معاني القرآن للفراء

ومن سورة البلد
وقوله عز وجل: أَهْلَكْتُ مالًا لُبَداً (6) .
اللبد: الكثير. قَالَ بعضهم واحدته: لُبدة، ولُبَد جماع. وجعله بعضهم عَلَى جهة: قُثَم، وحُطَم واحدًا، وهو فِي الوجهين جميعا الكثير. وقرأ أَبُو جَعْفَر الْمَدَنِيّ. «مالًا لُبَداً» «5» مشددة مثل رُكّع، فكأنه أراد: مال لا بِدٌ، ومالان لابدان، وأموالٌ لبَّد. والأموال والمال قَدْ يكونان معنى واحد.
وقوله عزَّ وجلَّ: وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ (2) .
يقول: هُوَ حلال لَكَ أحله يوم فتح مكَّة لم يحل قبله، ولن يحل بعده.
وقوله عز وجل: وَوالِدٍ وَما وَلَدَ (3) .
أَقسم بآدم وولده، وصلحت (ما) للناس، ومثله: «وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى «6» » وهو الخالق الذكر والأنثى ومثله «فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ «7» » ، ولم يقل: من طاب.
وكذلك: «وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ «8» » كل هَذَا جائز فِي العربية. وَقَدْ
__________
(1) فى ش: فيكون.
(2، 3) سقط فى ش.
(4) وقرأ (عبدى) أيضا: عكرمة والضحاك ومجاهد وأبو جعفر، وأبو صالح والكلبي. (البحر المحيط 8/ 472)
(5) وعنه وعن زيد بن على بسكون الباء: لبدا، ومجاهد وابن أبى الزناد بضمهما (البحر المحيط: 8/ 476) .
وقد قدم المؤلف هنا الكلام عن الآية 6 على الآية 2.
(6) سورة الليل الآية: 3.
(7) سورة النساء الآية: 3.
(8) سورة النساء الآية: 22.

(3/263)


أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7)

تكون: (ما) وما بعدها فِي «1» معنى مصدر، كقوله: «وَالسَّماءِ وَما بَناها «2» » ، «وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها «3» » ، كأنه قَالَ: والسماء وبنائها ونفس وتسويتها. ووالد وولادته، وخلقه الذكر والأنثى، فأينما وجّهته فصواب.
وقوله عزَّ وجلَّ: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ (4) .
يَقُولُ: منتصبا معتدلًا، وَيُقَال: خَلَقَ فِي كبد، إنه خَلَقَ يعالج ويكابد أمر الدنيا وأمر الآخرة، [138/ ا] ونزلت فِي رَجُل من بني جمح كَانَ يكنى: أبا الأشدين، وكان يجعل «4» تحت قدميه الأديم العكاظي، ثُمَّ يأمر العشرة فيجتذبونه من تحت قدميه فيتمزق «5» الأديم. ولم تزل قدماه. فَقَالَ اللَّه تبارك وتعالى: «أَيَحْسَبُ» (5) لشدته «أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ» (5) والله قادر عَلَيْهِ.
ثُمَّ قَالَ: يَقُولُ:
أنفقت مالًا كثيرًا فِي عداوة محمد صلّى الله عليه وهو كاذب، فَقَالَ اللَّه تبارك وتعالى: «أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ» (7) فِي إنفاقه.
وقوله عزَّ وجلَّ: وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ (10) .
النجدان: سبيل الخير، وسبيل الشر.
قال: [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ] «6» حَدَّثَنَا الفراء قال: [حدثنا الْكِسَائِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي قَيْسٌ] «7» وَحَدَّثَنِي قَيْسٌ عنْ زِيَادِ بْن عِلاقَةَ عنْ أَبِي عُمَارَةَ عَنْ عَلِيٍّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي قوله جَلَّ وَعَزَّ: «وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ» قَالَ: الْخَيْرَ وَالشَّرَّ.
وقوله عزَّ وجلَّ: فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) .
ولم يُضَم إلى قوله: [فلا أقتحم] كلام آخر فيه (لا) لان العرب لا تكاد تفرد (لا) في الكلام حتى يعيدوها عليه في كلام آخر، كما قال عز وجل: «فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى «8» » و «لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ «9» » ، وهو مما كان في آخره معناه، فاكتفى بواحدة من
__________
(1) فى ش: من معنى.
(2) سورة الشمس الآية: 5.
(3) سورة الشمس الآية: 7.
(4) فى ش: يضع.
(5) فى ش: فيمزق. [.....]
(6، 7) ما بين الحاصرتين زيادة من ش.
(8) سورة القيامة، الآية: 31.
(9) سورة يونس، الآية: 62.

