معاني القرآن للفراء ومن سورة إذا الشمس كورت
قوله عز وجل: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) ذهب ضوءها.
وقوله تبارك وتعالى: [128/ ا] وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ
(2) .
أي: انتثرت وقعت عَلَى وجه الأرض.
وقوله جل وعز: وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ (4) .
والعشار: لُقُح الإبل عطلها أهلها لاشتغالهم بأنفسهم.
وقوله عز وجل: وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) .
[حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ
قَالَ] «2» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي أبو
الأحوص سلام ابن سليم عن سعيد بْن مسروق عنْ عكرمة قَالَ:
حشرها: موتها.
وقوله عز وجل: وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ (6) .
أفضى بعضها إلى بعض، فصارت بحرًا واحدًا.
وقوله جل وعز: وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7) .
[حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ
قَالَ] «3» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي أبو
الأحوص سلام ابن سليم عَن سَعِيد بْن مسروق أَبِي سُفْيَان عَن
عكرمة فِي قوله: وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ قال:
__________
(1) قرأ بها ابن أبى عبلة (البحر المحيط: 8/ 430) .
(2، 3) ما بين الحاصرتين زيادة من ش.
(3/239)
يقرن الرجل بقرينه الصالح فِي الدنيا فِي
الجنة، ويقرن الرجل الَّذِي كَانَ يعمل العمل السيّء بصاحبه
الَّذِي كَانَ يعينه عَلَى ذَلِكَ فِي النار، فذلك تزويج
الأنفس. قَالَ الفراء: وسمعت «1» بعض العرب يَقُولُ: زوجت
إبلي، ونهى اللَّه أن يقرن بين اثنين، وذلك أن يقرن البعير
بالبعير فيعتلفان معا، ويرحلان معا.
[حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ
قَالَ] «2» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي حِبَّانُ
عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ أبيه «3» عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ، وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ غُرَابٍ عَنِ ابْنِ
مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عباس أنه قرأ: «وإذا
الموؤدة سألت «4» » (8) «بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ» (9) وقال:
هى «5» التي تسأل ولا تسأل وقد يجوز أن يقرأ: «بِأَيِّ ذَنْبٍ
قُتِلَتْ» ، وَالْمَعْنَى: بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلْتُ. كَمَا
تَقُولُ فِي الْكَلامِ:
عَبْدَ اللَّهِ بِأَيِّ ذَنْبِ ضُرِبَ، وَبِأَيِّ ذَنْبٍ
ضُرِبْتُ. وَقَدْ مرّ لَهُ نظائر من الحكاية، من ذلك [128/ ب]
قول عنترة:
الشاتِمي عِرضي ولم أشتمها ... والناذرين إِذَا لقيتهما دمي
«6»
والمعنى: أنهما كانا يقولان: إِذَا لقينا عنترة لنقتلنه. فجرى
الكلام فِي شعره عَلَى هَذَا المعنى.
واللفظ مختلف، وكذلك قوله
رَجُلانِ من ضَبَّةَ أَخبرانا ... إِنَّا رأينا رجلًا عريانًا
«7»
والمعنى: أخبرانا أنهما، ولكنه جرى عَلَى مذهب القول، كما
يَقُولُ «8» : قَالَ عَبْد الله: إنه إنه لذاهب «9» وإني ذاهب
«10» ، والذهاب لَهُ فِي الوجهين جميعًا.
__________
(1) فى ش: سمعت.
(2) سقط فى ش.
(3) سقط فى ش.
(4) وكذلك هو فى مصحف أبى (تفسير القرطبي: 19/ 234) ، وهى أيضا
قراءة ابن مسعود وعلى وجابر ابن زيد ومجاهد (البحر المحيط: 8/
433) .
(5) فى ش: وقال التي تسأل وقد.
(6) الشاتماه: هما: ابنا ضمضم: هرم، وحصين اللذان قتل عنترة
أباهما، فكانا يتوعدانه. وفى رواية: إذا لم القهما (انظر ص:
343) من مختارات الشعر الجاهلى. وص: 154 من شرح ديوان عنترة.
(7) انظر المحتسب: 1/ 109 والخصائص: 2/ 338. [.....]
(8) فى ش: تقول.
(9) فى ش: ذاهب.
(10) فى ش لذاهب
(3/240)
عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا
أَحْضَرَتْ (14)
ومن قرأ: «وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ»
(8) ففيه وجهان: سئلت: فقيل لها: «بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ»
(9) ثم يجوز قتلت. كما جاز فِي المسألة الأولى، ويكون سئلت:
سئل عَنْهَا الَّذِينَ وأدُوها. كأنك قلت:
طلبتْ منهم، فقيل: أَيْنَ أولادُكم؟ وبأي ذنب قتلتموهم؟ وكل
الوجوه حسن بيّن إلّا أن الأكثر (سئلت) فهو أحبُّها إلي.
وقوله عزَّ وجلَّ: وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10) .
