نواسخ القرآن ناسخ القرآن ومنسوخه ت آل زهوي

... الباب العاشر باب ذكر الآيات اللواتي ادّعي عليهنّ النّسخ في سورة آل عمران
ذكر الآية الأولى
: قوله تعالى: وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ [آل عمران: 20] قد ذهب بعض المفسرين إلى أن هذا الكلام اقتضى الاقتصار على التبليغ دون القتال، ثم نسخ بآية السيف.
__________
(1) في «الناسخ والمنسوخ» ص 82.

(1/95)


وقال بعضهم: لما كان صلّى الله عليه وسلّم حريصا على إيمانهم مزعجا نفسه في الاجتهاد في ذلك سكن جأشه بقوله: إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ [هود: 12] ونَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّما عَلَيْكَ
والمعنى: لا تقدر على سوق قلوبهم إلى الصلاح فعلى هذا لا نسخ.

ذكر الآية الثانية
: قوله تعالى: إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً [آل عمران: 28] قد نسب قوم إلى أن المراد بالآية اتقاء المشركين أن يوقعوا فتنة أو ما يوجب القتل والفرقة ثم نسخ ذلك بآية السيف.
وليس هذا بشيء، وإنما المراد من الآية جواز اتقائهم إذا أكرهوا المؤمن على الكفر بالقول الذي لا يعتقده، وهذا الحكم باق غير منسوخ، وهو المراد بقوله تعالى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ [النحل: 106].
[87] (1) - أخبرنا عبد الوهاب الحافظ قال: ابنا ابن خيرون وأبو طاهر الباقلاوي، قالا: ابنا ابن شاذان قال: ابنا أحمد بن كامل، قال: حدّثني محمد بن سعد العوفي قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمي، عن أبيه، عن جده، عن ابن عباس: إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً والتقية باللسان: من حمل على أمر يتكلم به وهو معصية الله؛ فتكلم به مخافة الناس وقلبه مطمئن بالإيمان فإن ذلك لا يضره.
[88] (2) - وأخبرنا عبد الوهاب، قال: ابنا أبو طاهر الباقلاوي قال: ابنا ابن شاذان، قال: ابنا عبد الرحمن بن الحسن، قال: ابنا إبراهيم بن الحسين، قال:
بنا آدم، قال: بنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد؛ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً قال: إلا مصانعة في الدين.
وقد زعم إسماعيل السّدي، أن قوله: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ [آل عمران: 28] منسوخة بقوله: إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً. ومثل هذا ينبغي تنزيه الكتب عن ذكره فضلا عن رده، فإنه قول من لا يفهم ما يقول!

ذكر الآية الثالثة والرابعة والخامسة
: قوله تعالى: كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ إلى قوله: يُنْظَرُونَ [آل عمران: 86 - 88] اختلف المفسرون فيمن نزلت هذه الآيات على ثلاثة أقوال:
الأول: أنها نزلت في الحارث بن سويد؛ كان قد أسلم ثم ارتدّ ولحق
__________
(1) أخرجه ابن أبي حاتم (2/ 629/ 3381).
(2) أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسيره» (2/ 630/ 3385).

(1/96)