(3/264)


فَكُّ رَقَبَةٍ (13)

أخرى.
ألا ترى أنه فسر اقتحام العقبة بشيئين، فقال: «فَكُّ رَقَبَةٍ، أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ» ، ثم كان [من الَّذِينَ آمنوا «1» ] ففسرها بثلاثة أشياء، فكأنه كان «2» في أول الكلام، فلا فعل ذا ولا ذا ولا ذا «3» .
وقد قرأ العوام: «فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعامٌ «4» » (14) ، وقرأ الحسن البصري: «فَكُّ رَقَبَةٍ» وكذلك علي بن أبى طالب [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ «5» ] قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي «6» مُحَمَّد بْن الفضل المروزي عنْ عطاء عنْ أبي عبد الرحمن عن علي أنه قرأها:
«فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعامٌ «7» » وهو أشبه الوجهين بصحيح العربية لأن الإطعام: اسم، وينبغي أن يرد عَلَى الاسم «8» اسم مثله، فلو قيل: ثم إن كان أشكل للإطعام، والفك، فاخترنا: فَكَّ رقبةً لقوله: «ثُمَّ كانَ» ، والوجه الآخر جائز تضمر فيه (أن) ، وتلقى [138/ ب] فيكون مثل قول الشاعر «9» :
ألا أيها ذا الزَّاجِري أحْضُرَ الوغى ... وأَنْ أَشْهَدَ اللَّذَّاتِ هَلْ أنتَ مُخْلِدِي
ألا ترى أن ظهور (أن) فِي آخر الكلام يدل: عَلَى أنها معطوفة عَلَى أخرى مثلها فِي أول الكلام وَقَدْ حذفها.
وقوله عزَّ وجلَّ: أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) .
ذي مجاعة، ولو كانت «ذا مسغبة» تجعلها من صفة اليتيم، كأنه قَالَ: أَوْ أطعم فِي يَوْم يتيمًا ذا مسغبة أَوْ مسكينًا [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ «10» ] قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي «11» حبّان
__________
(1) ما بين الحاصرتين زيادة من ش.
(2) فى ش، قال.
(3) هذه رواية: ش.
(4) وهو اختيار أبى عبيد، وأبى حاتم، لأنه تفسير لقوله تعالى: «وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ» ؟ ثم أخبره فقال:
«فَكُّ رَقَبَةٍ، أَوْ إِطْعامٌ» ، والمعنى: اقتحام العقبة: فك رقبة أو إطعام (تفسير القرطبي 20/ 70)
(5) ما بين الحاصرتين زيادة فى ش.
(6) فى ش: حدثنى.
(7) وبها قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي: أيضا (تفسير القرطبي: 20/ 70) .
(8) فى ش: على اسم مثله.
(9) لطرفة فى معلقته، وأحضر بالنصب بأن المحذوفة على مذهب الكوفيين، والبصريون يروونه بالرفع (الإنصاف: 327) وانظر (الخزانة 1/ 57 و 3/ 594، 625) .
(10) ما بين الحاصرتين زيادة فى ش.
(11) فى ش: حدثنى. [.....]

(3/265)


وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1)

عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ مَرَّ بِمِسْكِينٍ لاصِقٍ بِالتُّرَابِ حَاجَةً، فَقَالَ: هَذَا الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: «أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ»
(16) «وَالْمُوصَدَةُ» (20) : تُهْمَزُ وَلا تُهْمَزُ، وَهِيَ: الْمُطْبَقَةُ.