شدّدها يَحيى بْن وثاب، وأصحابه، وخففها آخرون من أهل المدينة
«1» وغيرهم. وكلٌّ صواب، قَالَ الله جل وعز «صُحُفاً
مُنَشَّرَةً «2» » ، فهذا شاهد لمن شدّد، ومنشورة عربي،
والتشديد فِيهِ والتخفيف لكثرته، وأنَّه جمع كما تَقُولُ: مررت
بكباش مذبّحة، ومذبوحةٍ، فإذا كَانَ واحدًا لم يجز إلا
التخفيف، كما تَقُولُ: رَجُل مقتول، ولا تَقُولُ: مُقَتَّلٌ.
وقوله جل وعز وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ (11) .
نزعت وطويت، وفى [129/ ا] قراءة عَبْد اللَّه: «قشطت» بالقاف،
وهما لغتان، والعرب تَقُولُ:
القافور «3» والكافور، والقَفُّ والْكَفُّ- إِذَا تقارب
الحرفان فِي المخرج تعاقبًا فِي اللغات: كما يقال:
جدف وجدث، تعاقبت الفاء الثاء فى كثير من الكلام، كما قيل:
الأثافى والأثاثى «4» ، وثوب فُرْقبي وثُرقبي «5» ، ووقعوا فِي
عاثورِ شَرّ، وعافور شر «6» .
وقوله عزَّ وجلَّ: وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12) .
خففها الْأَعْمَش وأصحابه، وشددها الآخرون «7» .
وقوله تبارك وتعالى: عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ (14) جواب
لقوله «إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ» (1) ولما بعدها، «وَإِذَا
الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ» (13) قربت.
__________
(1) قرأ بالتخفيف جماعة منهم: أبو رجاء وقتادة والحسن والأعرج
وشيبة وأبو جعفر ونافع وابن عامر وعاصم (البحر المحيط 8/ 434)
.
(2) سورة المدثر: 52.
(3) ونقدمت قراءة عبد الله: «قافورا» فى «كافُوراً» . (البحر
المحيط 8/ 434) .
(4) الأثافى: جمع أثفية، وهى الحجر الذي توضع عليه القدر.
(5) الثرقبية والفرقبية: ثياب كتان بيض وقيل: من ثياب مصر،
يقال: ثوب ثرقبى وفرقبى.
(6) العاثور: ما عثر به، وقعوا فى عاثور شر، أي: فى اختلاط من
شر وشدة.
(7) منهم نافع وابن ذكوان وحفص وأبو بكر (الإتحاف: 434) .
(3/241)
فَلَا أُقْسِمُ
بِالْخُنَّسِ (15)
وقوله عز وجل: فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ
(15) .
وهي النجوم الخمسة تَخنُس فِي مجراها، ترجع وتكنِس: تستتر كما
تكنس الظباء فِي المغار، وهو الكنِاسُ. والخمسة: بَهرام،
وزُحَل، وعُطارد، والزُّهَرة، والمشترى.
وقَالَ الكلبي: البِرْجيس: يعني المشترى.
وقوله عز وجل: وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ (17) .
اجتمع المفسرون: عَلَى أن معنى «عَسْعَسَ» : أدبر، وكان بعض
أصحابنا يزعم أن عسعس: دنا من أوله وأظلم، وكان أَبُو البلاد
النحوي ينشد فِيهِ «1»
عَسْعسَ حتَّى لو يشاءُ أدّنا ... كان له من ضوئه مقبس
يريد: إذ دنا، ثُمَّ يلقى همزة إذ «2» ، ويُدغم الذال فِي
الدال، وكانوا يرون أن هَذَا البيت مصنوع.
وقوله: وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ (18) .
إِذَا ارتفع النهار، فهو تنفس الصبح.
وقوله عز وجل: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) .
يعني: جبريل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، وعلى جميع الأنبياء.
وقوله: وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بظنين [129/ ب] (24) .
[حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ
قَالَ «3» ] حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي قيس بن
الربيع عن عاصم ابن أَبِي النجود عنْ زر بْن حبيش قَالَ: أنتم
تقرءون: (بِضَنِينٍ) ببخيل، ونحن نقرأ (بظنين) «4» بِمتَهم.
وقرأ عاصم وأهل الحجاز وزيد بن ثابت (بِضَنِينٍ) وهو حسن،
يَقُولُ: يأتيه غيب السماء، وهو منفوس «5» فيه فلا يضن به
عنكم، فلو كَانَ مكان: عَلَى- عنْ- صلح أَوِ الباء
__________
(1) البيت منسوب فى تفسير القرطبي 19/ 237 إلى امرئ القيس، وقد
رجعت إلى ديوانه فلم أجده هناك.
ورواية القرطبي: «كان لنا من ناره» مكان: «كان له من ضوئه» .
ورواية اللسان متفقة هى ورواية الفراء.
(2) سقط فى ش.
(3) ما بين الحاصرتين زيادة من ش.
(4) وهى قراءة ابن كثير، وأبى عمرو، والكسائي، ورويس.
