نواسخ القرآن ناسخ القرآن ومنسوخه ت آل زهوي الباب الثاني عشر باب ذكر الآيات اللواتي
ادّعي عليهنّ النّسخ في سورة المائدة
قد زعم قوم أنه ليس في المائدة منسوخ.
[130] (1) - فأخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: ابنا علي بن
أيوب، قال: ابنا أبو علي بن شاذان، قال: ابنا أبو بكر النجاد،
قال: ابنا أبو داود السجستاني، قال ابنا محمد بن بشار، قال:
ابنا عبد الرحمن، قال: ابنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن
شرحبيل، قال: المائدة ليس فيها منسوخ.
قال ابن بشار: وابنا ابن أبي عدي، قال: ابنا ابن عون، قال: قلت
للحسن:
نسخ من المائدة شيء؟ قال: لا.
وقد ذهب الأكثرون إلى أن في المائدة منسوخا، ونحن نذكر ذلك.
ذكر الآية الأولى
: قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا
شَعائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ
وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ الآية
[المائدة: 2].
اختلف المفسرون في هذه الآية، هل هي محكمة أم منسوخة؟ على
قولين:
القول الأول: أنها محكمة
، ولا يجوز استحلال الشعائر ولا الهدي قبل أوان ذبحه، ثم
اختلفوا في القلائد؛ فقال بعضهم: يحرم رفع القلادة عن الهدي
حتى ينحر.
وقال آخرون منهم: كانت الجاهلية تقلد من شجر الحرم فقيل لهم لا
تستحلوا أخذ القلائد من الحرم ولا تصدوا القاصدين إلى البيت.
والقول الثاني: أنها منسوخة
، ثم في المنسوخ منها ثلاثة أقوال:
الأول: قوله: وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ فإن هذا اقتضى
جواز إقرار المشركين على قصدهم البيت، وإظهارهم شعائر الحج ثم
نسخ هذا بقوله: فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ
عامِهِمْ هذا [التوبة: 28] وبقوله: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ
حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وهذا المعنى مروي عن ابن عباس رضي
عنهما.
[131]- أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: ابنا عمر بن عبيد الله،
قال: ابنا
__________
(1) إسناده ضعيف.
(1/126)
ابن بشران، قال: ابنا إسحاق بن أحمد قال:
ابنا عبد الله بن أحمد، قال: حدّثني أبي، قال: ابنا عبد
الوهاب، عن سعيد، عن قتادة، قال: نسخ منها آمِّينَ الْبَيْتَ
الْحَرامَ نسخها قوله: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ
وَجَدْتُمُوهُمْ.
وقال: ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ
اللَّهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ [التوبة:
17].
وقال: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا
الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا [التوبة: 28].
والثاني: أن المنسوخ منها تحريم الشهر الحرام، وتحريم الآمين
للبيت إذا كانوا مشركين، وهدي المشركين إذا لم يكن لهم من
المسلمين أمان، قاله أبو سليمان الدمشقي.
والثالث: أن جميعها منسوخ.
[132] (1) - أخبرنا المبارك بن علي، قال: ابنا أحمد بن الحسين
بن قريش، قال: ابنا إبراهيم بن عمر البرمكي، قال: ابنا محمد بن
إسماعيل بن العباس، قال: ابنا أبو بكر بن أبي داود، قال: ابنا
يعقوب بن سفيان، قال: ابنا أبو صالح، قال: ابنا معاوية بن
صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس رضي الله عنهما لا
تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا
الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ
الْحَرامَ قال:
كان المشركون يحجون البيت الحرام، ويهدون الهدايا ويحرمون حرمة
المشاعر، وينحرون في حجهم، فأنزل الله عزّ وجلّ: لا تُحِلُّوا
شَعائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ أي لا تستحلوا
قتالا فيه، وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يقول: من توجه
قبل البيت. ثم أنزل الله، فقال: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ
حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ.
[133] (2) - أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: ابنا عمر بن عبيد
الله، قال: ابنا ابن بشران، قال: ابنا إسحاق بن أحمد قال: ابنا
عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدّثني أبي، قال: ابنا يزيد،
قال: ابنا سفيان بن حسين، عن الحكم، عن مجاهد، قال: نسخت هذه
الآية لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ نسختها فَاقْتُلُوا
الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ.