ومن سورة الشمس وضحاها
وقوله عز وجل: وَالشَّمْسِ وَضُحاها (1) ضحاها: نهارها، وكذلك قوله: «وَالضُّحى «1» » هُوَ النهار كُلِّه بكسرِ «2» الضحى: من ضحاها، وكل الآيات التي تشاكلها، وإن كَانَ أصل بعضها بالواو.
من ذلك: تلاها، وصحاها، ودحاها لما ابتدئت السُّورة بحروف الياء والكسر اتّبَعها ما هو من الواو، ولو كان الابتداء للواو «3» لجاز فتح ذَلِكَ كُلِّه. وكان حمزة يفتح ما كان من الواو، ويكسر ما كَانَ من الياء، وذلك من قلة البصر بمجاري كلام العرب، فإذا انفرد جنس الواو فتحته، وإذا انفرد جنس الياء، فأنت فِيهِ بالخيار إن فتحت وإن كسرت فصواب.
وقوله عز وجل: وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها (2) قال الفراء: أنا أكسر كلّا [139/ ا] ، يريد اتبعها يعني اتبع «4» الشمس، ويقال: إذا تلاها فأخذ من ضوئها، وأنت قائل في الكلام: اتبعت قول أبي حنيفة، وأخذت بقول أبي حنيفة، والاتباع والتلوُّ سواء.
وقوله عز وجل: وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها (3) :
جلى الظلمة، فجاز الكناية عَنِ الظلمة ولم تُذْكر لأنّ معناها معروف، ألا ترى أنك تقول:
أصبَحت باردةً، وأمست باردة، وَهبت شَمالًا، فكنى عن مؤنثات لم يجر لهن ذكر لأن معناها «5» معروف.
وقوله عز وجل: فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها (8) عرفها سبيل الخير، وسبيل الشر، وهو مثل قوله: «وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ «6» » .
__________
(1) سورة الضحى: الآية: 1.
(2) فى ش: تكسر، والمراد تميل ألف الضحى.
(3) سقط فى ش.
(4) فى ش: يعنى: الشمس.
(5) فى ش: معناهن.
(6) سورة البلد الآية: 10.

(3/266)


وقوله عز وجل: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (9) يقول: قد أفلحت نفس زكَّاها الله، وقد خابت نفس دسّاها، ويقال: قد أفلح من زكّى نفسَه بالطاعة والصدقة، وقد خاب من دسَّى نفسه، فأخملها بترك الصدقة والطاعة، ونرى- والله أعلم- أنّ دساها من: دسّسْت، بُدّلَت بعض سيناتها ياء، كما قالوا: تظنيت من: الظن، وتقضيت يريدون:
تقضضتُ من: تقضّض [البازي،] «1» وخرجت أتلعّى: ألتمس اللّعاع أرعاه. والعرب تبدل في المشدد الحرف منه بالياء «2» والواو «3» من ذلك ما ذكرنا لك، وسمعت بعض بني عقيل ينشد:
يشبو بها نشجانه [من النشيج «4» ] هذا «5» آخر بيت، يريد: [يَشُب] «6» : يظهر، يقال: الخمار الأسود [يشب] «7» لون [البيضاء] «8» فجعلها واوا، وقد سمعته في غير ذلك، ويقال: دويّه وداويّه، ويقال: أما فلان فصالح وأيما، ومن ذلك قولهم: دينار أصله دِنّار، يدل على ذلك جمعهم إياه دنانير، ولم يقولوا: ديانير، وديوان كان أصله: دِوّان لجمعهم إياه: دواوين [139/ ب] ، وديباج: ديابيج، وقيراط: قراريط، كأنه كان قِرّاط، ونرى أن دسّاها دسسها لأن البخيل يخفي منزله وماله، وأن الآخر يبرز منزله على الأشراف والروابي، لئلا يستتر عَنِ الضيفان، ومن أراده، وكل صواب.
وقوله: بِطَغْواها (11) أراد بطغيانها إلّا أن الطغوى أشكلُ برءوس الآيات فاختير لذلك. ألا ترى أَنَّهُ قَالَ:
«وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ «9» .» ومعناه آخر دعائهم، وكذلك «دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ «10» » ودعاؤهم فيها هذا.
__________
(1) سقط فى ش، واللعاع، كغراب: نبت ناعم فى أول ما يبدو. وفى النسخ بالياء والصواب بدون باء.
(2، 3) فى ش بالواو ومن.
(4) سقط فى ش: من النشيج.
(5) فى ش: وهذا.
(6، 8) سقط فى ش.
(7) فى اللسان: وشب لون المرأة خمار أسود لبسته أي: زاد فى بياضها ولونها فحسّنها لأنّ الضدّ يزيد فى ضده ويبدى ما خفى منه (وانظر ناج العروس) .
(9، 10) سورة يونس الآية: 10.