(الإتحاف: 434) [.....]
(5) فى النسخ منفوش، والتصويب من اللسان، نقلا عن الفراء.
(3/242)
إِذَا السَّمَاءُ
انْفَطَرَتْ (1)
كما تقول: ما هو بضنين بالغيب. والذين
قالوا: بظنين. احتجوا بأن على تقوى «1» قوهم، كما تَقُولُ:
ما أنت عَلَى فلان بمتهم، وتقول: ما هو عَلَى الغيب بظنين:
بضعيف، يَقُولُ: هُوَ محتمل لَهُ، والعرب تَقُولُ للرجل الضعيف
أَوِ الشيء القليل: هُوَ ظنون. سمعت بعض قضاعة يَقُولُ: ربما
دلّك عَلَى الرأي الظنون، يريد: الضعيف من الرجال، فإن يكن
معنى ظنين: ضعيفًا، فهو كما قيل: ماءٌ شريب، وشروب، وقرونى،
وقرينى، وسمعت: قرونى وقرينى، وقرونتى وقرينتي «2» - إلا أنّ
الوجه ألّا تدخِل الهاء. وناقة طعوم وطعيم، وهي التي»
بين الغثّة والسمينة.
وقوله عز وجل: فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26) ؟
العرب تَقُولُ: إلى أَيْنَ تذهب؟ وأينَ تذهب؟ ويقولون: ذهبت
الشامَ، وذهبت السوق، وانطلقت الشام، وانطلقت السوق، وخرجت
الشام- سمعناه فِي هَذِهِ الأحرف الثلاثة: خرجت، وانطلقت،
وذهبت. وقَالَ الكِسَائِيّ: سمعت العرب تَقُولُ: انطُلِقَ بِهِ
الفورَ، فتنصب عَلَى معنى إلقاء الصفة، وأنشدني بعض بني عُقَيل
«4» :
تَصيحُ بنا حَنيفةُ إذ رأتنا ... وأيّ الأرضِ تذهبُ للصِّياح
يريد: إلى أي الأرض تذهب [130/ ا] واستجازوا فِي هَؤُلَاءِ
الأحرف إلقاءَ (إلى) لكثرة استعمالهم إياها.
ومن سورة إذا السماء انفطرت
قوله عز وجل: إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ (1) : انشقت.
وقوله عز وجل: وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4) .
خرج ما فِي بطنها من الذهب والفضة، وخرج الموتى بعد ذَلِكَ،
وهو «5» من أشراط الساعة:
أن تخرج الأرضُ أفلاذَ كبدها من ذهبها وفضتها. قَالَ الفراء:
الأفلاذ القِطَعُ من الكبد المشرح والمشرحة «6» ، الواحد فلذ،
وفلذة.
__________
(1) فى ش: يقوى.
(2) وقرونى وقرينى، وقرونتى وقرينتى، وهى النفس والعزيمة.
(3) فى ش: وهى بين.
(4) نقل القرطبي فى تفسيره، ما حكاه الفراء عن العرب هنا، ثم
أورد البيت وجعل «بالصياح» مكان «للصياح» (تفسير القرطبي: 19/
142) .
(5) سقط فى ش.
(6) من هامش ب، وصلب ش.
(3/243)
الَّذِي خَلَقَكَ
فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7)
وقوله تبارك وتعالى: عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا
قَدَّمَتْ من عملها وَأَخَّرَتْ (5) .
وما أخرت: ما سنت من سنة حسنة، أَوْ سيئة فعُمل بها.
وجواب: «إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ» (1) قوله: «عَلِمَتْ
نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ» .
وقوله جل وعز: الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) .
قرأها الْأَعْمَش وعاصم: «فَعَدَلَكَ» مخففة «1» . وقرأها أهل
الحجاز: «فَعَدَلَكَ» مشددة. فمن قرأها بالتخفيف فوجهه والله
أعلم: فصرفكَ إلى أيِّ صورةٍ شاءَ إما: حَسَنٌ، أَوْ قَبيحٌ،
أَوْ طويل، أَوْ قصير.
قال: [حدثنا «2» الفراء قال] «3» : وحدثني بعض المشيخة عنْ
ليثٍ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيح أَنَّهُ قَالَ:
فِي صورة عمٍّ فِي صورة أبٍ، فِي صورة بعض القرابات تشبيهًا.
ومن قَرَأَ: «فَعَدَلَكَ» مشددة، فإنه أراد- والله أعلم: جعلك
معتدلا معدّل الخلق، وهو أعجب الوجهين إليَّ، وأَجودُهما فِي
العربية لأنك تَقُولُ: فِي أي صورة ما شاء ركبك، فتجعل- فِي-
للتركيب أقوى فِي العربية من أن يكون «4» فى للعدل [130/ ب]
لأنك تَقُولُ: عَدَلتك إلى كذا وكذا، وصرفتك إلى كذا وكذا،
أجود من أن تَقُولُ: عدلتك فِيه، وصَرفتك فِيهِ.
