خلقناه شقيًا أَوْ سعيدًا.
وقوله عز وجل: سلاسلا وأغلالا (4) .
كتبت «سَلاسِلَ» بالألف، وأجراها بعض «3» القراء لمكان الألف التي فِي آخرها. ولم يجر «4» بعضهم. وقَالَ الَّذِي لم يجر «5» : العرب تثبت فيما لا يجري الألف فِي النصب، فإذا وصلوا حذفوا الألف، وكلٌّ صواب. ومثل ذَلِكَ قوله: «كانَتْ قَوارِيرَا» (15) أثبتت الألف فِي الأولى لأنها رأس آية، والأخرى ليست بآية. فكان «6» ثباتُ الألف فِي الأولى أقوى لهذه الحجة، وكذلك رأيتها فِي مصحف عَبْد اللَّه، وقرأ بها أهل البصرة، وكتبوها فِي مصاحفهم كذلك. وأهل الكوفة والمدينة يثبتون الألف فيهما جميعًا، وكأنهم استوحشوا أن يكتب حرف واحد في معنًى نصب بكتابين مختلفين. فإن شئت أجريتهما جميعًا، وإن شئت لم تجرهما «7» ، وإن شئت أجريت الأولى لمكان الألف فِي كتاب أهل البصرة. ولم تجر الثانية إذ «8» لم يكن فيها الألف.
وقوله عزَّ وجلَّ: يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً (5) .
__________
(1) فى ش: وإما، تحريف.
(2) التوبة، الآية 106.
(3) منهم نافع والكسائي، كما فى الإتحاف.
(4) هم غير نافع والكسائي ومن وافقهما.
(5) فى ش: لم يجر تحريف.
(6) فى ش: فكأن، تصحيف.
(7) فى ش: لم يجرهما، تصحيف.
(8) كذا فى ش: وفى ب، ح: إذا، وإذا أثبت.

(3/214)


يُقال: إنها عين تسمى الكافور، وَقَدْ تكون «1» كَانَ مزاجها كالكافور لطيب ريحه، فلا تكون حينئذ اسما، والعرب [118/ ا] تجعل النصب فِي أي هذين الحرفين أحبوا. قَالَ حسان:
كأنَّ خبيئَةً من بيت رأْسٍ ... يكونُ مِزاجُها عَسلٌ وماءٌ «2»
وهو أبين فِي المعنى: أن تجعل الفعل فِي المزاج، وإن كَانَ معرفة، وكل صواب. تَقُولُ: كَانَ سيدَهم أبوك، وكان سيدُهم أباك. والوجه أن تَقُولُ: كَانَ سيدَهم أبوك لأن الأب اسم ثابت والسيد صفة من الصفات.
وقوله عزَّ وجلَّ: عَيْناً (6) .
إن شئت جعلتها تابعة للكافور كالمفسَّرة، وإن شئت نصبتها عَلَى القطع من الهاء فِي «مِزاجُها» .
وقوله عز وجل: يَشْرَبُ بِها (6) ، و «يشربها» .
سواء فِي المعنى، وكأن يشرب بها: يَروَى بها. وينقَع. وأمَّا يشربونها فبّين، وَقَدْ أنشدني بعضهم «3» :
شَرِبْنَ بِمَاءِ البحرِ ثُمَّ تَرَفَّعتْ ... مَتى لُججٍ خَضْرٍ لَهُنَّ نئيجُ
ومثله: إنه ليتكلم بكلام حسن، ويتكلم كلامًا حسنًا.
وقوله عزَّ وجلَّ: يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً (6) .
أيها أحب الرجل من أهل الجنة فجرها لنفسه.
وقوله عز وجل: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ (7) .
__________
(1) فى ش: يكون.
(2) الخبيئة: المصونة، المضنون بها لنفاستها. وبيت رأس: موضع بالأردن مشهور بالخمر.
ويروى البيت: كان سبيئة، وهى كذلك فى ديوانه؟ والسبيئة: الخمر، سميت بذلك. لأنها تستبأ أي: تشترى لتشرب، ولا يقال ذلك إلّا فى الخمر. انظر الكتاب. 1: 23، والمحتسب: 1: 279.
(3) لأبى ذؤيب الهذلي يصف السحابات. والباء فى بماء بمعنى من، ومتى: معناها «فى» فى لغة هذيل. ونئيج أي سريع مع صوت. ديوان الشاعر: 51، و (تفسير القرطبي: 19/ 124) . [.....]