(3/267)


وقوله عز وجل: إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها (12) يُقال: إنهما كانا اثنين فلان ابْنُ دهر، والآخر قدار «1» ، ولم يقل: أشقياها، وذلك جائز لو أتى لأن العرب إِذَا [أضافت] «2» أفعل التي يمدحون بها وتدخل فيها (من) إلى أسماء وحدوها فِي موضع الاثنين والمؤنث والجمع، فيقولون للاثنين: هذان أفضل النَّاس، وهذان خير النَّاس، ويثنون أيضًا، أنشدني فِي تثنيته أَبُو القمقام الأسَدي:
ألا بكرَ النَّاعِي بِخيرَيْ بنى أسد ... بعمرِو بْن مسعودٍ، وبالسَّيِّدِ الصَّمَدْ
فإِنْ تَسَلُوني بالبيانِ فإنَّه ... أَبُو مَعْقِل لا حيَّ عَنْهُ، ولَا حَدَدْ «3»
قَالَ الفراء: أي لا يكفي عَنْهُ حيٌّ، أي لا يُقال: حيَّ عَلَى فلان سواه، ولا حدد: أي لا يحد عَنْهُ لا يحرم، وأنشدني آخر فِي التوحيد، وهو يلوم ابنين لَهُ:
يا أخبثَ الناسِ كل النَّاس قَدْ علموا ... لو تستطيعانِ كُنَّا مِثْل مِعْضاد «4»
فوحَّد، ولم يقل: يا أخبثي، وكل صواب، ومن وحَّد فِي الاثنين قَالَ فِي الأنثى أيضًا:
هِيَ أشقى القوم، ومن ثنى قَالَ: هِيَ شُقْيا النسوة عَلَى فُعْلَى.
وأنشدني المفضل الضبي:
غَبَقْتُك عُظْمَاها سَنَامًا أَوِ انبرى ... برزقك براق المتون أريب «5»
وقوله عزَّ وجلَّ: فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ناقَةَ اللَّهِ (13) نصبت الناقة عَلَى التحذير حذرهم إياها، وكل تحذير فهو نصب [140/ ا] ولو رفع عَلَى «6» ضمير: هَذِهِ ناقة اللَّه، فإِن العرب قَدْ ترفعه، وفيه معنى التحذير، ألا ترى أن «7» العرب تقول: هذا
__________
(1) هو قدار بن سالف. [.....]
(2) سقط فى ش.
(3) ورد البيت الأول فى الصحاح (خير) منسوبا إلى سيرة ابن عمرو الأسدى، وفى الأغانى: 19: 88 إلى نادبة بنى أسد. والمقصود بالسيد الصمد: خالد بن نضلة، وكان هو وعمرو بن مسعود نديمين للمنذر بن السماء، فراجعاه بعض القول على سكره، فغضب، فأمر بقتلهما.
(4) المعضاد من السيوف: الممتهن فى قطع الشجر ... وهو كذلك سيف يكون مع القصابين تقطع به العظام (اللسان) .
(5) حلب عظمى نوقه سناما فسقاه لبنها عشيا.
(6) سقط فى ش.
(7) فى ش: ألا ترى العرب نقول.

(3/268)


العدوُّ هَذَا العدوُّ فاهربوا، وفيه تحذير، وهذا الليل فارتحلوا، فلو قَرَأَ «1» قارئ بالرفع كَانَ مصيبًا أنشدني بعضهم:
إن قومًا منهم عميرٌ وأشباهُ ... عُمَيْرٍ ومنْهُم السَّفَّاحُ
لجديرون بالوفاءِ إِذَا قا ... ل أَخو النجدة: السلاحُ السلاحُ «2»
فرفع، وفيه الأمر بلباس السلاح.
وقوله عزَّ وجلَّ: فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها (14) .
يَقُولُ القائل: كيف كذبوه فعقروها؟ ونرى أن الكلام أن يُقال: فعقروها فكذبوه، فيكون التكذيب بعد العقر. وقد يكون عَلَى ما ظنّ، لأنك تَقُولُ: قتلوا رسولهم فكذبوه، أي: كفى بالقتل تكذيبًا، فهذا وجه، ويكون فكذبوه كلمة مكتفى بها، ويكون قوله:
(فعقروها) جوابا لقوله: (إذ انبعث أشقاها) ، فعقروها. وكذلك جاء التفسير. ويكون مقدمًا وَمؤخرًا لأن العقر وقع بالتكذيب، وإذا وقع الفعلان معا جاز تقديم أيهما شئت. من ذَلِكَ:
أعطيتَ فأحْسنت، وإن قلت: أحسنت فأعطيت كَانَ بذلك المعنى لأن الإعطاء هُوَ الإحسان، والإحسان هُوَ الإعطاء، كذلك العقر: هُوَ التكذيب. فقدمتَ ما شئتَ وأخرت الآخر.
ويقول القائل: كيف قَالَ: فكذبوه ولم يكذبوه قبل ذَلِكَ إذ رضوا بأن يكون للناقة شِربٌ ولهم شِرب فجاء فِي التفسير: أنهم كانوا أقرُّوا بهذا غير مصدقين له:
وقوله عز وجل: فَدَمْدَمَ (14) .
أرجف بهم. «فَسَوَّاها» (14) عليهم.
ويقال: فسوّاها: سوّى الأمة، أنزل العذاب بصغيرها وكبيرها بمعنى سوَّى بينهم.
وقوله عزَّ وجلَّ: وَلا يَخافُ عُقْباها (15) .
أهل المدينة يقرءون: «فلا يخاف عقباها «3» » بالفاء، وكذلك هى فى مصاحفهم، وأهل
__________
(1) فى ش: قرأها.
(2) ورد البيتان فى الجزء الأول من معانى القرآن 1/ 188 وفى الخصائص: لابن جنى 3/ 102، والدرر اللوامع: 1: 146، ولم ينسبا إلى قائلهما.
(3) سقط فى ش.