وقوله جل وعز: كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9) .
بالتاء، وقرأ بعض أهل المدينة بالياءِ «5» ، وبعضهم بالتاءِ،
والْأَعْمَشُ وعاصمٌ بالتاء، والتاء أحسنُ الوجهين لقوله:
«وَإِنَّ عَلَيْكُمْ» ولم يقل: عليهم.
وقوله جل وعز: وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ (16) :
يَقُولُ: إِذَا دخلوها فليسوا بمخْرَجين منها.
اجتمع القراء عَلَى نصب «يَوْمَ لا تَمْلِكُ» (19) والرفع
__________
(1) وهى أيضا قراءة حمزة والكسائي وخلف، وافقهم الحسن والأعمش
(الإتحاف 434) .
(2) فى ش: قال الفراء: وحدثنى.
(3) زيادة فى ش.
(4) فى ش: تكون.
(5) ممن قرأ بالياء: أبو جعفر والحسن.
(3/244)
وَيْلٌ
لِلْمُطَفِّفِينَ (1)
جائز لو قرىء بِهِ «1» . زعم الكِسَائِيّ:
أن العرب تُؤْثر الرفعَ إِذَا أضافوا اليوم إلى يفعل، وتفعلُ،
وأفعلُ، ونفعلُ فيقولون: هَذَا يومُ نفعلُ ذاك، وأفعل ذاك،
ونفعلُ ذاك. فإذا قَالُوا: هَذَا يومَ فعلتَ، فأضافوا يوم إلى
فعلتُ أَوْ إلى إذْ «2» آثروا النصب، وأنشدونا:
عَلَى حينِ عاتبتُ المشيبَ عَلَى الصِّبا ... وقلتُ أَلَمَّا
تَصْحُ والشَّيبُ وازِعُ؟ «3»
وتجوز «4» فِي اليَاءِ والتاء ما يجوز فِي فعلت، والأكثر ما
فسّر الكِسَائِيّ.
ومن سورة المطففين
قوله عز وجل: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) .
نزلت أَوَّل قدوم النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ إلى
المدينة، فكان أهلها إِذَا ابْتاعوا كَيْلًا أَوْ وزنًا
استوفَوْا وأفرطوا. وإذا باعوا كيلًا أو وزنا نقصوا فنزلت
«وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ» فانتهَوْا، فهم أَوْ فِي النَّاس
«5» كيْلًا إلى يومهم هَذَا.
[قَالَ] «6» قَالَ الفراء: ذُكرَ أن «وَيْلٌ» وادٍ فِي جهنم،
والويل الَّذِي نعرف «7» .
وقوله عز وجل: وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ [131/ ا] وَزَنُوهُمْ «8»
(3) الهاء فِي موضع نصب، تَقُولُ: قَدْ كِلتك طعامًا كثيرًا،
وكِلتني مثله. تريد: كِلْتَ لي،
__________
(1) قرأ بالنصب زيد بن على والحسن وأبو جعفر وشيبة والأعرج
وباقى السبعة (البحر المحيط 8/ 437) بإضمار يدانون (تفسير
الزمخشري 4/ 193) وقرأ بالرفع ابن أبى إسحق، وعيسى، وابن جندب
وابن كثير وأبو عمرو (البحر المحيط 8/ 437) ، وأجاز الزمخشري
فيه أن يكون بدلا مما قبله أو على: هو يوم لا تملك (تفسير
الزمخشري 4/ 193) .
(2) فى ش: وإلى إذ. [.....]
(3) فى ش: وأنشدوا، والبيت للنابغة، ورواية الديوان: ألمّا أصح
مكان ألمّا تصح وازع: زاجر.
(الكتاب: 1: 369) .
(4) فى ش: ويجوز.
(5) عبارة القرطبي التي نقلها عن الفراء: فهم من أوفى الناس
(تفسير القرطبي 19/ 250) .
(6) سقط فى ش.
(7) أي: العذاب والهلاك.
(8) فى جميع النسخ ورد الكلام عن الآية 3 قبل الآية 2.
(3/245)
يَوْمَ يَقُومُ
النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6)
وكِلْتُ لَكَ، وسمعت أعرابية تَقُولُ:
إِذَا صَدَرَ النَّاس أتينا التاجر، فيكيلنا الْمُدَّ
والمُدَّين إلى الموسم المقبل، فهذا شاهد، وهو من كلام أهل
الحجاز، ومن جاورهم من قيس.
وقوله عز وجل: اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ (2) .
يريد: اكتالوا من الناس، وهما تعتقبان: على ومِن- في هذا
الموضع لأنه حقّ عليه فإذا قال: اكتلتُ عليك، فكأنه قال: أخذتُ
ما عليك، وإذا قال: اكتلت منك، فهو كقولك:
استوفيت منك.
وقوله عز وجل: يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ (6) .