قال أحمد: وابنا عبد الرزاق، قال: ابنا معمر، عن قتادة، لا
تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا
الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ قال: هي منسوخة، كان الرجل في
الجاهلية إذا خرج من بيته يريد الحج تقلد السمر فلم يعرض له
أحد، فإذا رجع تقلد قلادة شعر
__________
(1) إسناده ضعيف.
وأخرجه النحاس في «ناسخه» (ص 111).
(2) أخرجه أبو عبيد في «الناسخ والمنسوخ» (247).
(1/127)
فلم يعرض له أحد، وكان المشرك يومئذ لا يصد
عن البيت، فأمروا أن لا يقاتلوا في الشهر الحرام، ولا عند
البيت الحرام، فنسخها فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ
وَجَدْتُمُوهُمْ (1).
[134] (2) - أخبرنا ابن الحصين، قال: ابنا ابن غيلان، قال:
ابنا أبو بكر الشافعي، قال: ابنا إسحاق بن الحسن، قال: ابنا
أبو حذيفة النهدي، قال: ابنا سفيان الثوري، عن بيان، عن
الشعبي، قال: لم ينسخ من المائدة غير آية واحدة يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَلَا
الشَّهْرَ الْحَرامَ نسختها فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ
وَجَدْتُمُوهُمْ.
وفصل الخطاب في هذا أنه لا يمكن القول بنسخ جميع الآية فإن
شعائر الله أعلام متعبداته، ولا يجوز القول بنسخ هذا إلا أن
يعني به: لا تستحلوا نقض ما شرع فيه المشركون من ذلك، فعلى هذا
يكون منسوخا. وكذلك الهدي والقلائد، وكذلك الآمّون للبيت فإنه
لا يجوز صدهم إلا أن يكونوا مشركين، وأما الشهر الحرام فمنسوخ
الحكم على ما بينا في قوله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ
الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ [البقرة: 217].
فأما قوله: وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا [المائدة: 2] فلا
وجه لنسخه، وأما قوله:
وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ [المائدة: 2] فمنسوخ
بقوله: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ
وباقي الآية محكم بلا شك.
ذكر الآية الثانية
: قوله تعالى: وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ
لَكُمْ [المائدة: 5].
اختلف المفسرون في هذه الآية على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنها اقتضت إباحة ذبائح أهل الكتاب على الإطلاق،
وإن علمنا أنهم قد أهلوا عليها بغير اسم الله، أو أشركوا معه
غيره. وهذا مروي عن الشعبي، وربيعة، والقاسم بن مخيمرة في
آخرين، وهؤلاء زعموا أنها ناسخة لقوله تعالى:
وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ
[الأنعام: 121].
__________
(1) أخرجه عبد الرزاق في «تفسيره» (1/ 182) والنحاس في «ناسخه»
(ص 111).
(2) إسناده صحيح.
أخرجه عبد الرزاق في «تفسيره» (1/ 181) وابن جرير الطبري في
«تفسيره» (9/ 475 - 476/ 10966) وأبو عبيد في «ناسخه» (248)
والنحاس في «ناسخه» (ص 111) وسعيد بن منصور في «سننه» (4/
1437/ 712 - آل حميد).
من طرق؛ عن بيان بن بشر به.
(1/128)
قال أبو بكر: وابنا حرمي بن يونس قال: ابنا
أبي، يونس بن محمد، قال:
ابنا حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن، قال: قيل له: إنهم يذكرون
المسيح على ذبائحهم، قال: قد علم الله ما هم قائلون، وقد أحل
ذبائحهم.
قال أبو بكر: وابنا زياد بن أيوب، قال: ابنا مروان، قال: ابنا
أيوب بن يحيى الكندي، قال: سألت الشعبي عن نصارى نجران فقلت:
منهم من يذكروا الله ومنهم من يذكر المسيح، قال: كل، وأطعمني.
قال أبو بكر: وابنا إسحاق بن إبراهيم بن حبيب، قال: ابنا يحيى،
عن سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء قال: كلوا وإن ذبح للشيطان.
قال أبو بكر: وابنا محمود بن خالد، قال: ابنا الوليد، قال:
ابنا ابن جابر، قال: سمعت القاسم بن مخيمرة يقول: لا بأس بأكل
ما ذبحت النصارى لأعياد كنائسها، ولو سمعته يقول: على اسم
جرجيس وبولس.
