معاني القرآن للفراء ومن سورة البروج
قوله عز وجل: وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ (1) .
اختلفوا فى البروج، فقالوا: هِيَ النجوم، وقالوا: هِيَ البروج
التي تجرى فيها الشمس والكواكب المعروفة: اثنا عشر برجًا،
وَقالوا: هِيَ قصور فِي السماء، والله أعلم بصواب ذلك.
وقوله جل وعز: وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) .
ذكروا أنه القيامة، «وَشاهِدٍ» (3) يوم الجمعة، «وَمَشْهُودٍ»
(3) يوم عرفة، وَيقال: الشاهد أيضًا يوم القيامة، فكأنه قَالَ:
واليوْم الموعوْد وَالشاهد، فيجعلُ «6» الشاهد من صلة الموعود،
يتبعه فى خفضه.
__________
(1) «لتركبن» ، وهى قراءة أبى عمرو، وأبى العالية، ومسروق،
وأبى وائل، ومجاهد، والنخعي، والشعبي، وابن كثير، وحمزة،
والكسائي (تفسير القرطبي: 19/ 278)
(2) بنات طبق: الدواهي، ويقال للداهية: إحدى بنات طبق، ويقال
للدواهى: بنات طبق، ويروى: أن أصلها الحية، أي: أنها استدارت
حتى صارت مثل الطبق.
(3) فى ش: الشديد، تحريف.
(4) التصحيح من ش، وفى ب: وليركبو.
(5) فى ش: ولو، تحريف. [.....]
(6) فى ش: فتجعل.
(3/252)
إِنَّ الَّذِينَ
فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ
يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ
الْحَرِيقِ (10)
وقوله جل وعز: قُتِلَ أَصْحابُ
الْأُخْدُودِ (4) .
يقال في التفسير: إن جواب القسم في قوله: «قُتِلَ» ، كما كان
جواب «وَالشَّمْسِ وَضُحاها «1» » فى قوله! «قَدْ أَفْلَحَ «2»
» : هذا في التفسير، ولم نجد العرب تدع القسم بغير لام
يُسْتَقْبَلُ بها أو «لا» أو «إن» أو «ما» فإن يكن كذلك فكأنه
مما ترك فيه الجواب: ثم استؤنف موضع الجواب بالخبر، كما قيل:
يا أيها الإنسان في كثير من الكلام.
وقوله جل وعز: أَصْحابُ الْأُخْدُودِ (4) .
كَانَ ملك خدّ لقوم أخاديد فِي الأرض، ثُمَّ جمع فيها الحطب،
وألهب فيها النيران، فأحرق بها قومًا وقعد الَّذِينَ حفروها
حولها، فرفع اللَّه النار إلى الكفرة الَّذِينَ حفروها
فأحرقتهم، ونجا منها المؤمنون،
فذلك قوله عزَّ وجل: «فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ» (10) فى
الآخرة «وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ» (10) فِي الدنيا.
وَيُقَال: إنها أحرقت من فيها، ونجا الَّذِينَ فوقها.
واحتج قائل هَذَا بقوله: «وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ
بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ» (7) ، والقول الأول أشبه بالصواب،
وذلك لقوله: «فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ، وَلَهُمْ عَذابُ
الْحَرِيقِ» ولقوله فى صفة الذين آمنوا «ذلِكَ [134/ ا]
الْفَوْزُ الْكَبِيرُ» (11) يَقُولُ: فازوا من عذاب الكفار،
وعذاب الآخرة، فأكْبِر بِهِ فوزًا.
وقوله عزَّ وجلَّ: قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ (4) .
يَقُولُ: قتلتهم النار، ولو قرئت: «النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ»
، بالرفع كَانَ صوابًا «3» ، وقرأ أَبُو عَبْد الرَّحْمَن
السُّلَمي: «وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ «4» » رفع الشركاء بإعادة
الفعل: زينه «5» لهم شركاؤهم. كذلك قوله: «قُتِلَ أَصْحابُ
الْأُخْدُودِ» قتلتهم النار ذات الوقود. ومن خفض: «النَّارِ
ذاتِ الْوَقُودِ» وهي فِي قراءة «6» العوام- جعل النار هى
الأخدود إذ كانت النار فيها كأنه قَالَ: قتل أصحاب النار ذات
الوقود.
__________
(1، 2) سورة الشمس: 1، 9.