(3/269)


وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3)

الكوفة «1» والبصرة: «وَلا يَخافُ عُقْباها» بالواو «2» والواو فى التفسير أجود [140/ ب] لأنَّه جاء:
عقرها ولم يخف عاقبة عقرها، فالواو هاهنا أجود، وَيُقَال: لا يخاف عقباها. لا يخاف اللَّه أن ترجع وتعقب بعد إهلاكه، فالفاء بهذا المعنى أجود من الواو وكل صواب.

ومن سورة الليل
قوله عز وجل: وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (3) .
هِيَ فِي قراءة عَبْد اللَّه «والذكرِ والأنثى» فلو خفض خافض فِي قراءتنا «الذَّكَرَ وَالْأُنْثى «3» » يجعل «وَما خَلَقَ» كأنه قَالَ: والذي «4» خَلَقَ من الذكر والأنثى، وقرأه العوام عَلَى نصبها، يريدون:
وخلقه الذكر والأنثى.
وقوله عزَّ وجلَّ: إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4) .
هَذَا جواب القسم، وقوله: «لَشَتَّى» يَقُولُ: لمختلف، نزلت فِي أَبِي بَكْر بْن أَبِي قحافة رحمه اللَّه، وفي أَبِي سُفْيَان، وذلك أن أبابكر الصديق رَضِي اللَّه عَنْهُ اشترى تسعة رجال كانوا فِي أيدي المشركين من ماله يريد بِهِ اللَّه تبارك وتعالى فانزل اللَّه جل وعز فِيهِ ذَلِكَ: «فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى» (5) «وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى» (6) أبو بكر «فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى» (7) للعود إلى العمل الصالح.
وقوله عز وجل: وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى (9) :
بثواب الجنة: أَنَّهُ لا ثواب.
وقوله: فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى (10) .
يَقُولُ: قَدْ خَلَقَ عَلَى أَنَّهُ شقي ممنوع من الخير، ويقول القائل: فكيف قَالَ: «فَسَنُيَسِّرُهُ
__________
(1) فى ش: وأهل البصرة.
(2) قرأ نافع وابن عامر: فلا بالفاء. والباقون بالواو.
روى ابن وهب، وابن القاسم عن مالك قالا: أخرج إلينا مالك مصحفا لجده، وزعم: أنه كتبه فى أيام عثمان ابن عفان حين كتب المصاحف، وفيه: «وَلا يَخافُ» بالواو، وكذا هى فى مصاحف أهل مكة والعراقيين بالواو، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم اتباعا لمصاحفهم (القرطبي: 20/ 80) .
(3) قرأ الكسائي: بخفضهما على أنه بدل من محل ما خلق بمعنى: وما خلقه الله، أي: ومخلوق الله الذكر والأنثى (تفسير الزمخشري: 4/ 217) .
(4) كذا فى ش، وفى ب، ح: اللذين.