(3/215)


إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10)

هَذِهِ من صفاتهم فِي الدنيا، كأن فيها إضمار كَانَ: كانوا يوفون بالنذر.
وقوله عزَّ وجل: وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (7) .
ممتد البلاء، والعرب تَقُولُ: استطار الصدع فِي القارورة وشبهها، واستطال.
وقوله عزَّ وجلَّ: عَبُوساً قَمْطَرِيراً (10) .
والقمطرير: الشديد، يُقال: يوم قمطرير، ويوم قماطر، أنشدني بعضهم:
بَنِي عمِّنا، هَلْ تذكُرونَ بَلاءنا ... علَيكُمْ إِذَا ما كَانَ يومٌ قُمَاطِرُ «1»
وقوله عز وجل: مُتَّكِئِينَ فِيها (13) .
منصوبة كالقطع. وإن شئت جعلته تابعًا للجنة، كأنك قلت: جزاؤهم جنة متكئين فيها.
وقوله عز وجل ذكره: وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها (14) .
يكون نصبًا عَلَى ذَلِكَ: جزاؤهم جنة متكئين فيها، ودانيةً ظلالها. وإن شئت جعلت: الدانية تابعة للمتكئين عَلَى سبيل القطع الَّذِي قَدْ يكون رفعا على [118/ ب] الاستئناف. فيجوز مثل قوله:
«وَهذا بَعْلِي شَيْخاً» «2» «وشيخٌ» ، وهي فِي قراءة أبي: «ودانٍ عليهم ظلالها» فهذا مستأنف فِي موضع رفع، وفي قراءة عبد الله: «ودانيا عليهم ظلالها» «3» ، وتذكير الداني وتأنيثه كقوله:
«خاشعا أبصارهم» «4» فى موضع، وفى موضع «خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ» «5» . وَقَدْ تكون الدانيةُ منصوبة عَلَى مثل قول العرب: عند فلان جاريةٌ جميلةٌ، وشابةً بعد طريةً، يعترضون بالمدح اعتراضًا، فلا ينوون بِهِ النسق عَلَى ما قبله، وكأنهم يضمرون مَعَ هَذِهِ الواو فعلا تكون بِهِ النصب فِي إحدى القراءتين: «وحورًا عينًا» «6» . أنشدني بعضهم:
ويأوي إلى نسوة عاطلاتٍ ... وشُعثا مراضيعَ مثل السعاليِ «7»
__________
(1) (البيت فى تفسير الطبري: 29/ 211، والقرطبي: 19/ 133)
(2) سورة هود، الآية 72.
(3) وهى أيضا قراءة الأعمش، وهو كقوله: خاشعا أبصارهم (البحر المحيط 8/ 396)
(4) سورة القمر: 7، و (خاشعا) قراءة أبى عمرو وحمزة والكسائي ومن وافقهم، والباقون يقرءونها (خشّعا) الإتحاف 250.
(5) سورة القلم، الآية: 43.
(6) فى قراءة أبى، وعبد الله أي: يزوجون حورا عينا (المحتسب، 2/ 309 والبحر المحيط 8/ 206)
(7) البيت لأمية بن عائذ الهذلي، ويروى:
له نسوة عاطلات الصدو ... عوج مراضيع مثل السّعالى
ورواية اللسان: ويأوى إلى نسوة عطّل. والسعالى: جمع سعلاة، وهى: الغول أو سحرة الجن، تشبه بها المرأة لقبحها، ديوان الهذليين: 2: 184.

(3/216)