[135] (1) - أخبرنا المبارك بن علي قال: ابنا أحمد بن الحسين
بن قريش، قال: ابنا إبراهيم بن عمر البرمكي، قال: ابنا محمد بن
إسماعيل بن العباس، قال: ابنا أبو بكر بن أبي داود، قال: ابنا
يعقوب بن سفيان، قال: ابنا أبو صالح، قال: حدّثني معاوية بن
صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس رضي الله عنهما وَما
أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ [المائدة: 3] ما ذبح اليهود
والنصارى أحل لكم ذبائحهم على كل حال.
قال أبو بكر: وابنا محمد بن بشار، قال: ابنا يحيى، قال: ابنا
عبد الملك، عن عطاء، قال: إذا ذبح النصراني باسم المسيح فكل.
قال أبو بكر: وابنا عبد الله بن سعيد، قال: ابنا ابن أبي
غنيمة، قال: ابنا أبي، عن الحكم، قال: لو ذبح النصراني وسمعته
يقول: باسمك اللهم المسيح لأكلت منه، لأن الله قد أحل لنا
ذبائحهم، وهو يعلم أنهم يقولون ذلك.
والقول الثاني: أن ذلك كان مباحا في أول الأمر، ثم نسخ بقوله
تعالى: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ
عَلَيْهِ.
والقول الثالث: أنه إنما أبيحت ذبيحة أهل الكتاب، لأن الأصل
أنهم يذكرون اسم الله عليها فمتى علم قد ذكروا غير اسمه لم
يؤكل، وهذا هو الصحيح عندي، وممن قال: إذا سمعت الكتابي يسمّي
غير الله فلا تأكل: علي بن أبي طالب،
__________
(1) إسناده ضعيف.
(1/129)
وعبد الله بن عمر، وعائشة، وطاوس والحسن،
وعن عبادة بن الصامت، وأبي الدرداء كهذا القول. وكالقول الأول،
فعلى هذا القول الآية محكمة، ولا وجه للنسخ.
ذكر الآية الثالثة
: قوله تعالى: إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا
وُجُوهَكُمْ [المائدة: 6].
اختلف العلماء فيها على قولين:
الأول: أن في الكلام إضمارا تقديره: إذا قمتم إلى الصلاة
محدثين، وهذا قول سعد بن أبي وقاص، وأبي موسى، وابن عباس،
والفقهاء.
والثاني: أنه على إطلاقه، وأنه يوجب على كل من أراد الصلاة أن
يتوضأ سواء كان محدثا أو غير محدث، وهذا مروي عن جماعة منهم
علي، وعكرمة، وابن سيرين، ثم اختلفوا: هل هذا الحكم باق أم
نسخ؟ فذهب أكثرهم إلى أنه باق، وقال بعضهم: بل هو منسوخ
بالسنّة، وهو حديث بريدة أن النبي صلّى الله عليه وسلّم صلّى
يوم الفتح بوضوء واحد، فقال له عمر: صنعت شيئا لم تكن تصنعه
فقال: عمدا فعلته يا عمر (1).
وهذا قول بعيد لما سبق بيانه من أن أخبار الآحاد لا تجوز أن
تنسخ القرآن، وإنما يحمل فعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
هذا على تبين معنى الآية، وأن المراد: إذا قمتم وأنتم محدثون.
وإنما كان يتوضأ لكل صلاة لطلب الفضيلة.
وقد حكى أبو جعفر النحاس عن الشافعي أنه قال: لو وكلنا إلى
الآية لكان على كل قائم إلى الصلاة الطهارة، فلما صلّى رسول
الله صلّى الله عليه وسلّم الصلوات بطهور واحد بيّنها، فيكون
المعنى: إذا قمتم وقد أحدثتم فاغسلوا (2).
وقد قال بعضهم: يجوز أن يكون ذلك قد نسخ بوحي لم تستقر تلاوته،
فإنه قد روى أبو جعفر بن جرير الطبري، بإسناده عن عبد الله بن
حنظلة الغسيل رضي الله عنهما أن
النبي صلّى الله عليه وسلّم أمر بالوضوء عند كل صلاة فشق ذلك
عليه، فرفع عنه الوضوء إلا من حدث.