هو تفسير اليوم المخفوض لمّا ألقي اللام من الثاني ردّه إلى
«مَبْعُوثُونَ، يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ» فلو خفضت يومَ
بالرَّد على اليوم الأوَّلِ كان صوابًا.
وقد تكونُ في موضع خفض «1» إلَّا أنها أضيفت إلى يفعلُ، فنصبت
إذ أضيفت إلى غير محضٍ «2» ، ولو رفع على ذلك «يَوْمَ يَقُومُ
النَّاسُ» كما قَالَ الشَّاعِر:
فَكُنْتُ كذي رِجْلين: رَجُل صحيحة ... وأخرى رمَى فيها
الزَّمانُ فَشَلَّتِ «3» .
وقوله عز وجل: وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ (8) .
ذكروا أنها الصخرة التي تحت الأرض، ونرى أنه صفة من صفاتها
لأنه لو كان لها اسما لم يجر.
وإن قلت: أجريته لأنى ذهبت بالصخرة إلى أَنَّها الحجر الَّذِي
فِيهِ الكتاب كَانَ وجهًا.
وقوله عزَّ وجلَّ: كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما
كانُوا يَكْسِبُونَ (14) .
يَقُولُ: كثرت المعاصي والذنوب منهم، فأَحاطت بقلوبهم فذلك
الرَّين عليها. وجاء فِي الحديث: أن عمر «4» بن الخطاب رحمه
الله، قال للأسيفع «5» أصبَح قدرِين بِهِ. يَقُولُ: قَدْ أحاط
بماله [131/ ب] ، الدين وأنشدنى بعض العرب «6» :
__________
(1) فى الكشاف (2: 531) : وقرىء بالجر بدلا من (يوم عظيم) .
(2) فى ش: مخفوض.
(3) البيت لكثير عزة، والرفع على القطع، وهو وجه جائز مع الجر
على البدل. (الكتاب 1: 215) وانظر (الخزانة 2/ 276) .
(4) هذه رواية ش، وبقية النسخ: «أن فى عن عمر» ش: أن عمر قال.
(5) أسيفع جهينة، روى أن عمر خطب فقال: ألا إن الأسيفع أسيفع
جهينة قد رضى من دينه وأمانته، بأن يقال: سبق الحاج فادّان
معرضا، وأصبح قدرين به (اللسان مادة: رين) .
(6) فى اللسان: أنشده ابن الأعرابى 13/ 193، والرواية فيه:
ضحيت حتّى أظهرت ورين بي ... ورين بالسّاقى الذي كان معى
(3/246)
كَلَّا إِنَّ كِتَابَ
الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18)
لم ترو حتَّى هجرت ورين بي
يقول: حتَّى غُلبتُ من الإعياء، كذلك غلبَةُ الدَّيْنِ، وغلبةُ
الذنوبِ.
وقوله عزَّ وجلَّ: كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي
عِلِّيِّينَ (18) .
يَقُولُ القائل: كيف جمعت (عِلِّيون) بالنون، وهذا من جمع
الرجال فإن «1» العرب إِذَا جمعت جمعًا لا يذهبون فِيهِ إلى أن
لَهُ بناءً من واحد واثنين، فقالوه فِي المؤنث، والمذكر
بالنون، فمن ذَلِكَ هَذَا، وهو شيء فوق شىء غير معروف واحده
ولا أثناه.
وسمعت بعضَ العرب يَقُولُ: أَطْعَمَنَا مرقة مَرَقَيْن «2»
يريد: اللحم إِذَا طبخت بمرق.
قَالَ، [وقَالَ الفراء مرة أخرى: طبخت بماء] «3» واحد. قَالَ
الشَّاعِر:
قَدْ رَوِيَتْ إلا الدُّهَيْدِهِينَا ... قُليَصِّاتٍ
وأُبَيْكِرينَا «4»
فجمع بالنون لأنَّه أراد: العدد الَّذِي لا يُحَدُّ، وكذلك قول
الشَّاعِر:
فأصبحت المذَاهِبُ قَدْ أذاعت ... بِهَا الإعصار بعد الوابلينا
«5»
أراد: المطر بعد المطر غير محدود. ونرى أن قول العرب:
عشرون، وثلاثون إذ جعل للنساء وللرجال من العدد الَّذِي يشبه
هَذَا النوع، وكذلك عليّون: ارتفاعٌ بعد ارتفاع وكأنه لا غاية
لَهُ.
وقوله عزَّ وجلَّ: تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ
النَّعِيمِ (24)
__________
(1) عبارة القرطبي فى المسألة نقلا عن الفراء هى: «والعرب إذا
جمعت جمعا، ولم يكن له بناء من واحده، ولا تثنيته، قالوا فى
المذكر والمؤنث بالنون» (تفسير القرطبي 19/ 263) .
(2) عبارة اللسان نقلا عن الفراء: سمعت بعض العرب يقول: أطعمنا
فلان مرقة مرقين يريد: اللحم إذا طبخ، ثم طبخ لحم آخر بذلك
الماء. [.....]