بالنصب يعني: وشعثا، والخفض أكثر.
وقوله عزَّ وجل: وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلًا (14) .
يجتني أهل الجنة الثمرة قيامًا وقعودًا، وعلى «1» كل حال لا كلفة فيها.
وقوله عزَّ وجل: كانَتْ قَوارِيرَا (15) .
يَقُولُ: كانت كصفاء القوارير، وبياض الفضة، فاجتمع فيها صفاء القوارير، وبياض الفضة.
وقوله عزَّ وجل: قَدَّرُوها (16) .
قدروا الكأس عَلَى رِي أحدهم لا فضل فيه ولا عجز عن ريه، وهو ألذ الشراب.
وَقَدْ رَوى بعضهم عَنِ الشَّعْبِيّ: (قَدِّروها تَقْدِيرًا) «2» . والمعنى واحد، والله أعلم، قدّرت لهم، وقدروا لها سواء.
وقوله: كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلًا (17) .
إنَّما تسمى الكأس إِذَا كَانَ فيها الشراب، فإذا لم يكن فيها الخمر لم يقع عليها اسم الكأس.
وسمعت بعض العرب يَقُولُ للطبق الَّذِي يُهدى عَلَيْهِ الهدية: هُوَ المِهْدَى، ما دامت عليه الهدية، فإذا كان [119/ ا] فارغًا رجع إلى اسمه إن كَانَ طبقًا أَوْ خوانًا، أَوْ غير ذَلِكَ.
وقوله عزَّ وجل: زَنْجَبِيلًا (17) عَيْناً (18) .
ذكر أن الزنجبيل هُوَ العين، وأن الزنجبيل اسم لها، وفيها من التفسير ما فِي الكافور.
وقوله عز وجل: تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (18) .
ذكروا أن السلسبيل اسم للعين، وذكر أَنَّهُ صفة للماء لسلسلته وعذوبته، ونرى أَنَّهُ لو كَانَ اسمًا للعين لكان ترك الإجراء فِيهِ أكثر، ولم نر أحدا من القراء ترك إجراءها وهو جائز فِي العربية، كما كَانَ في قراءة عبد الله: «ولا تذرن ودا ولا سُوَاعًا ولا يَغُوثًا ويَعُوقًا «3» » بالألف. وكما قال:
__________
(1) فى ش: على.
(2) وهى قراءة عبيد بن عمير، وابن سيرين (تفسير القرطبي: 19/ 141) ، وكذلك، على وابن عباس والسلمى، وقتادة، وزيد بن على، والجحدري، وأبو حيوة، والأصمعى عن أبى عمرو (البحر المحيط 8/ 397) .
(3) سورة نوح، الآية: 23.

(3/217)


«سلاسلا» ، و «قواريرا» بالألف، فأجروا ما لا يجرى، وليس بخطأ، لأن العرب تجرى ما لا يجرى فِي الشعر، فلو كَانَ خطأ ما أدخلوه فِي أشعارهم، قَالَ متمم بْن نويرة:
فما وجد أظآرٍ ثلاثٍ روائمٍ ... رأين مَجَرًّا من حُوارٍ ومصْرعًا «1»
فأجرى روائم، وهي مما لا يجرى «2» فيما لا أحصيه فِي أشعارهم.
وقوله عز وجل: مُخَلَّدُونَ (19) .
يَقُولُ: محلّون مُسَورون، وَيُقَال: مُقَرطون، وَيُقَال: مخلدون دائم شبابهم لا يتغيرون عنْ تلك السن، وهو أشبهها بالصواب- والله أعلم- وذلك أن العرب إِذَا كبر الرجل، وثبت سواد شعره قيل: إنه لمخلد، وكذلك يُقال إِذَا كبر ونبتت لَهُ أسنانه وأضراسه قيل: إنه لمخلد ثابت الحال.
كذلك الوُلدانُ ثابتة أسنانهم.
وقوله عزَّ وجلَّ: وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً (20) .
يقال «3» : إذا رأيت ما ثمّ رأيت نعيما، وصلح إضمار (ما) كما قيل: «لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ «4» » . والمعنى: ما بينكم، والله أعلم. وَيُقَال: إذا رأيت [119/ ب] ثُمَّ، يريد: إِذَا نظرت، ثُمَّ إِذَا رميت ببصرك هناك رَأَيْت نعيمًا.
وقوله عزَّ وجلَّ: عالِيَهُمْ «5» ثِيابُ سُندُسٍ (21) .
نصبها أَبُو عَبْد الرَّحْمَن وعاصم والحسن الْبَصْرِيّ، جعلوها كالصفة فوقهم «6» . والعرب تقول:
__________
(1) فى ب: من خوار، تصحيف.
ورواية البيت فى المفضليات:
وما وجد أظآر ثلاث روائم ... أصبن مجرا من ...
إلخ والأظآر: جمع ظئر، وهى العاطفة على غير ولدها المرضعة له من الناس والإبل، والروائم: جمع رائم، وهن المحبات اللائي يعطفن على الرضيع. الحوار: ولد الناقة، المجر والمصرع: مصدران من: الجر والصرع، انظر اللسان، مادة ظأر و (المفضليات 2/ 70) .
(2) فى ش: مما يجرى، سقط.
(3) فى ش: فقال.
(4) سورة الأنعام: الآية 94. [.....]
(5) فى ش: عليم، خطأ.
(6) عبارة القرطبي: قال الفراء: هو كقولهم فوقهم، والعرب تقول: قومك داخل الدار على الظرف لأنه محل (القرطبي 19/ 146) .