__________
(1) أخرجه مسلم (277) وأحمد (5/ 350 - 351، 358) وأبو داود
(172) والنسائي (1/ 86) والترمذي (61) وابن ماجة (510) وأبو
عوانة (647، 648، 649) وابن خزيمة (1/ 10/ 13) وغيرهم، من حديث
بريدة رضي الله عنه.
(2) «الناسخ والمنسوخ» للنحاس (ص 115 - 116).
(1/130)
ذكر الآية الرابعة
: قوله تعالى: فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ [المائدة: 13].
اختلف العلماء هل هذا منسوخ أم محكم؛ على قولين:
الأول: أنه منسوخ
؛ قاله الأكثرون، ولهم في ناسخه ثلاثة أقوال:
الأول: آية السيف.
[136] (1) - أخبرنا ابن ناصر قال: ابنا ابن أيوب، قال: ابنا
أبو علي بن شاذان، قال: ابنا أبو بكر النجاد، قال: ابنا أبو
داود السجستاني، قال: ابنا أحمد بن محمد، قال: حدّثت عن معاوية
بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس رضي الله عنهما
فَاعْفُ عَنْهُمْ [آل عمران: 159] وَإِنْ تَعْفُوا
وَتَصْفَحُوا [التغابن: 14]، ونحو هذا من القرآن نسخ كله
بقوله: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ
[التوبة: 5].
والثاني: قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
[التوبة: 29].
[137] (2) - أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: ابنا عمر بن عبيد
الله، قال:
ابنا ابن بشران، قال: ابنا إسحاق بن أحمد، قال: ابنا عبد الله
بن أحمد بن حنبل، قال: حدّثني أبي، قال ابن عبد الرزاق، قال:
ابنا معمر، عن قتادة فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ قال: نسختها
قوله تعالى: قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا
بِالْيَوْمِ الْآخِرِ.
والثالث: وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً [الأنفال:
58].
والقول الثاني: أنه محكم
، قال بعض المفسرين: نزلت في قوم كان بينهم وبين النبي صلّى
الله عليه وسلّم عهد، فغدروا وأرادوا قتل النبي صلّى الله عليه
وسلّم، وأظهره الله عليهم، ثم أنزل هذه الآية، ولم تنسخ (3).
قال ابن جرير: يجوز أن يعفي عنهم في غدرة فعلوها ما لم ينصبوا
حربا، ولم يمتنعوا من أداء الجزية والإقرار بالصغار، فلا يتوجه
النسخ.
__________
(1) أخرجه أبو عبيد في «ناسخه» (355) والبيهقي في «سننه» (9/
11).
من طريق: معاوية بن صالح به.
(2) أخرجه عبد الرزاق في «تفسيره» (1/ 185).
(3) انظر «تفسير ابن جرير الطبري» (10/ 134).
(1/131)
ذكر الآية الخامسة
: قوله تعالى: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ
يُقَتَّلُوا [المائدة: 33] هذه الآية محكمة عند الفقهاء.
واختلفوا هل هذه العقوبة على الترتيب أم على التخيير.
فمذهب أحمد بن حنبل في جماعة أنها على الترتيب، وأنهم إذا
قتلوا وأخذوا المال، أو قتلوا ولم يأخذوا قتلوا وصلبوا وإن
أخذوا المال ولم يقتلوا، قطّعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، وإن لم
يأخذوا المال نفوا.
وقال مالك: الإمام مخير في إقامة أي الحدود شاء سواء قتلوا أم
لم يقتلوا، أخذوا المال أو لم يأخذوا.
وقد ذهب بعض مفسّري القرآن ممن لا فهم له؛ أن هذه الآية منسوخة
بالاستثناء بعدها، وقد بينا فساد هذا القول في مواضع.
ذكر الآية السادسة
: قوله تعالى: فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ
أَعْرِضْ عَنْهُمْ [المائدة: 42].
اختلفوا في هذه الآية على قولين:
الأول: أنها منسوخة
وذلك أن أهل الكتاب كانوا إذا ترافعوا إلى النبي صلّى الله
عليه وسلّم كان مخيرا إن شاء حكم بينهم وإن شاء أعرض عنهم، ثم
نسخ ذلك، بقوله:
فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ [المائدة: 48].