(3/270)


إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى (12)

للعسرى» فهل فِي العسرى تيسير؟ فيقال فِي هَذَا فى إجازته بمنزلة قول الله تبارك الله وتعالى:
«وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ «1» » . والبشارة فِي الأصل عَلَى المفرح والسار فإذا جمعت «2» فِي كلامين: هَذَا خير، وهذا شر جاز التيسير فيهما جميعًا.
وقوله عزَّ وجلَّ: فَسَنُيَسِّرُهُ سنهيئه. والعرب تَقُولُ: قَدْ يسّرَت الغنم إِذَا ولدت وتهيأت للولادة: وقَالَ الشَّاعِر «3» :
هما سيدانا يزعمان وإنما ... يسوداننا أن يسَّرت غنماهما
وقوله [141/ ا] عز وجل: إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى (12) .
يَقُولُ: من سلك الهدى فعلى اللَّه سبيله، ومثله قوله: «وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ «4» » يَقُولُ: من أراد اللَّهَ فهو عَلَى السبيل القاصد، وَيُقَال: إن علينا للهدى والِإضلال، فترك الإضلال كما قال:
«سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ «5» » ، وهي تقي الحرّ والبرد.
وقوله جل وعز: وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى (13) .
لثواب هَذِهِ، وثواب هَذِهِ.
وقوله تبارك وتعالى: فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى (14) .
معناه: تتلظى فهي فِي موضع رفع، ولو كانت عَلَى معنى فعل ماض لكانت: فأنذرتكم نارا تلظّت.
[حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ «6» ] قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ، قَالَ: حَدَّثَنِي سفيان بن عيينة «7»
__________
(1) سورة التوبة الآية 3. [.....]
(2) فى ش: اجتمع.
(3) هو أبو أسيّدة الدّبيرىّ، وقبل هذا البيت:
إنّ لنا شيخين لا ينفعاننا ... غنيّين، لا يجدى علينا غناهما
ومعنى البيت كما فى اللسان: «ليس فيهما من السيادة إلا كونهما قد يسرت غنماهما» والعرب: تَقُولُ: قَدْ يسّرَت الغنم إِذَا ولدت وتهيأت للولادة. ويسرت الغنم: كثرت وكثر لبنها ونسلها، - (اللسان مادة يسر) وانظر (تهذيب الألفاظ: 135، والحيوان: 6/ 65، 66) .
(4) سورة النحل الآية: 9.
(5) سورة النحل الآية: 81.
(6) ما بين الحاصرتين زيادة من ش.
(7) هو سفيان بن عيينة بن أبى عمران ميمون أبو محمد الهلالي الكوفي ثم المكي الأعور الإمام المشهور، ولد سنة سبع ومائة، وعرض القرآن على حميد بن قيس الأعرج، وعبد الله بن كثير، وثقه الكسائي، توفى سنة 198، ويقال: إنه حج ثمانين حجة. (طبقات القراء 1/ 308) .

(3/271)


وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19)

عنْ عَمْرو بْن دينار قَالَ، «فاتت عبيدَ بْن عمير ركعةٌ من المغرب، فقام يقضيها فسمعته يقرأ:
«فَأَنْذَرْتُكُمْ نارًا تَتَلَظّى «1» » : قَالَ الفراء ورأيتُها فِي مصحف عَبْد اللَّه: «تتلظّى» بتاءين.
وقوله عزَّ وجلَّ: لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى (15) .
إلا من كَانَ شقيًا فِي علم اللَّه.
وقوله عز وجل: الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16) .
لم يكن كذّب بردٍّ ظاهر، ولكنه قصّر عما أمِر بِهِ من الطاعة، فجُعل تكذيبًا، كما تَقُولُ:
لقي فلان العدو فكذب إِذَا نكَل ورجع. قَالَ الفراء: وسمعت أبا ثَرْوان يَقُولُ: إنّ بني نمير ليس لجدهم «2» مكذوبة. يَقُولُ: إِذَا لَقُوا صدقوا القتال ولم يرجعوا، وكذلك قول اللَّه تبارك وتعالى: «لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ «3» » يَقُولُ: هِيَ حق.
وقوله عزَّ وجلَّ: وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) أَبُو بَكْر.
وقوله عزَّ وجلَّ: وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى (19) .
يَقُولُ: لم ينفق «4» نفقته مكافأة ليد أحد عنده، ولكن أنفقها ابتغاء وجه ربه، فإلّا فِي هَذَا الموضع بمعنى (لكن) وقد يجوز أن تجعل الفعل فِي المكافأة «5» مستقبلًا، فتقول: ولم يُرد مما «6» أنفق مكافأةً من أحد. ويكون موقع اللام التي فِي أحدٍ- فِي الهاء التي [141/ ب] خفضتها عنده، فكأنك قلت: وماله عند أحد فيما أنفق من نعمة يلتمس ثوابها، وكلا الوجهين حسن، قَالَ الفراء:
ما أدري أي الوجهين أحسن، وَقَدْ تضع العرب الحرف فِي غير موضعه إِذَا كَانَ المعنى معروفًا وَقَدْ قَالَ الشَّاعِر «7» .
لقد خفت حَتَّى ما تزيدُ مخافتي ... عَلَى وعلٍ فِي ذي المكاره عاقل
__________
(1) وكذلك قرأ ابن الزبير، وزيد بن على، وطلحة، وسفيان بن عيينة. (البحر المحيط 8/ 484) .
(2) وفى الأصول: «لحرهم» والتصويب من «القرطبى: جامع البيان 20: 87» .
(3) سورة الواقعة الآية: 2.
(4) فى ش: لم يكن ينفق.
(5) فى ش: المكافآت.
(6) فى ش: بما.
(7) البيت للنابغة الذبياني، وقد استشهد به القرطبي فى الجزء (2: 81) والجزء (20: 227) فليرجع إليه هناك.

