معاني القرآن للفراء

ومن سورة الفيل
قوله عزَّ وجلَّ: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ (1) .
يَقُولُ: ألم تُخبرَ عَنِ الحبشة، وكانوا غزوا البيت وأهلَ مكَّة، فلما كانوا بذي المجاز مروا براعٍ لعبد المطلب فاستاقوا إبله، فركب دابته وجاء إلى مكَّة، فصرخ بصراخ الفزع ثُمَّ أخبرهم الخبر، فجال عَبْد المطلب فِي متن فرسه ثُمَّ لحقهم، فَقَالَ لَهُ رجلان من كندة وحضرموت: ارجع [149/ 1] ، وكانا صديقين لَهُ، فَقَالَ: والله لا أبرح «6» حتَّى آخذ إبلي، أَوْ أُوخَذَ معها، فقالوا لَأصْحمة رئيس الحبشة: أرددها عَلَيْهِ فإنك آخذها غدوة، فرجع بإبله، وأخبر أهل مكَّة الخبر «7» ، فمكثوا أيامًا لا يرون شيئًا، فعاد عَبْد المطلب إلى مكانهم فإِذا هُمْ كما قال الله تبارك وتعالى: «كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ»
قَدْ بعث اللَّه تبارك وتعالى عليهم طيرًا فِي مناقيرها الحجارة كبعر الغنم، فكان الطائر يرسل الحجر فلا يخطىء رأس صاحبه، فيخرج من دبره فقتلتهم جميعًا، فأخذ عبد المطلب من
__________
(1، 3) ما بين الحاصرتين زيادة من ش.
(2) قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم: «فِي عَمَدٍ» ، بضم العين والميم جمع: عمود. وكذلك عمد أيضا. (القرطبي 20/ 186) .
(4) سقط فى ب.
(5) سقط من ش، ومن معانى القضيم: العيبة.
(6) فى ش: لا أرجع.
(7) العبارة فى ش مضطربة.

(3/291)


الصفراء والبيضاء يعني: الذهب والفضة ما شاء، ثُمَّ رجع إلى أهل مكَّة فأخبرهم، فخرجوا إلى عسكرهم فانتهبوا ما فيه.
ويقال: «سِجِّيلٍ» (4) كالآجر مطبوخ من طين «1» ، فَقَالَ الكلبي: حدثني أَبُو صالح قَالَ: رَأَيْت فِي بيت «2» أم هانىء بِنْت أَبِي طَالِب، نحوًا من قفيز من تلك الحجارة سودا مخططة بحمرة.
وقوله عزَّ وجل: كَعَصْفٍ (5) .
والعصف: أطراف الزرع قبل أن يدرك ويسنبل.
وقوله عز وجل: أَبابِيلَ (3) .
لا واحد لها مثل: الشماطيط «3» ، والعباديد «4» ، والشعارير «5» كل هَذَا لا يفرد لَهُ واحد، وزعم لي الرؤاسي وكان ثقة مأمونًا: أَنَّهُ سَمِعَ واحدها: إِبَّالة [لا ياء فيها] «6» . ولقد سمعت من العرب من يقول: «ضغاث عَلَى إبَّالة» «7» يريدون: خِصب عَلَى خِصب. وأمّا الإيبالة: فهي الفضلة تكون عَلَى حمل الحمار أَوِ البعير من العلف، وهو مثل الخِصبِ عَلَى الخصب، وحمل فوق حمل، فلو قَالَ قائل: واحد الأبابيل إيبالة كَانَ صوابًا «8» ، كما قَالُوا: دينار دنانير. وَقَدْ قَالَ بعض النحويين، وهو الكِسَائِيّ: كنت أسمع النحويين يقولون: أبوك مثل العجّول «9» والعجاجيل.
__________
(1) فى ش: من طين مطبوخ.
(2) سقط فى ش.
(3) الشماطيط: القطع المتفرقة، يقال: جاءت الخيل شماطيط، أي: متفرقة إرسالا، وذهب القوم شماطيط وشماليل إذا تفرقوا.. وواحد الشماطيط: شمطاط وشمطوط.
(4) العباديد، والعبابيد: الخيل المتفرقة فى ذهابها ومجيئها، ولا يقع إلّا فى جماعة، ولا يقال للواحد: عبدن.
(5) الشعارير: لعبة للصبيان لا يفرد، يقال: لعبنا الشعارير، وهذا لعب الشعارير.
(6) سقط فى ش. [.....]
(7) الإبالة: الحزمة من الحطب، والضغث: قبضة من حشيش مختلطة الرطب باليابس. وهو مثل معناه:
بلية على أخرى. (مجمع الأمثال) : 2: 283.
(8) عبارة القرطبي 20/ 198 نقلا عن الفراء: ولو قال قائل: إيبال كان صوابا مثل: دينار ودنانير.
(9) العجول، كسنور: ولد البقرة.