(3) قرأ بالرفع: أشهب العقيل، وأبو السّمال العدوى، وابن
السميفع أي: أحرقتهم النار ذات الوقود (تفسير القرطبي 19/ 287)
.
(4) سورة الأنعام الآية: 137.
(5) فى ش: زين.
(6) فى ش: وهى قراءة.
(3/253)
وَالسَّمَاءِ
وَالطَّارِقِ (1)
وقوله عز وجل: ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ
(15) .
خفضه يَحيى وأصحابه.
وبعضهم رفعه جعله من صفة اللَّه تبارك وتعالى. وخفْضُه من صفة
العرش،
كما قال: «بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ» (21) فوصف القرآن
بالمَجَادة.
وكذلك قوله: فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22) .
من خفض جعله من صفة اللوح «1» ، ومن رفع جعله للقرآن، وَقَدْ
رفع المحفوظ شَيْبَة، وأبو جعفر المدنيان «2» .
ومن سورة الطارق
قوله عز وجل: وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ (1) .
الطارق: النجم لأنَّه يطلع بالليل، وما أتاك ليلًا فهو طارق،
ثم فسره فَقَالَ:
«النَّجْمُ الثَّاقِبُ» (3) والثاقب: المضيء، والعرب تَقُولُ:
أثقب نارك- للموقِد، وَيُقَال: إن الثاقب: هُوَ «3» النجم
الَّذِي يُقال لَهُ: زحل. والثاقب: الَّذِي قَدِ ارتفع عَلَى
النجوم. والعرب تَقُولُ للطائر إِذَا لحق ببطن السماء
ارتفاعًا: قَدْ ثقب. كل ذَلِكَ جاء «4» فِي التفسير.
وقوله عزَّ وجلَّ: لَمَّا عَلَيْها (4) .
قرأها العوام «لَمَّا» ، وخففها بعضهم. الكِسَائِيّ كَانَ
يخففها، ولا نعرف جهة التثقيل، ونرى أنها لغة فِي هذيل، يجعلون
إلّا مَعَ إنِ المخففة (لمّا) . ولا يجاوزون «5» ذَلِكَ. كأنه
قَالَ: ما كل نفس إلا عليها [134/ ب] حافظ.
__________
(1) وهى قراءة الجمهور.
(2) وقرأ أيضا «مَحْفُوظٍ» بالرفع الأعرج، وزيد بن على وابن
محيصن ونافع بخلاف عنه (البحر المحيط 8/ 453)
(3) فى ش: هذا.
(4) فى ش: قد جاء.
(5) فى ش: ولا يجوزون، وهو تحريف.
(3/254)
خُلِقَ مِنْ مَاءٍ
دَافِقٍ (6)
ومن خفف قَالَ: إنَّما هِيَ لام جواب لإن،
(وما) التي بعدها صلة كقوله: «فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ
«1» » يَقُولُ: فلا يكون فِي (ما) وهي «2» صلة تشديد.
وقوله عز وجل: عَلَيْها حافِظٌ (4) :
الحافظ من اللَّه عزَّ وجلَّ يحفظها، حتَّى يُسلمها إلى
المقادير.
وقوله عزَّ وجلَّ: مِنْ ماءٍ دافِقٍ (6) .
أهل الحجاز أفعل لهذا من غيرهم، أن يجعلوا المفعول فاعلًا
إِذَا كَانَ فِي مذهب نعت، كقول العرب: هَذَا سرٌّ كاتم، وهمٌّ
ناصبٌ، وَلَيْلٌ نائمٌ، وعيشةٌ راضيةٌ. وأعان عَلَى ذَلِكَ
أنها توافق رءوس الآيات التي هنّ «3» معهن.
وقوله عزَّ وجلَّ: يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ
وَالتَّرائِبِ (7) .
يريد: من الصلب [والترائب] «4» وهو جائز أن تَقُولُ للشيئين:
ليخرجن «5» من بين هذين خير كثير ومن هذين. [والصلب] «6» : صلب
الرجل، والترائب: ما اكتنف لَبّاتِ المرأة مما يقع عَلَيْهِ
القلائد.
وقوله عزَّ وجلَّ: إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ (8) .
إنه عَلَى رد الْإِنْسَان بعد الموت لقادر.
[حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ
قَالَ:] «7» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي مندل
عنْ ليث عنْ مجاهد قَالَ: إنه عَلَى رد الماء إلى الإِحليل
لقادر.
وقوله جل وعز: وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ (11) .
تبتدئ بالمطر، ثُمَّ ترجع بِهِ فِي كل عام.
وقوله عزَّ وجلَّ: وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ (12) .
تتصدع بالنبات.
__________
(1) سورة النساء الآية: 155 وسورة المائدة: 13.
(2) فى ش: وهى فى صلة، تحريف.
(3) فى ش: هى. [.....]
(4، 6) سقط فى ش.
(5) تصحيح فى هامش ش.
(7) زيادة من ش.
(3/255)
سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ
الْأَعْلَى (1)
ومن سورة الأعلى
قوله عز وجل: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ (1) ، و «بِاسْمِ رَبِّكَ
«1» » .
كل ذَلِكَ قَدْ جاء وهو من كلام العرب.
وقوله عزَّ وجلَّ: وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى (3) .
قدّر خلقْه فهدى الذكر لَمَأتى الأنثى من البهائم.
وَيُقَال: قدّر فهدى وأضل، فاكتفى من ذكر الضلال بذكر الهدى
لكثرة ما يكون معه. والقراء مجتمعون عَلَى تشديد (قدّر) . وكان
أَبُو عَبْد الرَّحْمَن السلمي يقرأ: قَدَر مخففة «2» ، ويرون
أنها من قراءة عليّ بْن أَبِي طالب (رحمه الله) [135/ ا]
والتشديد أحب إليَّ لاجتماع القراء عَلَيْهِ.
وقوله عز وجل: فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى (5) .
إِذَا صار النبت يبيسًا فهو غثاء. والأحوى: الَّذِي قَدِ اسودّ
عَنِ العتق «3» ويكون أيضًا:
أخرج المرعى أحوى، فجعله غثاء، فيكون مؤخَّرًا معناه التقديم.
وقوله عزَّ وجلَّ: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى (6) إِلَّا ما
شاءَ اللَّهُ (7) .
لم يشأ أن ينسى شيئًا، وهو كقوله: «خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ
السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ «4» » ولا
يشاء. وأنت قائل فِي الكلام: لأعطينك كل ما سَأَلت إلَّا ما
شئتُ، وإلَّا أن أشاءَ أن أمنعَك، والنية ألا تمنعه، وعلى
هَذَا مجاري الْإِيمَان يستثنى فيها. ونية الحالف التمام.
وقوله تبارك وتعالى: يَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى
(11) يتجنب الذكرى فلا يذكر.
وقوله جل وعز: النَّارَ الْكُبْرى (12) هى السفلى من أطباق
النار.
__________
(1) فى سورة الواقعة الآيتان: 74، 96: «فَسَبِّحْ بِاسْمِ
رَبِّكَ الْعَظِيمِ» وفى سورة الحاقة: الآية: 52.
(2) وقرأ بالتخفيف أيضا الكسائي من القدرة، أو من التقدير
والموازنة (البحر المحيط: 8/ 458) .
(3) عبارة اللسان مادة: حوى، نقلا عن الفراء: الأحوى: الذي قد
اسود من القدم والعتق.
(4) سورة هود: الآيتان 107، 108.
(3/256)
تَصْلَى نَارًا
حَامِيَةً (4)
وقوله عزَّ وجلَّ: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ
تَزَكَّى (14) عمِل بالخير وتصدق، وَيُقَال: قَدْ أفلح من
تزكى: تصدق قبل خروجه يوم العيد.
وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15) شهد الصلاة مَعَ
الْإِمَام.
وقوله عزَّ وجلَّ: بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا (16)
اجتمع القراء عَلَى التاء، وهي فِي قراءة أبيّ: «بَلْ أَنْتُمْ
تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ» تحقيقًا لمن قَرَأَ بالتاءِ «1» .
وَقَدْ قَرَأَ بعض القراء: «بَلْ يُؤْثِرُونَ «2» » .
وقوله عزَّ وجلَّ: إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى (18)
يَقُولُ: مَن ذكر اسم ربه فصلى وعمل بالخير، فهو فِي الصحف
الأولى كما هُوَ فى القرآن.
ومن سورة الغاشية
[تصلى، وتُصْلَى «3» ] (4) قراءتان.