(3/272)


وَالضُّحَى (1)

والمعنى: حَتَّى ما تزيد مخافة (وعلٍ) عَلَى مخافتي، ومثله من غير المخفوض قول الراجز «1» :
إن سراجًا لكريم مفخره ... تَحْلَى بِهِ الْعَيْنُ إِذَا ما تجهره
[قَالَ] «2» الفراء: حلِيت بعيني، وحلوت [فى صدرى] «3» والمعنى: تحلى بالعين إِذَا ما تجهره، ونصبُ الابتغاء من جهتين: من أن تجعل فيها نية إنفاقه ما ينفق إلا ابتغاء وجه ربه. والآخر عَلَى اختلاف ما قَبْلَ إلّا وما بعدها والعرب تَقُولُ: ما فِي الدار أحد إلّا أكلبًا وأحمرةً، وهي لغة لأهل الحجاز، ويتبعون آخر الكلام أوله «4» فيرفعون فِي الرفع، وقَالَ الشَّاعِر «5» فِي ذَلِكَ.
وبلدةٍ ليس بها أنيس ... إلّا اليعافير وإلّا العيس
فرفع، ولو رفع (إلا ابتغاء «6» وجه ربه) رافع لم يكن خطأ لأنك لو ألقيت من: من النعمة لقلت «7» : ما لأحد عنده نعمةٌ تجزى إلا ابتغاء، فيكون الرفع عَلَى اتباع المعنى، كما تَقُولُ: ما أتاني من أحد إلّا أبوك.

ومن سورة الضحى
قوله عزَّ وجلَّ: وَالضُّحى (1) وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (2) .
فأمَّا الضحى فالنهار كُلِّه، والليل إِذَا سجى: إِذَا أظلم وركد في طوله، كما تَقُولُ: بحر ساج، وليل ساج، إِذَا ركد وسكن وأظلم.
وقوله عز وجل: ما وَدَّعَكَ [142/ ا] رَبُّكَ وَما قَلى (3) .
نزلت فِي احتباس الوحي عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمس عشرة [ليلة] «8» ، فَقَالَ المشركون: قَدْ ودّع مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ربُّه، أَوْ قلاه التابع الَّذِي يكون معه، فأنزل اللَّه جلّ وعزّ: «مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ» يا محمد، «وَما قَلى» يريد: وما قلاك، فألقيت الكاف، كما يَقُولُ «9» : قد أعطيتك وأحسنت
__________
(1) لم أعثر على القائل [.....]
(2، 3) سقط فى ش.
(4) سقط فى ش.
(5) هو عامر بن الحارث الملقب: بجران العود. شاعر نميرى. الخزانة 4/ 197. وفى ش: فيه، تحريف.
(6) قرأ ابن وثاب بالرفع على البدل فى موضع نعمة لأنه رفع، وهى لغة تميم (البحر المحيط 8/ 484) .
(7) سقط فى ش.
(8) ما بين الحاصرتين اضافة يقتضيها السياق.
(9) فى ش: تقول.