(3) ساقط فى ش.
(4) الدهداء: صغار الإبل: جمع الدهداء بالواو والنون، وحذف
الياء من الدهيديهينا للضرورة (اللسان نقلا عن ابن سيده) .
وجاء فى اللسان: البكر من الإبل بمنزلة الفتى من الناس،
والبكرة بمنزلة الإنسان، والقلوص بمنزلة الجارية، ويجمع البكر
على أبكر، قال الجوهري: وقد صغره الراجز وجمعه بالياء والنون
فقال: وأورد البيت- والبيت غير منسوب- فى اللسان- وروايته فى
مادة (دهده) متفقة وما جاء هنا.. وجاء رواية فى مادة بكر: شربت
مكان رويت (اللسان) وانظر (الخزانة 3/ 408) .
(5) رواه المخصص غير منسوب، وفيه: فإن شئت جعلت الوابلين:
الرجال الممدوحين، وصفهم بالوبل سعة عطاياهم، وإن شئت جعلته
وبلا بعد وبل، فكان جمعا لم يقصد به قصد كثرة ولا قلة (المخصص:
9: 114) .
(3/247)
خِتَامُهُ مِسْكٌ
وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26)
يَقُولُ. بريق النعيم ونداه، والقراء
مجتمعون عَلَى (تعرف) إلا أبا جَعْفَر الْمَدَنِيّ فإنه
قَرَأَ: «تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ «1» »
و «يُعْرَفُ» أيضًا يجوز لأنّ النَّضْرةَ اسمٌ مؤنثٌ مأخوذ من
فعلٍ وتذكير فعله قبله [132/ ا] وتأنيثه جائزان.
مثل قوله: «وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا «2» الصَّيْحَةُ» وفى
موضع آخر. «وَأَخَذَتِ «3» » .
وقوله عزَّ وجلَّ: خَاتَمة مِسْكٌ (26) .
[قرأ الحسنُ وأهل الحجاز وعاصم والأعمش «خِتامُهُ مِسْكٌ «4» »
. حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا «5»
مُحَمَّدٌ قال: حدثنا الفراء قال: [و] «6» حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ «7»
عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَلِيِّ أنه قرأ «خاتمه
مسك» [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا
مُحَمَّدٌ] قال: «8» حدثنا الفراء قال: [و] «9» حدثنى أبو
الأحوص عن أشعث بن أبى الشعناء المحاربي قال:
قرأ علقمة بن قيس «خاتَمُهُ مِسْكٌ» «10» . وقال: أما رأيت
المرأة تَقُولُ للعطّار: اجْعل لي خاتمهُ مِسْكَا تريد: آخره،
والخاتم والختام متقاربان فِي المعنى، إلا أن الخاتم: الاسم،
والختام: المصدر، قَالَ الفرزدق:
فَبتْنَ جنابَتيَّ مُصرَّعَاتٍ ... وَبِتُّ أفضّ أغلاق الختام
«11»
ومثل الخاتم، والختام قولك للرجل: هُوَ كريم الطابع، والطباع،
وتفسيره: أن أحدهم إِذَا شرب وجد آخر كأسه ريح المسك.
وقوله عز وجل: وَمِزاجُهُ (27)
__________
(1) وهى أيضا قراءة يعقوب وشيبة وابن إسحاق، كما فى القرطبي:
19/ 265.
(2) سورة هود: 67، 94 على الترتيب.
(3، 4) سقط فى ش: من قرأ الحسن إلى مسك.
(5) فى ش حدثنى.
(6، 8) سقط فى ش.
(7) عطاء بن السائب: هو أبو زيد الثقفي الكوفي أحد الأعلام،
أخذ القراءة عرضا عن أبى عبد الرحمن السلمى، وأدرك عليا. روى
عنه شعبة بن الحجاج، وأبو بكر بن عياش، وجعفر بن سليمان، ومسح
على رأسه، ودعا له بالبركة. مات سنة ست وثلاثين ومائة (طبقات
الفراء: 1/ 513) .
(9) سقط فى ش.
(10) وهى أيضا قراءة الكسائي (الإتحاف: 435) ، وعلى وعلقمة
وشقيق والضحاك وطاووس (القرطبي 19/ 265) .
(11) الديوان: 252، ونقل اللسان عبارة الفراء هنا (مادة ختم) ،
وأورد البيت بروايته عن الفرزدق.
(3/248)
إِذَا السَّمَاءُ
انْشَقَّتْ (1)
مزاج الرحيق «مِنْ تَسْنِيمٍ» (27) من ماء
يتنزل عليهم من مَعالٍ. فَقَالَ: (من تسنيم، عينا) تتسنمهم
عينا فتنصب (عينا) عَلَى جهتين: إحداهما أن تنوِي من تسنيم
عينٍ، فإذا نونت نصبت.