(3/218)


فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا (24)

قومك داخل الدار، فينصبون داخل الدار «1» لأنَّه مَحَل، فعاليهم من ذَلِكَ. وَقَدْ قَرَأَ أهل الحجاز وحمزة: «عالِيَهُمْ» بإرسال الياء، وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: «عاليتُهم ثيابُ سُنْدُسٍ» بالتاء. وهي حجةٌ لمن أرسل اليَاءَ وسكنها. وَقَدِ اختلف القراء فِي: الخضر والسندس، فخفضهما يَحيى بن وثاب أراد أن يجعل الخضر من صفة السندس ويكسر «2» على الإستبرق ثياب سندس، وثياب إستبرق، وقد «3» رفع الْحَسَن الحرفين جميعًا «4» . فجعل الخضر من صفة الثياب، ورفع الاستبرق بالرد عَلَى الثياب، ورفع بعضهم الخضر، وخفض الاستبرق «5» ورفع [الاستبرق] «6» وخفض الخضر «7» ، وكل ذَلِكَ صواب. والله محمود.
وقوله عز وجل: شَراباً طَهُوراً (21) .
يَقُولُ: طهور ليس بنجس كما كَانَ «8» فِي الدنيا مذكورًا «9» بالنجاسة.
وقوله عزَّ وجلَّ: وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (24) .
(و) هاهنا بمنزلة (لا) ، وأو فى الجحد والاستفهام والجزاء تكون فِي معنى (لا) فهذا من ذَلِكَ.
وقَالَ الشَّاعِر «10» :
لا وَجْدُ ثَكْلَى كما وَجِدْتُ وَلا ... وَجْدُ عَجُولٍ أَضَلَّهَا رُبَعُ
أَوْ وَجْدُ شيخٍ أصَلَّ ناقتَهُ ... يَوْمَ توافَى الحجيجُ فاندفعُوا
__________
(1) ساقطة فى ش، وكتبت كلمة الدار بين الأسطر فى ب.
(2) سقط فى ش.
(3) سقط فى ش وكتبت بين الأسطر فى ب.
(4) وهى قراءة نافع وحفص (تفسير القرطبي 19/ 146) .
(5) قراءة ابن عامر، وأبى عمرو ويعقوب «خضر رفعا نعت للثياب، وإستبرق بالخفض نعت للسندس، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم لجودة معناه، لأن الخضر أحسن ما كانت نعتا للثياب فهى مرفوعة وأحسن ما عطف الإستبرق على السندس عطف جنس على جنس، والمعنى: عاليهم ثياب خضر من سندس وإستبرق أي من هذين النوعين (تفسير القرطبي 19/ 146) .
(6) سقط فى ش.
(7) وهى قراءة ابن محيصن، وابن كثير، وأبى بكر عن عاصم: خضر بالجر على نعت السندس، وإستبرق بالرفع نسقا على الثياب، ومعناه: عاليهم ثياب سندس، وإستبرق. (تفسير القرطبي 19/ 146) .
(8) فى ب كانت، تحريف.
(9) فى ش مذكورة تحريف.
(10) هو مالك بن عمرو (انظر الكامل للمبرد: 2/ 86) والعجول من النساء والإبل: الواله التي فقدت ولدها. سميت بذلك لعجلتها فى جيئتها وذهابها جزعا. وهى هنا الناقة.
والربع كمضر: الفصيل ينتج فى الربيع.

(3/219)


نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا (28)

[أراد: ولا وجد شيخ] «1» وَقَدْ يكون فِي العربية: لا تطيعن منهم من أثم أَوْ كفر.
فيكون المعنى فى (أو) قريبا من معنى (الواو) . كقولك للرجل: لأعطينك سَألت، أَوْ سكتَّ.
معناه: لأعطينك عَلَى كل حال.
وقوله [120/ ا] عز وجل: وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ (28) .
والأسر الخَلْق. تَقُولُ: لقد»
أُسِر هَذَا الرجل أحسنُ الأسر، كقولك: خُلِقَ «3» أحْسَن الخَلْق.
وقوله عز وجل: إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ (29) .
يَقُولُ: هَذِهِ السُّورة تذكرة وعظة. «فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا» (29) وِجهة وطريقًا إلى الخير.
وقوله عزَّ وجلَّ: وَما تَشاؤُنَ (30) .
جواب لقوله: «فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا» .
ثُمَّ أخبرهم أن الأمر ليس إليهم، فَقَالَ: (وما «4» تشاءون) ذلك السبيل (إلا أن يشاء الله) لكم، وفي قراءة عَبْد الله (وَمَا تَشَاءُونَ إلا أن «5» يشاء الله) والمعنى «6» فِي (ما) و (أن) متقارب.
وقوله عز وجل: وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ (31) .
نصبت الظالمين «7» لأن الواو فى لها تصير كالظرف لأعدّ. ولو كانت رفعًا كَانَ صوابا، كما قال: «وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ «8» » بغير همز «9» ، وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه:
__________
(1) سقط فى ش.
(2) فى ش: تقول: أسر. [.....]
(3) سقط فى ش.
(4) فى ش: فما، تحريف.
(5) كذا فى ش: وفى ب، ح إلا ما، تحريف.
(6) كذا فى ش، وفى ب، ح: المعنى.
(7) والظالمين: منصوب بفعل محذوف تقديره: ويعذب الظالمين، وفسره الفعل المذكور، وكان النصب أحسن، لأن المعطوف عليه قد عمل فيه الفعل (إعراب القرآن 147)
(8) سورة الشعراء، الآية: 224.
(9) بغير همز: أى قيل (والشعراء) على الاستفهام.