بقومه، فنزلت فيه هذه الآيات، فحملها إليه رجل من قومه فقرأهن عليه فرجع وأسلم، قاله مجاهد (1).
والثاني: أنها نزلت في عشرة آمنوا ثم ارتدّوا، ومنهم طعمة ووحوح والحارث بن سويد، فندم منهم الحارث وعاد إلى الإسلام، رواه أبو صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما (2).
والثالث: أنها نزلت في أهل الكتاب آمنوا بالنبي صلّى الله عليه وسلّم قبل أن يبعث، ثم كفروا به. رواه عطية عن ابن عباس، وبه قال الحسن.
وقوله: كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا [آل عمران: 86] استفهام في معنى الجحد، أي: لا يهديهم الله، وفيه طرف من التوبيخ، كما يقول الرجل لعبده:
كيف أحسن إلى من لا يطيعني. أي: لست أفعل ذلك. والمعنى: أنه لا يهدي من عاند بعد أن بان له الصواب.
وهذا محكم لا وجه لدخول النسخ عليه، وقد زعم قوم منهم السّدّي أن هذه الآيات منسوخات بقوله: إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ [آل عمران: 89].
__________
(1) أخرجه مسدّد كما في «العجاب» (2/ 710) وعبد الرزاق في «مصنفه» (التفسير) (1/ 125) وابن جرير الطبري في «تفسيره» (6/ 573/ 7363) والواحدي في «أسباب النزول» (ص 114) وابن بشكوال في «الغوامض والمبهمات» (1/ 399/ 364). من طريق: جعفر بن سليمان، عن حميد الأعرج، عن مجاهد به.
وإسناده إلى مجاهد صحيح، لكنه مرسل. وسيأتي مرفوعا من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، فالخبر صحيح.
(2) أخرجه النسائي في «المجتبى» (7/ 107) وفي «الكبرى» كتاب التفسير (6/ 311/ 11065) وأحمد (1/ 247) وابن أبي حاتم في «تفسيره» (2/ 699 - 700/ 3789، 3795) وابن جرير الطبري في «تفسيره» (6/ 572 - 573/ 7360) والحاكم (2/ 142 و 4/ 366) وابن حبان في «صحيحه» (10/ 329/ 4477) والبيهقي في «السنن» (8/ 197) والطحاوي في «مشكل الآثار» (4/ 64 و 7/ 37) والواحدي في «أسباب النزول» (ص 114) وابن بشكوال في «الغوامض والمبهمات» (1/ 398/ 363).
من طرق؛ عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس؛ أن رجلا من الأنصار- هو الحارث بن سويد- ارتدّ عن الإسلام ولحق بالمشركين، فأنزل الله تعالى: كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ إلى آخر الآية. فبعث بها قومه؛ فرجع تائبا، فقبل النبي صلّى الله عليه وسلّم ذلك منه، وخلّى عنه.
وإسناده صحيح؛ صحّحه العلامة أحمد شاكر في تحقيقه على «المسند» رقم (2218) والعلامة الألباني في «صحيح سنن النسائي» رقم (3792) والعلامة مقبل بن هادي الوادعي- عافاه الله- في «الصحيح المسند من أسباب النزول» (ص 54).

(1/97)


[89]- أخبرنا المبارك بن علي، قال: ابنا أحمد بن الحسين بن قريش، قال: ابنا إبراهيم بن عمر البرمكي، قال: ابنا محمد بن إسماعيل بن العباس، قال: ابنا أبو بكر بن أبي
داود، قال: بنا محمد بن الحسين، قال: بنا أحمد بن الفضل، قال: بنا أسباط، عن السدي، كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا قال: نزلت في الحارث ثم أسلم فنسخها الله عزّ وجلّ فقال: إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا.
قلت: وقد بينا فيما تقدم أن الاستثناء ليس بنسخ وإنما هو مبين أن اللفظ الأول لم يرد به العموم وإنما المراد به من عاند ولم يرجع إلى الحق بعد وضوحه، ويؤكد هذا أن الآيات خبر، والنسخ لا يدخل على الأخبار بحال.

ذكر الآية السادسة
: قوله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ [آل عمران: 97].
قال السّدّي: هذا الكلام تضمّن وجوب الحجّ على جميع الخلق الغني والفقير والقادر والعاجز، ثم نسخ في حق عادم الاستطاعة بقوله: مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران: 97].
قلت: وهذا قول قبيح، وإقدام بالرأي الذي لا يستند إلى معرفة اللغة العربية التي نزل بها القرآن على الحكم بنسخ القرآن، وإنما الصحيح ما قاله النحويون كافة في هذه الآية؛ فإنهم قالوا: «من» بدل من «الناس» وهذا بدل البعض، كما يقول:
ضربت زيدا برأسه، فيصير تقدير الآية: ولله على من استطاع من الناس الحج أن يحج.

ذكر الآية السابعة
: قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ [آل عمران: 102] اختلف العلماء هل هذا محكم أو منسوخ على قولين:

القول الأول: أنه منسوخ
[90]- أخبرنا أبو بكر بن حبيب العامري، قال: ابنا علي بن الفضل، قال:
ابنا ابن عبد الصمد، قال: ابنا عبد الله بن حموية، قال: ابنا إبراهيم بن حريم، قال: ابنا عبد الحميد، قال: بنا إبراهيم، عن أبيه، عن عكرمة اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ قال ابن عباس: فشق ذلك على المسلمين، فأنزل الله عزّ وجلّ بعد ذلك فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن: 16].