(3/273)


وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5)

ومعناهُ: أحسنت إليك، فتكتفي بالكاف الأولى من إعادة الأخرى، ولأن رءوس الآيات بالياء، فاجتمع ذَلِكَ فِيهِ.
وقوله عزَّ وجلَّ: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى (5) .
وهي «1» فِي قراءة عَبْد اللَّه: «ولسيعطيك [ربك فترضى «2» ] » والمعنى واحد، إلا أن (سوف) كثرت فِي الكلام، وعرِف موضعها، فترك منها الفاء والواو، والحرف إذا كثر فربما فعل به ذلك، كما قيل: أيش تقول، وكما قيل: قم لاباك، وقم لا بشانئك، يريدون: لا أبا لك، ولا أبا لشانئك، وَقَدْ سمعت بيتًا حذفت الفاء فِيهِ من كيف، قَالَ الشَّاعِر «3» :
من طالبين لِبُعران لنا رفضت ... كيلا يحسون من بعراننا أثرًا
أراد: كيف لا يحسون؟، وهذا لذلك.
وقوله عزَّ وجلَّ: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى (6) .
يَقُولُ: كنت فِي حجر أَبِي طَالِب، فجعل لك مأوى، وأغناك عَنْهُ، ولم يك غنى عنْ «4» كثرة مال، ولكنّ اللَّه رضّاه بما آتاه.
وقوله عز وجل: فَأَغْنى (8) و «فَآوى» يراد به (فأغناك) و (فآواك) فجرى عَلَى طرح الكاف لمشاكلة رءوس الآيات. ولأنّ المعنى معروف.
وقوله عزَّ وجلَّ: وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى (7) .
يريد: فِي قوم ضلال فهداك «5» «وَوَجَدَكَ عائِلًا» (8) : فقيرًا، ورأيتها فِي مصاحف عَبْد اللَّه «عديما» ، و [المعنى واحد] «6» .
وقوله عزَّ وجلَّ: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (9) .
فتذهب بحقه لضعفه، وهي فِي مصحف عَبْد اللَّه «فلا تكهر «7» » ، وسمعتها من أعرابي من بنى أسد قرأها علىّ.
__________
(1) سقط فى ش: هى.
(2) ما بين الحاصرتين زيادة من ش.
(3) انظر: الخزانة: 3/ 195.
(4) فى ش: ولم يكن غنى من.
(5) فى ش: فهدى.
(6) سقط فى ش.
(7) وبها قرأ ابن مسعود، وإبراهيم التيمي. وهى لغة بمعنى قراءة الجمهور (البحر المحيط 8/ 486) . [.....]

(3/274)


أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1)

وقوله عزَّ وجلَّ: وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (10) .
السائل على [142/ ب] الباب يَقُولُ: إمّا «1» أعطيته، وإمّا رددته ردًّا لينا.
وقوله تبارك وتعالى: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11) .
فكان القرآن أعظم نعمة اللَّه عَلَيْهِ، فكان يقرؤه ويحدث بِهِ، وبغيره من نعمه.

ومن سورة ألم نشرح
قوله عزَّ وجلَّ: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) .
نلين لك قلبك.
«وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ» (2) ، يَقُولُ: إثم الجاهلية، وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: «وحللنا عنك وِقْرك «2» » ، يَقُولُ: من الذنوب.
وقوله عز وجل: وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ (4) .
لا أُذكر إلَّا ذُكِرتَ معي.
وقوله عزَّ وجل: الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) .
فِي تفسير الكلبي: الَّذِي أثقل ظهرك، يعني: الوِزر.
وقوله عزَّ وجلَّ: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (5) .
وفي قراءة عَبْد اللَّه: مرةً واحدةً ليست بمكررة. قال حدثنا الفراء، وقال «3» : وَحَدَّثَنِي حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لا يَغْلِبُ يُسْرَيْنِ عُسْرٌ وَاحِدٌ.
وقوله عزَّ وجلَّ: فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) .
إِذَا فرغت من صلاتك، فانصب إلى ربك «4» فِي الدعاء وارغب. قَالَ الفراء: فانصب من النّصب.
__________
(1) سقط فى ش.
(2) انظر المحتسب 2/ 367.
(3) فى ش: قال.
(4) فى ش: الله.

(3/275)


وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1)

[حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ] «1» قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: [وَحَدَّثَنِي] «2» قيس بْن الربيع عنْ أَبِي حصين، قَالَ: مرّ شريح برجلين يصطرعان، فَقَالَ: ليس بهذا أُمِرَ الفارغ «3» ، إنَّما قَالَ اللَّه تبارك وتعالى: «فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ، وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ» ، فكأنه فِي قول شريح: إِذَا فرغ الفارغ من الصلاة أو غيرها.