(3/220)


وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (1)

«وللظالمين أعد لهم» فكرر «1» اللام فِي (الظالمين) وفي (لهم) ، وربما فعلت العرب ذَلِكَ. أنشدني بعضهم «2» :
أقول لها إِذَا سَأَلت طلاقًا ... إلامَ تسارعين إلى فراقي
وأنشدني بعضهم:
فأصبحْنَ لا يَسلنهُ عنْ بما بِهِ ... أصعَّد فِي غاوي الهوى أم تصوبَّا «3» ؟
فكرر الباء مرتين. فلو قَالَ: لا يسلنه عما بِهِ، كَانَ أبين وأجود. ولكن الشَّاعِر ربما زاد ونقص ليكمل الشعر. ولو وجهت قول اللَّه تبارك وتعالى: «عَمَّ يَتَساءَلُونَ، عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ «4» » إلى هَذَا الوجه كَانَ صوابًا فِي العربية.
وله وجه آخر يراد: عم يتساءلون يا مُحَمَّد!؟ ثُمَّ أخبر، فَقَالَ: يتساءلون عَنِ النبإ العظيم. ومثل هذا قوله فى المرسلات: «لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ «5» » تعجبا، ثم قال: «لِيَوْمِ «6» الْفَصْلِ» أي: أجلت ليوم الفصل.

ومن سورة المرسلات
[120/ ب] قوله عز وجل: وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً (1) .
يُقال: هِيَ الملائكة، وأمَّا قوله: (عرفا) فيقال: أُرْسِلَتْ بالمعروف، وَيُقَال: تتابعت كعرف الفرس، والعرب تَقُولُ: تركتُ النَّاس إلى فلان عُرفا واحدًا، إِذَا توجهوا إِلَيْه فأكثروا.
وقوله عزَّ وجلَّ: فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً (2) .
وهى الرياح.
__________
(1) فى ش: فكر، سقط.
(2) لم أعثر على قائله.
(3) انظر الخزانة 4/ 162، والدرر اللوامع: 2: 14، 212 والرواية فى الموضعين: لا يسألنه، وعلو مكان غاوى، وعلو أبين وأولى.
(4) سورة النبأ: الآية 1، 2.
(5) الآيتان 12، 13.
(6) فى ش: اليوم، سقط وتحريف.

(3/221)


فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8)

وقوله عز وجل: وَالنَّاشِراتِ نَشْراً (3) .
وهي: الرياح التي تأتي بالمطر.
وقوله عزَّ وجل: فَالْفارِقاتِ فَرْقاً (4) .
وهي: الملائكة، تنزل بالفرْق، بالوحي ما بين الحلال والحرام وبتفصيله «1» ، وهي أيضًا.
«فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً» (5) .
هى: الملائكة تلقى الذكر إلي الأنبياء.
وقوله عزَّ وجلَّ: عُذْراً أَوْ نُذْراً (6) .
خففه الْأَعْمَش، وثقل «2» عاصم: (النُّذر) وحده. وَأهل الحجاز والحسن يثقلون عذرًا أَوْ نذرًا «3» . وهو مصدر مخففا كان أو مثقلا. ونصب عذرًا أَوْ نذرًا أي: أرسلت بما أرسلت بِهِ إعذارًا من اللَّه وَإنذارًا.
وقوله عز وجل: فَإِذَا «4» النُّجُومُ طُمِسَتْ (8) .
ذهب ضوءها.
وقوله عزَّ وجلَّ: وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (11) .
اجتمع القراء عَلَى همزها، وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: «وقِّتت» «5» بالواو، وقرأها «6» أَبُو جَعْفَر الْمَدَنِيّ: «وُقِتت» بالواو خفيفة «7» ، وإنما همزتْ لأن الواو إِذَا كانت أَوَّل حرف وضمت همزت، من ذَلِكَ قولك: صَلّى القوم أُحدانا. وأنشدني بعضهم:
__________
(1) فى ش: وبتفضيله وهو تصحيف. [.....]
(2) فى ش: وثقله، تحريف.
(3) قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وحفص «أَوْ نُذْراً» بإسكان الذال، وجميع السبعة على إسكان ذال «عُذْراً» سوى ما رواه الجعفي والأعمش عن أبى بكر عن عاصم أنه ضم الذال، وروى ذلك عن ابن عباس والحسن وغيرهما (تفسير القرطبي 19/ 156) .
(4) فى ب: وإذا وهو مخالف للمصحف.
(5) اختلف فى: «أُقِّتَتْ» فأبو عمرو بواو مضمومة مع تشديد القاف على الأصل لأنه من الوقت، والهمز بدل من الواو، وافقه اليزيدي (الاتحاف 430) .
(6) فى ش: قرأها.
(7) وهى قراءة شيبة والأعرج (انظر تفسير القرطبي 19/ 158) .