وقوله عزَّ وجلَّ: لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ
(6) وهو نبت يُقال لَهُ: الشِّبْرِق، وأهل الحجاز يسمونه
الضريع إِذَا يبس، وهو «4» سم.
وقوله عزَّ وجلَّ: لا يُسْمَعُ فِيها لاغِيَةً «5» (11) :
حالفة عَلَى كذب، وقرأ عاصم والْأَعْمَش وبعض القراء: «لا
تَسْمَعُ» بالتاء، وقرأ بعض أهل
__________
(1) فى ش: على التاء.
(2) قرأ بها عبد الله وأبو رجاء والحسن والجحدري وأبو حيوة
وغيرهم. (البحر المحيط: 8/ 460) .
(3) قوله: تصلى تصلى بعد سورة الأعلى، وأول سورة الغاشية.
(4) فى ش: فهو.
(5) قال فى الإتحاف (270) : «واختلف فى (لا يسمع فيها لاغية) :
فنافع بالتاء من فوق مضمومة بالبناء للمفعول (لاغية) بالرفع
على النيابة وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ورويس بياء من تحت مضمومة
بالبناء للمفعول أيضا (لاغية) بالرفع، على ما تقدم، والباقون
بفتح التاء من فوق ونصب (لاغِيَةً) على المفعولية» .
(3/257)
فِيهَا سُرُرٌ
مَرْفُوعَةٌ (13)
المدينة: «لا يُسمع فيها لاغيةٌ» : ولو
قرئت: «لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً» وكأنه للقراءة موافق لأن
رءوس الآيات أكثرها بالرفع «1» .
وقوله عزَّ وجل: فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13) يُقال: مرفوعة
مرتفعة: رفعت لهم، أشرفت، وَيُقَال: مخبوءة «2» رفعت لهم.
وقوله عزَّ وجلَّ: وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15) بعضها إلى جنب
بعض، وهي الوسائد واحدها: نُمْرُقة. قَالَ: وسمعت بعض كلب
يَقُولُ: نِمْرِقة [بِكسر النون والراء] «3» .
وقوله عزَّ وجلَّ: وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (16) هِيَ: الطنافس
التي لها خَمْل رقيق (مَبْثُوثَةٌ) : كثيرة.
وقوله عزَّ وجلَّ: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ
خُلِقَتْ (17) عجّبهم من حمل الإبل أنها تحمل وِقرها باركة
ثُمَّ تنهض بِهِ، وليس شيء من الدواب يطيق ذَلِكَ إلّا البعير.
وقوله عزَّ وجل: لَسْتَ عَلَيْهِمْ بمسيطر (22) بمسلّط،
والكتاب (بِمُصَيْطِرٍ) ، و (الْمُصَيْطِرُونَ «4» ) : بالصاد
والقراءة بالسين «5» ، ولو قرئت بالصاد كَانَ مَعَ الكتاب وكان
صوابًا.
وقوله عزَّ وجلَّ: إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) تكون
مستثنيًا من الكلام الَّذِي كَانَ التذكير يقع عَلَيْهِ وإن لم
يُذكَر، كما تَقُولُ فِي الكلام:
اذهب فعِظ وذكِّر، وعُمّ إلا من لا تطمع فِيهِ، ويكون أن تجعل:
(من تولّى وكفر) منقطعا
__________
(1) فى ش: الرفع.
(2) فى ش: مخبوة. [.....]
(3) مزيد بين السطور فى ب، وساقط فى ش.
(4) سورة الطور الآية: 37.
(5) قرأ بالسين هشام، واختلف عن قنبل وابن ذكوان وحفص
(الإتحاف: 438) .
(3/258)
وَالْفَجْرِ (1)
عما قبله. كما تَقُولُ فِي الكلام: قعدنا
نتحدث ونتذاكر الخبر إلّا أن كثيرًا من النَّاس لا يرغب، فهذا
المنقطع.
وتعرف المنقطع من الاستثناء بِحُسْن إن فِي المستثنى فإذا
كَانَ الاستثناء محضًا متصلًا لم يحسن فِيهِ إن. ألا ترى أنك
تَقُولُ: عندي مائةٌ إلّا درهما، فلا تدخل إن هاهنا فهذا كاف
من ذكر غيره.