فلزمه الحكم وزال التخيير، روى هذا المعنى أبو سليمان الدمشقي
بأسانيده عن ابن عباس، وعطاء ومجاهد، وعكرمة، والسدي، وقد روى
أيضا عن الزهري وعمر بن عبد العزيز.
[138] (1) - وقد أخبرنا ابن الحصين، قال: ابنا أبو طالب بن
غيلان، قال: ابنا أبو بكر الشافعي، قال: ابنا يحيى بن آدم، عن
الأشجعي، عن سفيان، عن السدي، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله
عنهما فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ قال:
نسختها فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ.
[139] (2) - أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: ابنا عمر بن عبيد
الله البقال، قال: ابنا ابن بشران، قال: ابنا إسحاق بن أحمد،
قال: ابنا
__________
(1) أخرجه أبو عبيد (244) من طريق: سفيان، عن السّدّي، عن
عكرمة، ولم يذكر ابن عباس.
وأخرجه النحاس (ص 123) من طريق؛ سفيان به.
(2) أخرجه أبو عبيد في «ناسخه» (243).
(1/132)
عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدّثني أبي
قال: ابنا حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس
رضي الله عنهما في قوله:
فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ قال: نسختها
فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ.
قال أحمد: وابنا هشيم قال: ابنا أصحابنا منهم منصور وغيره، عن
الحكم، عن مجاهد في قوله: فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ
اللَّهُ قال: نسخت ما قبلها، قوله:
فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ (1).
قال أحمد: وابنا وكيع، قال: ابنا سفيان، عن السدي، عن عكرمة،
قال:
نسخ قوله: فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ قوله: فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ
أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ (2).
قال أحمد: وابنا حسين، عن شيبان، عن قتادة فَاحْكُمْ
بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ قال: أمر الله نبيه أن يحكم
بينهم بعد ما كان رخص له أن يعرض عنهم إن شاء، فنسخت هذه الآية
ما كان قبلها.
وحكى أبو جعفر النحاس عن أبي حنيفة وأصحابه قالوا: إذا تحاكم
أهل الكتاب إلى الإمام فليس له أن يعرض عنهم، غير أن أبا حنيفة
قال: إذا جاءت المرأة والزوج فعليه أن يحكم بينهما بالعدل، وإن
جاءت المرأة وحدها ولم يرض الزوج لم يحكم. وقال أصحابه: بل
يحكم قال: وقال الشافعي: لا خيار للإمام إذا تحاكموا إليه قال
النحاس: وقد ثبت أن قول أكثر العلماء أن الآية منسوخة (3).
والقول الثاني: أنها محكمة
وأن الإمام ونوابه في الحكم مخيّرون، وإذا ترافعوا إليهم إن
شاءوا حكموا بينهم، وإن شاءوا أعرضوا عنهم.
[140] (4) - أخبرنا إسماعيل بن أحمد، ابنا عمر بن عبيد الله،
قال: ابنا ابن
__________
(1) أخرجه الحاكم (2/ 312) والبيهقي (8/ 248 - 249) وابن أبي
حاتم في «تفسيره» (4/ 1135/ 6388) والطبراني في «الكبير» (10/
رقم: 11054) والنحاس في «ناسخه» ص (123) وأبو عبيد (247). من
طريق: سفيان بن حسين، عن الحكم، عن مجاهد به.
وأخرجه أبو عبيد في «ناسخه» (244) من طريق: منصور، عن الحكم
به.
وصحّح إسناده الحاكم، ووافقه الذهبي.
(2) أخرجه ابن جرير الطبري (10/ 331/ 11988) وأبو عبيد (245).
(3) «الناسخ والمنسوخ» للنحاس (ص 124).
(4) أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسيره» (4/ 1136/ 6390) وابن جرير
الطبري في «تفسيره» (10/ 329 - 330، 334/ 11979، 11983، 11997)
وعبد الرزاق في «مصنفه» (6/ 63/ 10008 و 8/ 322/ 19240) وسعيد
بن منصور في «سننه» (4/ 1479/ 476 - آل حميد)
(1/133)
بشران، قال: ابنا إسحاق بن أحمد، قال: ابنا
عبد الله بن أحمد قال: حدّثني أبي، قال: ابنا هشيم، قال: ابنا
مغيرة، عن إبراهيم، والشعبي في قوله:
فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ، قالا: إذا ارتفع
أهل الكتاب إلى حاكم المسلمين فإن شاء أن يحكم بينهم، وإن شاء
أن يعرض عنهم، وإن حكم، حكم بما في كتاب الله.