(3/222)


أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (16)

يَحُلّ أحَيْدَه، ويُقالُ: بَعْلٌ ... ومثلُ تموُّلٍ مِنْهُ افتقارُ «1»
ويقولون: هَذِهِ أجوه حسان- بالهمز، وذلك لأن ضمة الواو ثقيلة، كما كَانَ كسر الياء ثقيلا.
وقوله عز وجل: أُقِّتَتْ (11) . جمعت لوقتها يوم القيامة [121/ ا] .
وقوله عز وجل: لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (12) .
يعجب العباد من ذَلِكَ اليوم ثُمَّ قَالَ: «لِيَوْمِ الْفَصْلِ» (13) .
وقوله عز وجل: أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (16) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ (17) .
بالرفع. وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: «ألم نهلك الأولين وسنتبعهم الآخرين» ، فهذا دليل عَلَى أنها مستأنفة لا مردودة عَلَى (نهلك) ، ولو جزَمت عَلَى: ألم نقدّر إهلاك الأولين، وإتباعهم الآخرين- كَانَ وجهًا جيدًا بالجزم «2» لأنّ التقدير يصلح للماضي، وللمستقبل.
وقوله عز وجل: فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ (23) .
ذكر عنْ عليّ بْن أَبِي طَالِب رحمه اللَّه، وعن أَبِي «3» عَبْد الرَّحْمَن السلمي: أنهما شدَّدا، وخففها الْأَعْمَش وعاصم «4» . ولا تبعدن أن يكون المعنى فِي التشديد والتخفيف واحدًا لأن العرب قَدْ تَقُولُ: قدِّر عَلَيْهِ الموتُ، وقدّر عَلَيْهِ رزقه، وقُدِر عَلَيْهِ بالتخفيف والتشديد، وَقَدِ احتج الَّذِينَ خففوا فقالوا: لو كَانَ كذلك لكانت: فنعم المقدّرون. وَقَدْ يجمع العرب بين اللغتين، قَالَ اللَّه تبارك وتعالى: «فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً «5» » (4) ، وقال الأعشى:
__________
(1) فى النسخ: أحيد، والأرجح أنها تحريف (الأخيذ) ، وهو الأسير. والتمول: اقتناء المال.
(2) قرأ بالجزم الأعرج، قال ابن جنى، ويحتمل جزمه أمرين:
أحدهما: أن يكون أراد معنى قراءة الجماعة «نُتْبِعُهُمُ» بالرفع فأسكن العين استثقالا توالى الحركات.
والآخر: أن يكون جزما فيعطفه على قوله: نهلك، فيجرى مجرى قولك: ألم تزرنى ثم أعطك.. (المحتسب 2/ 346)
(3) سقطت فى ب.
(4) وقرأ نافع والكسائي وأبو جعفر بتشديد الدال من التقدير، وافقهم الحسن والباقون بالتخفيف من القدرة (الاتحاف 430) .
(5) سورة الطارق، الآية: 17.