(1/98)


قال عبد الحميد: وابنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ قال: نسختها فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ.
[91] (1) - أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: ابنا عمر بن عبيد الله، قال: ابنا ابن بشران، قال: ابنا إسحاق بن أحمد الكاذي، قال: بنا عبد الله بن أحمد، قال:
حدّثني أبي، قال: بنا عبد الرزاق، قال: بنا معمر، عن قتادة في قوله تعالى:
اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ قال: أن يطاع فلا يعصى، ثم نسختها قوله: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ.
[92] (2) - أخبرنا المبارك بن علي، قال: ابنا أحمد بن الحسين بن قريش، قال: ابنا أبو إسحاق البرمكي، قال: ابنا محمد بن إسماعيل بن العباس، قال: ابنا أبو بكر بن أبي داود، قال: بنا يعقوب بن سفيان، قال: بنا ابن بكير، قال: بنا ابن لهيعة، عن عطاء بن دينار، عن سعيد بن جبير قال: لما نزلت: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ اشتدّ على القوم العمل فقاموا حتى ورمت عراقيبهم وتقرّحت جباههم، فأنزل الله تخفيفا عن المسلمين فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ فنسخت الآية الأولى.
وعن ابن لهيعة، عن أبي صخر، عن محمد بن كعب اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ قال: نسختها فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ.
قال أبو بكر: وحدّثنا محمد بن الحسين بن أبي حنيف، قال: ابنا أحمد بن المفضل، قال: ابنا أسباط عن السدي قال: أما حَقَّ تُقاتِهِ أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر. فلم يطق الناس هذا فنسخها الله عنهم فقال:
فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وإلى هنا ذهب الربيع بن أنس، وابن زيد، ومقاتل بن سليمان.
ومن نص هذا القول قال: حَقَّ تُقاتِهِ؛ هو القيام له بجميع ما يستحقه من طاعة واجتناب معصية، قالوا: هذا أمر تعجز الخلائق عنه، فكيف بالواحد منهم؟
فوجب أن تكون منسوخة، وإن تعلق الأمر بالاستطاعة، ويوضح هذا.
[93] (3) - ما أخبرنا به يحيى بن علي المدبر قال: ابنا أبو الحسين بن المنصور
__________
(1) أخرجه الطبري (7/ 68/ 7557) من طريق أخرى عن قتادة به.
(2) إسناده ضعيف.
أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسيره» (3/ 722/ 3911).
(3) أثر صحيح.
أخرجه الحاكم (2/ 294) وابن أبي حاتم (3/ 772/ 3908) وابن جرير الطبري في «تفسيره»

(1/99)


قال: ابنا أحمد بن محمد الحرزي، قال: ابنا البغوي، قال: بنا محمد بن بكار، قال: بنا محمد بن طلحة، عن زبيد، عن مرة، عن ابن مسعود رضي الله عنه اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ
قال: أن يطاع فلا يعصى وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر.

والقول الثاني: أنها محكمة
[94] (1) - أخبرنا المبارك بن علي، قال: ابنا أحمد بن الحسين بن قريش، قال: ابنا إسحاق البرمكي، قال: ابنا محمد بن إسماعيل بن العباس، قال: بنا أبو بكر بن أبي داود، قال: بنا يعقوب بن سفيان، قال: بنا أبو صالح، قال: حدّثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس رضي الله عنهما اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ قال: لم تنسخ، ولكن حَقَّ تُقاتِهِ: أن يجاهدوا في الله حق جهاده، ولا يأخذهم في الله لومة لائم، ويقوموا لله بالقسط ولو على أنفسهم وآبائهم وأبنائهم.
وهذا مذهب طاوس، وهو الصحيح؛ لأن التقوى: هو اجتناب ما نهى الله عنه. ولم ينه عن شيء ولا أمر به إلا وهو داخل تحت الطاقة، كما قال عزّ وجلّ: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها [البقرة: 286] فالآيتان متوافقتان، والتقدير:
اتقوا الله حق تقاته ما استطعتم، فقد فهم الأولون من الآية تكليف ما لا يستطاع فحكموا بالنسخ، وقد ردّ عليهم ذلك قوله: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وإنما قوله: حَقَّ تُقاتِهِ كقوله: «حق جهاده» الحق هاهنا بمعنى الحقيقة، ثم إن
__________
(7/ 65/ 7536) وأبو عبيد في «الناسخ والمنسوخ» (475) والنحاس في «الناسخ والمنسوخ» (ص 84 - 85) والطبراني في «المعجم الكبير» (8/ 92/ 8501، 8502).
من طريق: زبيد اليامي، عن مرة بن شراحيل، عن عبد الله بن مسعود موقوفا.
قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (6/ 326): «رواه الطبراني بإسنادين؛ رجال أحدهما رجال الصحيح، والآخر ضعيف».
وقال ابن كثير في «تفسيره»: (1/ 505): «إسناده صحيح موقوف».
تنبيه: عزا الحافظ ابن كثير الأثر للحاكم، وقال: «كذا رواه الحاكم من حديث مسعر، عن زبيد، عن مرة، عن ابن مسعود مرفوعا».
وقال الشيخ أحمد شاكر في «عمدة التفسير» (2/ 14 - 15): «إن الرواية عند الحاكم موقوفة، وكذلك ثبتت في مخطوطة مختصره للذهبي، إلا أن يكون الحاكم رواه في موضع آخر مرفوعا، ولا أظنه».
(1) أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسيره» (3/ 722/ 3910) والطبري في «تفسيره» (7/ 67/ 7552) وأبو عبيد في «الناسخ والمنسوخ» (474). والنحاس في «ناسخه» (ص 85) من طريق: أبي صالح به.