(3/292)


لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1)

ومن سورة قريش
قوله عز وجل: لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (1) .
يَقُولُ القائل: كيف ابتدئ الكلام بلام خافضة ليس بعدها شيء يرتفع «1» بها؟ فالقول فى ذلك على وجهين.
قال بعضهم: [149/ ب] كانت موصلة بألم تر كيف فعل ربك، وذلك أَنَّهُ ذكَّر أهل مكَّة عظيم النعمة عليهم فيما صنع بالحبشة، ثُمَّ قَالَ: «لِإِيلافِ قُرَيْشٍ» أيضًا، كأنه قَالَ: ذَلِكَ إلى نعمته عليهم فِي رحلة الشتاء والصيف، فتقول: نعمة إلى نعمة ونعمة لنعمة سواء فِي «2» المعنى.
وَيُقَال: إنه تبارك وتعالى عجَّب نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: اعجب يا مُحَمَّد لنعم اللَّه تبارك وتعالى عَلَى قريش فِي إيلافهم رحلة الشتاء والصيف، ثُمَّ قَالَ: فلا يتشاغلُن بذلك عنْ إتباعك وعن الْإِيمَان بالله. َلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ»
(3) «والإيلاف» قَرَأَ عاصم والْأَعْمَش بالياء بعد الهمزة، وقرأه بعض أهل المدينة «إلفهم» مقصورة فى الحرفين جميعًا، وقرأ بعض القراء: (إلْفِهم) . وكل صواب «3» . ولم يختلفوا فِي نصب الرحلة بإيقاع الإيلاف عليها، ولو خفضها خافض بجعل الرحلة هِيَ الإيلاف كقولك: العجبُ لرحلتهم شتاء وصيفًا. ولو نصب، إيلافَهم، أَوْ إلفَهم عَلَى أن تجعله مصدرًا ولا تكرُّه عَلَى أول الكلام كَانَ صوابًا كأنك قلت: العجب لدخولك دخولا دارنا.
يكون «4» الإيلاف وهو مضاف مثل هَذَا المعنى كما قال: «إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها «5» » .
__________
(1) كذا فى ش: وفى ب، ح: ترتفع تصحيف.
(2) سقط فى ش: سواء المعنى.
(3) اختلف فى «إلافهم» : فأبو جعفر بهمزة مكسورة بلا ياء كقراءة ابن عامر فى الأولى، فهو مصدر ألف ثلاثيا، والباقون بالهمزة وياء ساكنة بعدها، فكلهم على إثبات الياء فى الثاني غير أبى جعفر (الإتحاف: 444) .
وقد جمع القراءات المروية هنا من قال:
زعمتم أن إخوتكم قريش ... لهم إلف، وليس لكم آلاف
(تفسير الزمخشري 4/ 235) .
(4) فى ش: فيكون.
(5) سورة الزلزلة الآية: 1.

(3/293)


أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1)

وقوله عز وجل: أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ (4) .
بعد «1» السنين التي أصابتهم، فأكلوا الجيف والميتة، فأخصبت الشام فحملوا إلى الأبطح، فأخصبت اليمن فُحمِلت إلى جُدَّةَ. يَقُولُ: فقد أتاهم اللَّه بالرزق من جهتين وكفاهم الرحلتين، فإن اتبعوك ولزموا البيت كفاهم اللَّه الرحلتين أيضا كما كفاهم.
وقوله عزَّ وجلَّ: وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4) .
يُقال: إنها بلدة آمنة، وَيُقَال: من الخوف: من الجذام، فكفوا ذَلِكَ، فلم يكن بها حينئذ جذام. وكانت رحلة الشتاء [150/ ا] إلى الشام، ورحلة الصيف إلى اليمن. ومن قَرَأَ: «إلفهم» فقد يكون مِن: يُؤلَفون، وأجود من ذَلِكَ أن يكون من [يألفون رحلة الشتاء ورحلة الصيف.
والإيلاف «2» ] من: يؤلِفون، أي: أنهم يهيئون ويجهزون.

ومن سورة الدين
قوله عزَّ وجلَّ: أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) .
وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: «أرأيتك الَّذِي» ، والكاف صلة تكون ولا تكون «3» ، والمعنى واحد.
وقوله عز وجل: يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) .
من دععت وهو يُدعّ: يدفعه عنْ حقه، ويظلمه. وكذلك: «يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ «4» » .
وقوله عز وجل: وَلا يَحُضُّ (3) .
أي: لا يحافظ عَلَى إطعام المسكين ولا يأمر به.
__________
(1) فى ش: يعنى.
(2) ما بين الحاصرتين فى هامش ب لا فى الأصل.
(3) فى ش: يكون ولا يكون.
(4) سورة الطور الآية: 13.