(3/223)


أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (25)

وأنْكرتْني، وما كَانَ الَّذِي نَكِرتْ ... من الحوادثِ إلَّا الشيبَ والصَّلَعا «1»
وقوله عزَّ وجلَّ: أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً (25) أَحْياءً وَأَمْواتاً (26) .
تكفتهم أحياء عَلَى ظهرها فِي بيوتهم ومنازلهم، وتكفتهم أمواتًا فِي بَطنها، أي: تحفظهم وتحرزهم. ونصبك الأحياءَ والأموات بوقوع الكفات عَلَيْهِ، كأنك قلت: ألم نجعل الأرض كفاتَ أحياءٍ، وأمواتٍ، فإذا نونت نصبت- كما يقرأ من قَرَأَ: «أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ، يَتِيماً» «2» ، وكما يقرأ: «فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ «3» » ، ومثله: «فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ «4» » [121/ ب] .
وقوله عزَّ وجلَّ: إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ (30) .
يُقال: إنه يخرج لسانٌ من النار، فيحيط بهم كالسرادق ثُمَّ يتشعب مِنْهُ ثلاث شعب من دخان فيظلهم، حتَّى يفرغ من حسابهم إلى النار.
وقوله عز وجل: كَالْقَصْرِ (32) يريد: القصر من قصور مياه العرب، وتوحيده وجمعه عربيان، قَالَ اللَّه تبارك وتعالى: «سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ «5» » ، معناه: الأدبار، وكأن القرآن نزل عَلَى ما يَستحب العرب من موافقة المقاطع، ألا ترى أَنَّهُ قال: «إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ «6» » ، فثقل فى (اقتربت) لأن آياتها مثقلة، قَالَ:
«فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً «7» » . فاجتمع القراء عَلَى تثقيل الأول، وتخفيف هَذَا، ومثله: «الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ «8» » ، وقال: «جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً «9» » فأجريت رءوس الآيات على هذه المجاري، وهو أكثر من أن «10» يضبطه الكتاب، ولكنك تكتفى بهذا منه إن شاء الله.
__________
(1) من قصيدة فى مدح: هوذة بن على الجعفي، الديوان: 101.
(2) الآيتان: 14، 15 من سورة البلد.
(3) سورة المائدة، الآية 95. [.....]
(4) سورة البقرة، الآية 184. وقد وردت الآية فيما بين أيدينا من النسخ «أو فدية» وهو خطأ.
(5) سورة القمر، الآية: 45.
(6) سورة القمر، الآية: 6.
(7) سورة الطلاق: الآية: 8.
(8) سورة الرحمن: الآية: 5.
(9) سورة النبأ: الآية: 36.
(10) فى ش: من يضبطه، سقط.

(3/224)


هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (35)

وَيُقَال: كالقَصَر «1» كأصول النخل، ولست أشتهي ذَلِكَ لأنها مَعَ آيات مخففة، ومع أن «2» الجَمَلَ إنما شبه بالقصر، ألا ترى قوله جل وعز: «كأنّه جمالات صُفْرٌ» ، والصّفر:
سود الإبل، لا ترى أسوَدَ من الإبل إلّا وهو مشرب بصفرة، فلذلك سمتِ العربُ سودَ الإبل:
صفرا، كما سَمُّوا الظبَّاء: أُدْمًا لما يعلوها من الظلمة فِي بياضها، وَقَدِ اختلف «3» القراء فِي «جمالات» فقرأ عبد الله «4» بن مسعود وأصحابه: «جِمالَتٌ» «5» .
قال: [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ «6» ] حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْفَضْلِ عنْ عَطَاءٍ عنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَرْفَعُهُ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ (رَحِمَهُ اللَّهُ) أَنَّهُ قَرَأَ: «جِمَالاتٌ» وَهُوَ أَحَبُّ الْوَجْهَيْنِ إِلَيَّ لأَنَّ الْجِمَالَ أَكْثَرُ مِنَ الْجِمَالَةِ فِي كَلامِ الْعَرَبِ. وَهِيَ تَجَوُّزٌ، كَمَا يُقَالُ «7» :
حَجَرٌ وَحِجَارَةٌ، وَذَكَرٌ وَذِكَارَةٌ إِلا أَنَّ الأَوَّلَ أَكْثَرَ، فَإِذَا قُلْتَ: جِمَالاتٌ، فَوَاحِدُهَا: جِمَالٌ، مِثْلَ مَا قَالُوا: رِجَالٌ وَرِجَالاتٌ، وَبُيُوتٌ وَبُيُوتَاتٌ، فَقَدْ «8» يَجُوزُ أَنْ تَجْعَلَ وَاحِدَ الْجِمَالاتِ جِمَالَةً، [وَقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْقُرَّاءِ: جُمَالاتٌ «9» ] ، فَقَدْ تَكُونُ «10» مِنَ الشَّيْءِ الْمُجْمَلِ، وَقَدْ تَكُونُ جُمَالاتٌ جَمْعًا مِنْ جَمْعِ الْجِمَالِ. كَمَا قَالُوا: الرَّخِلُ وَالرُّخَالُ، وَالرِّخَالُ.
وقوله عزَّ وجلَّ: هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ (35) .
اجتمعت القراء عَلَى رفع اليوم «11» ، ولو نُصب لكان «12» جائزا على جهتين: إحداهما- أن
__________
(1) رواها أبو حاتم: كالقصر: القاف والصاد مفتوحتان- عن ابن عباس وسعيد بن جبير (المحتسب 2/ 346) .
وفى البخاري عن ابن عباس: «تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ» قال: كنا نرفع الخشب بقصر ثلاثة أذرع أو أقل، فترفعه للشتاء فنسميه القصر. (تفسير الطبري: 9/ 163) .
(2) فى ش: ومن أن، تحريف.
(3) فى ش: اختلفت.
(4) فى ش: فقرأ ابن مسعود.
(5) وقرأ حفص وحمزة والكسائي «جِمالَتٌ» ، وبقية السبعة «جمالات» (تفسير القرطبي: 19/ 165)
(6) ما بين الحاصرتين، زيادة فى ش.
(7) فى ش: تقول. [.....]
(8) فى ش: وقد.
(9) ما بين الحاصرتين فى هامش ب.
(10) فى ش: يكون.
(11) روى يحيى بن سلطان عن أبى بكر عن عاصم: «هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ» بالنصب، ورويت عن ابن هرمز وغيره (تفسير القرطبي: 19/ 166) .
(12) فى ش: نصبت كان.