وَقَدْ يَقُول بعض القراء وأهل العلم: إن (إلا) بمنزلة لكن،
وذاك منهم تفسير للمعنى، فإمَّا أن تصلح (إلّا) مكان لكن فلا
ألا ترى أنك تَقُولُ: ما قام عَبْد اللَّه ولكن زَيْد
فَتُظْهِرُ الْوَاوَ، وتحذفها. ولا تَقُولُ: ما قام عَبْد
اللَّه إلا زَيْد، إلّا أن تنويَ: ما قام إلا زَيْد لتكرير «1»
أَوَّل الكلام.
سئل الفراء [136/ ا] عنْ (إيّابَهم «2» ) (25) فَقَالَ: لا
يجوز عَلَى جهة من الجهات.
ومن سورة الفجر
قوله عز وجل: وَالْفَجْرِ (1) وَلَيالٍ عَشْرٍ (2) .
[حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ «3» ] : حَدَّثَنَا
مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي
قيس بن الربيع عن أبى إسحق عَنِ الأسود بْن يزيد فِي قوله:
«وَالْفَجْرِ» قال: هو «4» فجركم هذا. «وَلَيالٍ عَشْرٍ» قال:
عشر الأضحى. «وَالشَّفْعِ» (3) يوم الأضحى، و «الْوَتْرِ» (3)
يوم عرفة.
[حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ
«5» قَالَ] : حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي شيخ
عن عبد الملك ابن أَبِي سليمان عنْ عطاء قَالَ اللَّه تبارك
وتعالى: الوتر والشفع «6» : خلقه.
__________
(1) فى ش: بتكرير.
(2) قرأ «إِيابَهُمْ» بتشديد الياء أبو جعفر. قيل مصدر أيّب
على وزن فيعل كبيطر يبيطر ... والباقون بالتخفيف مصدر: آب يؤوب
إيابا رجع، كقام يقوم قياما (الإتحاف: 438) .
(3) زيادة من ش.
(4) سقط فى ش.
(5) زيادة من ش.
(6) كذا فى النسخ بتقديم الوتر، كأنه لا يريد التلاوة.
(3/259)
إِرَمَ ذَاتِ
الْعِمَادِ (7)
قال حدثنا الفراء قال «1» : وَحَدَّثَنِي
شَيْخٌ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
الْوَتْرُ آدَمُ، شُفِعَ بِزَوْجَتِهِ. وقد اختلف [القراء] «2»
فى الوتر: فَقَرَأَ الْأَعْمَشُ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ:
الْوِتْرِ مَكْسُورَةُ الْوَاوِ، وَكَذَلِكَ قَرَأَ ابْنُ
عَبَّاسٍ «3» ، وَقَرَأَ السُّلَمِيُّ وَعَاصِمٌ [وَأَهْلُ
الْمَدِينَةِ] «4» «الْوَتْرِ» بِفَتْحِ الْوَاوِ، وَهِيَ
لُغَةٌ حِجَازِيَّةٌ «5» .
وقوله عزَّ وجلَّ: وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ (4) .
ذكروا أنها ليلة المزدلفة، وَقَدْ قَرَأَ القراءُ: «يَسرى»
بإثبات الياء، و «يَسْرِ» بحذفها «6» ، وحذفها أحب إليَّ
لمشاكلتها رءوس الآيات، ولأن العرب قَدْ تحذف الياء، وتكتفي
بكسر ما قبلها منها، أنشدني بعضُهم.
كفاكَ كفٌّ ما تُليق دِرْهمًا ... جُودًا، وأخرى تُعطِ بالسيف
الدِّما «7»
وأنشدني آخر:
ليس تخفى يسارتي قَدْر يومٍ ... ولقد تُخْفِ شِيمتي إعساري «8»
وقوله عزَّ وجلَّ: هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5) .
لذي عقلِ: لذي سِتْر، وكله يرجع إلى أمر واحد من العقل، والعرب
تَقُولُ: إنه لذو حجر إِذَا كَانَ قاهرًا لنفسه ضابطًا لها،
كأنه أخذ من قولك: حجرت عَلَى الرجل.
وقوله جل وعز [136/ ب] إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ (7) .