(1/100)


هفوة المذنب لا تنافي أن يكون مكلفا للتحفظ، وإنما شرع الاستغفار والتوبة، بوقوع الهفوات.
وقال أبو جعفر النحاس: «معنى قول الأولين نسخت هذه الآية، أي: أنزلت الأخرى بنسختها وهما واحد، وإلا فهذا لا يجوز أن ينسخ، لأن الناسخ هو المخالف للمنسوخ من جميع جهاته الرافع له المزيل حكمه».
وقال ابن عقيل: ليست منسوخة، لأن قوله: مَا اسْتَطَعْتُمْ بيان لحق تقاته وأنه تحت الطاقة، فمن سمى بيان القرآن نسخا فقد أخطأ، وهذا في تحقيق الفقهاء يسمى: تفسير مجمل أو بيان مشكل، وذلك أن القوم ظنوا أن ذلك تكليف ما لا يطاق فأزال الله إشكالهم، فلو قال: لا تتقوه حق تقاته كان نسخا، وإنما بيّن أنه لم أراد بحق التقاة؛ ما لي في الطاقة.

ذكر الآية الثامنة
: قوله تعالى: لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً [آل عمران: 111].
قال جمهور المفسرين: معنى الكلام: لن يضروكم ضرا باقيا في جسد أو مال إنما هو شيء يسير سريع الزوال، وتثابون عليه.
وهذا لا ينافي الأمر بقتالهم فالآية محكمة على هذا، ويؤكده أنها خبر، والأخبار لا تنسخ.
وقال السدي: الإشارة إلى أهل الكتاب، وذلك قبل أن يؤمر بقتالهم، فنسخت بقوله: قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ [التوبة: 29] والأول أصح.

ذكر الآية التاسعة
: قوله تعالى: وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها [آل عمران: 145]. جمهور العلماء على أن هذا الكلام محكم واستدلوا عليه بشيئين.
الأول: أنه خبر، والخبر لا يدخله النسخ.
والثاني: أنهم قالوا: ما أحد إلا وله من الدنيا نصيب مقدر، ولا يفوته ما قسم له، فمن كانت همته ثواب الدنيا أعطاه الله منها ما قدّر له، وذلك هو الذي يشاؤه الله، وهو المراد بقوله: عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ [الإسراء: 18] ولم يقل يؤته منها ما يشاء هو. ويمكن أن يكون المعنى: لمن يريد أن يفتنه أو يعاقبه.

(1/101)


وذهب السّدّي إلى أنه منسوخ بقوله: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ [آل عمران: 18] وليس هذا بقول من يفهم الناسخ والمنسوخ، فلا يعول عليه.

ذكر الآية العاشرة
: قوله تعالى: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [آل عمران: 186].
الجمهور على إحكام هذه الآية، لأنها تضمّنت الأمر بالصبر والتقوى، ولا بد للمؤمن من ذلك. وقد ذهب قوم إلى أن الصبر المذكور هاهنا منسوخ بآية السيف.