(3/225)


العرب إذا أضافت اليوم والليلة إلى فعلَ أَوْ يفعل، أَوْ كلمة مجملةٍ لا خفض فيها نصبوا اليوم فِي موضع الخفض والرفع، فهذا وجه. والآخر: أن تجعل هَذَا فِي معنى: فِعلٍ مجَملٍ من «لا يَنْطِقُونَ «1» » - وعيدُ اللَّه وثوابه- فكأنك قلت: هَذَا الشأن فِي يومِ لا ينطقون. والوجه الأول أجود، والرفع أكثر في كلام العرب. ومعنى قوله: هَذَا «2» يَوْمُ لا ينطقون «3» ولا يعتذرون فِي بعض الساعات «4» فِي ذَلِكَ اليوم. وذلك فِي هَذَا النوع بيّن. تقول فِي الكلام: آتيك يوم يقدُم أبوك، ويوم تقدَم، والمعنى ساعة يقدم «5» وليس باليوم كُلِّه ولو كَانَ يومًا كلّه فِي المعنى لما جاز فِي الكلام إضافته إلى فعل، ولا إلى يفعَل، ولا إلى كلام مجمل، مثل قولك: آتيتك حين الحجاجُ أميرٌ.
وإنما استجازت العربُ: أتيتك يوم مات فلان، وآتيك يوم يقدم فلان لأنهم يريدون: أتيتك إذ قدم، وإذا يقدَم فإذ وإذا لا تطلبان الأسماء، وإنما تطلبان الفعل. فلما كَانَ اليوم والليلة وجميع المواقيت فِي معناهما أضيفا إلى فعلَ ويفعَلُ وإلى الاسم المخبر عَنْهُ، كقول الشَّاعِر:
[122/ ب] أزمان من يرد الصنيعة يصطنع ... مِننًا، ومن يرد الزهادة يزهد «6»
وقوله عز وجل: وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36) .
نويت بالفاء أن يكون «7» نسقًا عَلَى ما قبلها، واختير ذَلِكَ لأن الآيات بالنون، فلو قيل:
فيعتذروا لم يوافق الآيات. وَقَدْ قَالَ اللَّه جل وعز: «لَا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا «8» » بالنصب، وكلٌّ صواب. مثله: «مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ «9» » و (فيضاعفَه) ، قَالَ، قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه: كذا كَانَ يقرأ الكِسَائِيّ، والفراء، وحمزة، (فيضاعفهُ) «10» .
__________
(1) سقط فى ش، وهى فى هامش ب.
(2) سقط فى ش.
(3) مكررة فى ش.
(4) فى ش: ساعات ذلك اليوم، تصحيف.
(5) كذا فى ش، وفى ب،، ح: تقدم تصحيف.
(6) فى ش: فينا مكان مننا
(7) فى ش: تكون.
(8) سورة فاطر الآية: 36.
(9) سورة البقرة الآية: 245. [.....]
(10) وقرأ ابن عامر، وعاصم، ويعقوب: «فيضاعفه» (الإتحاف 159) .

(3/226)


عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1)

وقوله: جل وعز فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (39) .
إن كَانَ عندكم حيلة، فاحتالوا لأنفسكم.
وقوله تبارك وتعالى: وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ (48) .
يَقُولُ: إِذَا أُمروا بالصلاة لم يصلوا.