كما قَرَأَ من قَرَأَ: «أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي
مَسْغَبَةٍ، يَتِيماً «1» » ، وكما قَالَ: «أَلَمْ نَجْعَلِ
الْأَرْضَ كِفاتاً، أَحْياءً وَأَمْواتاً «2» » ، وكما قَالَ
من قَالَ: «فَجَزاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ «3» »
والوجه الآخر:
أن تَنْوِيَ من ماء سُنِّم عينا.
كقولك: رفع عينا يشرب بها، وإن [لم] «4» يكن التسنيم اسمًا
للماء فالعين نكرة، والتسنيم معرفة، وإن كَانَ اسمًا للماء
فالعين معرفة «5» ، فخرجت أيضًا نصبًا.
وقوله جل وعز: فاكهين (31) : معجبين، وقد قرىء: «فَكِهِينَ «6»
» وكلّ صواب مثل: طمع وطامع.
ومن سورة إِذَا السماء انشقت
قوله عزَّ وجلَّ: إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ (1) .
تشقق بالغمام.
وقوله عز وجل: [132/ ب] وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ (2) .
سمعت «7» وحق لها ذلك. وقال بعض المفسرين: جواب «إِذَا
السَّماءُ انْشَقَّتْ» قوله: «وَأَذِنَتْ» ونرى أَنَّهُ رَأَى
ارتآه المفسر، وشبهه بقول الله تبارك وتعالى: «حَتَّى إِذا
جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها «8» » لأنا لم نَسْمَع جوابًا
بالواو فِي «إذ» مبتدأة، ولا قبلها كلام، ولا فِي «إِذا» إِذَا
ابتدئت، وإنما تجيب العرب بالواو فِي قوله: حتَّى إِذَا كَانَ،
و «فلما أن كان» لم يجاوزوا ذلك.
__________
(1) سورة البلد:: 14، 15.
(2) سورة المرسلات الآيتان: 25، 26. [.....]
(3) سورة المائدة: الآية 95.
(4) زيادة من اللسان نقلا عن الفراء، وبها يتضح المعنى.
(5) كذا فى اللسان، وفى النسخ نكرة، تحريف.
(6) هذه قراءة حفص وأبى جعفر وابن عامر فى إحدى روايتيه.
(الإتحاف: 435) .
(7) سقط فى ش.
(8) سورة الزمر الآية: 73، هذا على أن واو (وفتحت) زائدة.
ويجوز أن تكون أصلية والجواب محذوف، لأنه فى صفة ثواب أهل
الجنة: فدل بحذفه على أنه شىء لا يحيط به الوصف. وانظر
(الكشاف: 2: 307) .
(3/249)
يَا أَيُّهَا
الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا
فَمُلَاقِيهِ (6)
قَالَ اللَّه تبارك وتعالى: «حَتَّى إِذا
فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ
يَنْسِلُونَ، وَاقْتَرَبَ «1» » بالواو، ومعناه: اقترب. والله
أعلم. وَقَدْ فسرناه فِي غير هَذَا الموضع.
وقوله عزَّ وجلَّ: وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3) .
بسطت ومُدِّدت كما يمدّد «2» الأديم العكاظي «3» والجواب فى:
«إِذَا «4» السَّماءُ انْشَقَّتْ» ، وفى «وَإِذَا الْأَرْضُ
مُدَّتْ» كالمتروك لأنَّ المعنى معروف قَدْ تردّد فِي القرآن
معناه فعرف.
وإن شئت كَانَ جوابه: يا أيها الإنسان «5» . كقول القائل:
إِذَا كَانَ كذا وكذا فيأيها النَّاس ترون ما عملتم من خير
أَوْ شر. تجعل يا أيها الْإِنْسَان «6» هُوَ الجواب، وتضمر
فِيهِ الفاء، وَقَدْ فسِّر جواب:
إِذَا السماء- فيما يلقى الْإِنْسَان من ثواب وَعقاب- وكأن
المعنى: ترى الثواب والعقاب إذا انشقت السماء.
وقوله عز وجل: وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ
(10) .
يُقال: إن إيمانهم تُغل إلى أعناقهم، وتكون شمائلهم وراءَ
ظهورهم.
وقوله عزَّ وجلَّ: فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً (11) .
الثبور «7» أن يقول: وا ثبوراه، وا ويلاه، والعرب تَقُولُ:
فلان يدعو لَهفَة «8» إِذَا قَالَ: وا لهفاه.
وقوله: وَيَصْلى سَعِيراً (12) .
قَرَأَ الْأَعْمَش وعاصم: «وَيَصْلى» ، وَقَرَأَ الْحَسَن
والسلمي وبعض أهل المدينة: «وَيَصْلى» «9» وقوله: «ثُمَّ
الْجَحِيمَ صَلُّوهُ «10» » .
__________
(1) سورة الأنبياء الآيتان: 96، 97.
(2) فى ش: ومدّت كما يمد.
(3) أديم عكاظى منسوب إلى عكاظ، وهو مما حمل إلى عكاظ فبيع
بها.
(4) سقط فى ش.