لم يجر القراء (إرم) لأنها فيما ذكروا اسم بلدة، وذكر الكلبي
بإسناده أن (إرم) سام بن نوح، فإن كان هكذا اسما فإنما ترك
إجراؤه لأنه كالعجمى. و (إرم) تابعة لعاد، و (العماد) : أنهم
كانوا أهل عَمَد ينتقلون إلى الكلأ حيث كان، ثم يرجعون إلى
منازلهم:
__________
(1) فى ش: قال: حدثنا الفراء وحدثنى.
(2، 4) سقط فى ش.
(3) وهى أيضا قراءة حمزة والكسائي وخلف. وافقهم الحسن والأعمش
(الإتحاف: 438) .
(5) والكسر لغة تميم (لسان العرب) .
(6) قرأ الجمهور: «يَسْرِ» بحذف الياء وصلا ووقفا، وابن كثير
بإثباتها فيهما، ونافع وابن عمرو بخلاف عنه بياء فى الوصل،
وبحذفهما فى الوقف. (البحر المحيط 8/ 468) . [.....]
(7) أورده فى اللسان ولم ينسبه. مادة ليق. وانظر (الخصائص 3/
90، 133، وأمالى ابن الشجري 2/ 72) .
ومعنى: ما تليق: ما تحبس وتمسك. يصفه بالكرم والشجاعة.
(8) رواه اللسان كما هنا ولم ينسبه، وفى ب: قدرتهم مكان قدر
يوم، وهو تحريف.
(3/260)
وَثَمُودَ الَّذِينَ
جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9)
وقوله عز وجل: جابُوا الصَّخْرَ (9) خرقوا
الصخر، فاتخذوه بيوتًا.
وقوله عزَّ وجلَّ: وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ (10) .
كَانَ إِذَا غضب عَلَى الرجل مدّه بين أربعة أوتاد حتَّى يموت
معذبًا، وكذلك فعل بامرأته آسية ابْنَة مزاحم، فسمى بهذا لذلك.
وقوله جل وعز: فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ (13)
.
هَذِهِ كلمة تقولها العرب لكل نوع من العذاب، تُدخل فِيهِ
السوط. جرى بِهِ الكلام والمثل.
ونرى «1» ذَلِكَ: أن السوط من عذابهم الَّذِي يعذبون بِهِ،
فجرى لكل عذاب إذ كَانَ فِيهِ عندهم غاية العذاب.
وقوله تبارك وتعالى: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ (14) .
يَقُولُ: إِلَيْه المصير «2» .
وقوله جل وعز: فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ (16) .
خفف عاصم والْأَعْمَش وعامة القراء، وقرأ نافع [أ] وأبو
جَعْفَر: (فقدّر) مشددة «3» ، يريد (فقتّر) وكلٌّ صواب.
وقوله عز وجل: كَلَّا (17) لم يكن ينبغي لَهُ أن يكون هكذا،
ولكن يحمده عَلَى الأمرين: عَلَى الغنى والفقر.
وقوله عزَّ وجلَّ: وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ
(18) قَرَأَ الْأَعْمَش وعاصم بالألف وفتح التاء، وقرأ أهل
المدينة: «ولا تَحُضُون» ، وقرأ الْحَسَن الْبَصْرِيّ «4» :
«ويُحضون، ويأكلون «5» » ، وَقَدْ قَرَأَ بعضهم: «تَحَاضُّونَ
«6» » برفع التاء، وكل صواب.
كأن «تَحَاضُّونَ» تحافظون، وكأن، «تُحضون» تأمرون بإطعامه «7»
، وكأنَّ تَحاضُّون: يحض بعضكم «8» [137/ ا] بعضا.
__________
(1) فى ش: ويرى.
(2) هكذا بالأصول. وسار أهل التفاسير على غير هذا الرأى، أنظر
مثلا: «الجامع لأحكام القرآن» 20: 68 و «جامع البيان للطبرى
30: 181» .
(3) قرأ بالتشديد ابن عامر وأبو جعفر، والباقون بتخفيفها.
لغتان (الإتحاف: 438) .
(4) زيادة فى ش.
(5) من قوله: (وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ) وهى قراءة مجاهد وأبى
رجاء وقتادة والجحدري وأبى عمرو (البحر المحيط 8/ 471) .
(6) روى عن الكسائي والسلمى، وهو تفاعلون من الحض وهو الحث
(تفسير القرطبي 20/ 53) .
(7) فى ش بإطعام.
(8) فى ش: بعضهم.