(3/294)


إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)

وقوله عز وجل: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) يعني: المنافقين «الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ» يقول: لاهون كذلك فسّرها ابْنُ عَبَّاس، وكذلك رأيتها فِي قراءة عَبْد اللَّه.
فقوله «1» عزَّ وجلَّ: الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ (6) .
إن أبصرهم النَّاس صلّوا، وإن لم يرهم أحد تركوا الصلاة. «وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ» (7) قال: وحدثنا الفراء قال: [وحدثنى] «2» حبّان بإسناده قال: «الْماعُونَ» : المعروف كُلِّه حتَّى ذكر: القصعة، والقدر، والفأس.
[حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ] «3» قال: حدثنا الفراء قال: [وحدثنى] «4» . قيس ابن الرَّبِيعِ عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ عَنْ على قال: «الْماعُونَ» : الزكاة.
[حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ] «5» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ خَصِيفٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَلِيٍّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِمِثْلِهِ قَالَ: وَسَمِعْتُ بَعْضَ الْعَرَبِ يَقُولُ: الْمَاعُونُ: هُوَ الْمَاءُ، وَأَنْشَدَنِي فِيهِ:
يَمُجُّ صَبِيرُهُ الْمَاعُونَ صَبًّا «6»
قَالَ الْفَرَّاءُ: وَلَسْتُ أَحْفَظُ أَوَّلَهُ الصَّبِيرُ: السَّحَابُ.

ومن سورة الكوثر
قوله عز وجل: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (1) .
قَالَ ابْنُ عَبَّاس: هُوَ الخير الكثير. ومنه القرآن.
[حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ] «7» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: [وَحَدَّثَنِي] «8» مندل بن على
__________
(1) فى ش: وقوله.
(2) سقط فى ش: وحدثنا الفراء قال حدثنى. [.....]
(3، 5، 7) ما بين الحاصرتين زيادة فى ش.
(4، 8) سقط فى ش: حدثنى.
(6) لم أعثر على قائله، وقد نقله القرطبي فى تفسيره (20/ 214) ولم ينسبه.

(3/295)


العنزي بإسناد رفعه إلى عَائِشَةَ قَالَتْ «1» : «الْكَوْثَرَ» نهر فِي الجنة. فمن أحب أن يسمع صوته فليدخل أصبعيه فِي أذنيه.
وقوله عزَّ وجل: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) .
يُقال: فصل لربك يَوْم العيد، ثُمَّ انحر.
[حدثنا أبو العباس قال: حدثنا محمدقال] «2» حدثنا الفراء قال: وحدثنى قيس عن يزيد بن يزيد ابن جَابِرٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ فِيهَا: النَّحْرُ أَخْذُكَ شِمَالَكَ بِيَمِينِكَ فِي الصَّلاةِ، وَقَالَ «3» : «فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ» اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ بِنَحْرِكَ، وَسَمِعْتُ بَعْضَ الْعَرَبِ يَقُولُ: مَنَازِلُنَا تَتَنَاحَرُ [هَذَا بِنَحْرِ هَذَا] «4» أَيْ: قُبَالَتُهُ. وَأَنْشَدَنِي بَعْضُ بَنِي أَسَدٍ:
أَبَا حَكَمٍ هَا أَنْتَ عَمُّ مُجَالِدٍ ... وَسَيِّدُ أَهْلِ الأَبْطُحِ الْمُتَنَاحِرِ «5»
فَهَذَا مِنْ ذَلِكَ يَنْحَرُ بَعْضُهُ بَعْضًا.
وقوله عز وجل: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3) .
كانوا يقولون: الرجل إِذَا لم يكن لَهُ ولد ذكر- أبتر-[150/ ب] أي: يموت فلا يكون لَهُ ذِكر. فقالها بعض قريش للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال الله تبارك وتعالى: «إِنَّ شانِئَكَ» مبغضك، وعدوّك هُوَ الأبتر الَّذِي لا ذكر لَهُ بعمل خير، وأمَّا أنت فقد جعلت ذكرك مَعَ ذكرى، فذلك قوله: «وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ «6» » .
__________
(1) فى ش: قال.
(2) ما بين الحاصرتين زيادة فى ش.
(3) فى ش: وقوله، وفى النسخة الأخرى من ش: ويقال.
(4) سقط فى ش.
(5) نقله اللسان (نحر) عن الفراء، ولم ينسبه إلى القائل من بنى أسد، ورواية اللسان.
(هل أنت) مكان (ها أنت) وفى تفسير القرطبي: 20/ 219 (ما أنت) مكان (ها أنت) .
(6) سورة الشرح: 4.

(3/296)


إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)

ومن سورة الكافرين
قوله عزَّ وجلَّ: لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) :
قَالُوا للعباس بْن عَبْد المطلب عم النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قل لابن أخيك يستلم صنما من أصنامنا فنتبعه، فأخبره بذلك العباس، فأتاهم النبي- صلى الله عليه- وهم فِي حلقة فاقترأ عَلَيْهِم هَذِهِ السُّورة فيئسوا مِنْهُ وآذوه، وهذا قبل أن يؤمر بقتالهم،
ثم قال: «لَكُمْ دِينُكُمْ» :
الكفر، «وَلِيَ دِينِ» (6) الْإِسْلَام. ولم يقل: ديني لأن الآيات بالنون فحذفت الياء، كما قَالَ:
«فَهُوَ يَهْدِينِ، وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ «1» » .