(5، 6) فى ش: الناس.
(7) سقط فى ش.
(8) يقال: نادى لهفه، إذا قال: يا لهفى.
(9) قرأ بها الحرميان، وابن عامر والكسائي. (الإتحاف: 436) .
[.....]
(10) الحاقة الآية: 31
(3/250)
إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ
لَنْ يَحُورَ (14)
يشهد للتشديد لمن قَرَأَ «وَيَصْلى» ، و
«يَصْلَى» أيضًا جائز لقول اللَّه عزَّ وجلَّ:
«يَصْلَوْنَها «1» » ، و «يَصْلاها «2» » . وكل صواب واسع «3»
[133/ ا] .
وقوله عزَّ وجلَّ: إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14) بَلى
(15) .
أن لن يعود إلينا إلى الآخرة. بلى ليحورَنَّ، ثُمَّ استأنف
فَقَالَ: «إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً» (15) .
وقوله عز وجل: فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (16) .
والشفق: الحمرة التي فِي المغرب من الشمس [حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ قَالَ: «4» ] حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ:
حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي يَحْيَى
عنْ حُسَيْن بْن عَبْد اللَّه بْن ضُمَيرة عنْ أَبِيهِ عنْ
جَدّه رفعه قَالَ: «5» الشفق: الحمرة. قَالَ الفراء: وكان بعض
الفقهاء يَقُولُ: الشفق: البياض لأنّ الحمرة تذهب إِذَا أظلمت،
وإنما الشفق: البياض الَّذِي إِذَا ذهب صُلِّيت العشاء الآخرة،
والله أعلم بصواب ذَلِكَ.
وسمعت بعض العرب يَقُولُ: عَلَيْهِ ثوبٌ مصبوغ كأنه الشفق،
وكأن أحمر، فهذا شاهد للحمرة.
وقوله عزَّ وجلَّ: وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ (17) : وما جمع.
وقوله تبارك وتعالى: وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18) .
اتساقه: امتلاؤه ثلاث عشرة إلى ست عشرة فيهن اتساقه.
وقوله عزَّ وجلَّ: لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ (19) .
[حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: «6» ] حَدَّثَنَا
مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي
قيس بْن الربيع عنْ أَبِي إِسْحَاق: أن مسروقًا قَرَأَ:
«لتركَبنَّ يا مُحَمَّد حالًا بعد حال» وذُكر عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَرَأَ: «لَتَرْكَبُنَّ» وفسر
«لَتَرْكَبُنَّ» السماء حالا بعد حال.
[حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ
قَالَ: «7» ] ، حدثنا الفراء قال: و «8» حدثنى سفيان بن عيينة
__________
(1) سورة إبراهيم الآية: 29، وسورة ص: الآية 56، وسورة
المجادلة الآية: 8.
(2) سورة الإسراء الآية: 18، وسورة الليل الآية: 15.
(3) سقط فى ش.
(4) ما بين الحاصرتين زيادة فى ش.
(5) فى ش: فقال.
(6) ما بين الحاصرتين زيادة فى ش.
(7) ما بين الحاصرتين زيادة فى ش.
(8) فى ش: حدثنى.
(3/251)
وَالسَّمَاءِ ذَاتِ
الْبُرُوجِ (1)
عَنْ عَمْرٍو عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ:
«لَتَرْكَبُنَّ» «1» وَفَسَّرَ: لَتَصِيرَنَّ الأُمُورُ حَالا
بَعْدَ حَالٍ لِلشِّدَّةِ.
وَالْعَرَبُ تَقُولُ: وَقَعَ فِي بَنَاتِ طَبَقٍ، إِذَا وَقَعَ
فِي الأَمْرِ الشَّدِيدِ «2» ، فَقَدْ قَرَأَ هَؤُلاءِ:
«لَتَرْكَبُنَّ» وَاخْتَلَفُوا فِي التَّفْسِيرِ. وَقَرَأَ
أَهْلُ المدينة وكثير من الناس: «لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً»
يَعْنِي: النَّاسَ عَامَّةً! وَالتَّفْسِيرُ: الشِّدَّةُ «3»
وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي الأَوَّلِ: لَتَرْكَبَنَّ أَنْتَ يَا
مُحَمَّدُ سَمَاءً بَعْدَ سَمَاءٍ، وَقُرِئَتْ:
«لَيَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ» وَمَعَانِيهِمَا
مَعْرُوفَةٌ، «لَتَرْكَبُنَّ» ، كَأَنَّهُ خَاطَبَهُمْ،
«وَلَيَرْكَبُنَّ» «4» أَخْبَرَ عنهم.
وقوله عز وجل: بِما يُوعُونَ (23) .
الإيعاء:، ما يجمعون فِي صدورهم من التكذيب والإثم. والوعي لو
«5» قيل: وَالله أعلم بما يوعون [133/ ب] لكَان صوابًا، ولكنه
لا يستقيم فِي القراءَة. |