(3/261)
يَقُولُ يَا لَيْتَنِي
قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24)
وقوله عز وجل: أَكْلًا لَمًّا (19) أكلا
شديدا «وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا» (20) كثيرًا.
وقوله عزَّ وجلَّ: يَقُولُ «1» يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ
لِحَياتِي (24) لآخرتي التي فيها الحياة والخلود.
وقوله عزَّ وجل: فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ
(25) قَرَأَ عاصم والْأَعْمَش وأهل المدينة: «لا يُعَذِّبُ
عَذابَهُ أَحَدٌ، وَلا يُوثِقُ» بالكسر جميعا.
وقرأ بذلك حَمْزَةُ [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ] «2» قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ
قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ
خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَمَّنْ سَمِعَ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ:
«فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ، وَلا يُوثِقُ
وَثاقَهُ أَحَدٌ» بِالْفَتْحِ «3» . وَقَالَ [أَبُو عَبْدِ
اللَّهِ «4» ] مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ:
سَمِعْتُ عَبْدَ الْوَهَّابِ الْخَفَّافَ «5» بِهَذَا
الْإِسْنَادِ مثله [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ] «6» .
قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ سُلَيْمَانَ أَبِي الرَّبِيعِ
«7» عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ أَنَّهُ
قَرَأَ: «لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ، وَلا يُوثِقُ»
بِالْكَسْرِ، فَمَنْ كَسَرَ أَرَادَ: فَيَوْمَئِذٍ لا يعذّب
عذاب الله أحد، ومن قال: «يُعَذِّبُ» بالفتح فهو أيضا على ذلك
الوجه: لا يعذّب أحد فى الدنيا كعذاب اللَّهِ يَوْمَئِذٍ.
وَكَذَلِكَ الْوَجْهُ الأَوَّلُ، لا تَرَى أَحَدًا يُعَذِّبُ
فِي الدُّنْيَا كَعَذَابِ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ. وقد وجّهه
بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ رَجُلٌ مُسَمًّى لا يُعَذَّبُ كعذابه
أحد.
وقوله عز وجل: «يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27)
.
بالإيمان والمصدِّقة بالثواب والبعث «ارْجِعِي» (28) تَقُولُ
لهم الملائكة إذا أعطوا كتبهم
__________
(1) زيادة فى ش.
(2، 6) ما بين الحاصرتين زيادة فى ش.
(3) قرأ الجمهور: لا يعذب ولا يوثق مبنيين للفاعل. وقرأ بهما
مبنيين للمفعول ابن سيرين وابن أبى إسحق والكسائي ويعقوب وروى
عن أبى عمرو (البحر 8/ 472) .
(4) فى ش: وقال محمد بن الجهم. [.....]
(5) هو عبد الوهاب بن عطاء بن مسلم أبو نصر الحفاف العجلى
البصري، ثم البغدادي ثقة مشهور، روى القراءة عن أبى عمرو ...
مات ببغداد سنة 204 (طبقات الفراء 1/ 479) .
(7) هو سليمان بن مسلم بن جمّاز أبو الربيع الزهري مولاهم،
المدني، مقرىء جليل ضابط، عرض على أبى جعفر وشيبة، ثم عرض على
نافع، وقرأ بحرف أبى جعفر ونافع. عرض عليه إسماعيل بن جعفر،
وقتيبة بن مهران، مات بعد السبعين ومائة فيما أحسب (ابن الجزري
فى طبقات القراء 1/ 315) .
(3/262)
وَأَنْتَ حِلٌّ
بِهَذَا الْبَلَدِ (2)
بأيمانهم «ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ» إلى ما أعد اللَّه لَكَ من
الثواب. وقد يكون أن يقولوا لهم هَذَا القول ينوون: ارجعوا من
الدنيا إلى هذا المرجع. وأنت تقول للرجل: ممن أنت؟ فيقول:
مضرى.
فتقول: كن تميميا، أو قيسيا. أي: أنت من أحد هذين. فيكون «1»
«كن» [صلة] «2» كذلك الرجوع [137/ ب] يكون [صلة] «3» لأنه قَدْ
صار إلى القيامة، فكأن الأمر بمعنى الخبر، كأنه قَالَ:
أيتها النفس أنت راضية مرضية.
وقرأ ابْنُ عَبَّاس وحده: «فادخلي فِي عبدي «4» ، وادخلي جنتي»
والعوام (فِي عِبادِي) . |