قال أحمد: وابنا وكيع، عن سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء، قال:
إن شاء حكم، وإن شاء لم يحكم.
[141]- أخبرنا المبارك بن علي، قال: ابنا أحمد بن الحسين بن
قريش، قال: ابنا إبراهيم بن عمر البرمكي، قال: ابنا محمد بن
إسماعيل بن العباس، قال: ابنا أبو بكر بن أبي أبي داود، قال:
ابنا المثنى بن أحمد، قال: ابنا عمرو بن خالد، عن ابن لهيعة،
عن عطاء بن دينار، عن سعيد بن جبير فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ
بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ جعله الله في ذلك على
الخيرة إما أن يحكم وإما أن يتركهم فلا يحكم بينهم.
قال أبو بكر: وابنا عبد الله بن محمد بن خلاد قال: ابنا يزيد
قال: ابنا مبارك، عن الحسن، قال: إذا ارتفع أهل الذمة إلى حاكم
من حكام المسلمين، فإن شاء حكم بينهم، وإن شاء رفعهم إلى
حكامهم، فإن حكم بينهم حكم بالعدل، وبما أنزل الله.
وهذا مروي عن الزهري. وبه قال: أحمد بن حنبل وهو الصحيح؛ لأنه
لا تنافي بين الآيتين من جهة أن أحدهما خيرت بين الحكم وتركه،
والأخرى ثبتت كيفية الحكم إذا كان.
ذكر الآية السابعة
: قوله تعالى: ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ [المائدة:
99].
اختلف المفسرون فيها على قولين:
الأول: أنها محكمة
وأنها تدل على أن الواجب على الرسول التبليغ وليس عليه الهدي.
__________
والبيهقي (8/ 246) وأبو عبيد في «ناسخه» (242) والنحاس في
«ناسخه» (ص 123).
من طرق؛ عن مغيرة بن مقسم، عن الشعبي وإبراهيم به.
ومغيرة به مقسم ثقة؛ لكنه مدلّس، وقد عنعنه هنا.
تنبيه: وقع في مطبوعة تفسير ابن أبي حاتم بدل «مغيرة»؛
«ضميرة»! فليصحّح.
(1/134)
والثاني [أنها منسوخة]:
أنها تتضمن الاقتصار على التبليغ دون الأمر بالقتال، ثم نسخت
بآية السيف والأول أصح.
ذكر الآية الثامنة
: قوله تعالى: عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ
ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة: 105].
للعلماء فيها قولان:
القول الأول: أنها منسوخة:
قال أرباب هذا القول هي تتضمن كف الأيدي عن قتال الضالين
فنسخت. ولهم في ناسخها قولان:
الأول: آية السيف.
والثاني: أن آخرها نسخ أولها. قال أبو عبيد القاسم بن سلام
(1): ليس في القرآن آية جمعت الناسخ والمنسوخ غير هذه وموضوع
المنسوخ منها إلى قوله:
لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ والناسخ قوله: إِذَا اهْتَدَيْتُمْ
والهدى هاهنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
قلت: وهذا الكلام إذا حقق لم يثبت.
القول الثاني: أنها محكمة
، قال الزجاج: معناها إنما ألزمكم الله أمر أنفسكم لا يؤاخذكم
بذنوب غيركم. قال: وهذه الآية لا توجب ترك الأمر بالمعروف، لأن
المؤمن إذا تركه وهو مستطيع له، فهو ضال وليس بمهتد.
قلت: وهذا القول هو الصحيح وأنها محكمة ويدل على إحكامها أربعة
أشياء:
الأول: أن قوله: عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ يقتضي إغراء الإنسان
بمصالح نفسه، ويتضمن الإخبار بأنه لا يعاقب بضلال غيره، وليس
مقتضى ذلك أن لا ينكر على غيره، وإنما غاية الأمر أن يكون ذلك
مسكوتا عنه فيقف على الدليل.
والثاني: أن الآية تدل على وجوب الأمر بالمعروف، لأن قوله:
عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ أمر بإصلاحها وأداء ما عليها، وقد ثبت
وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فصار من جملة ما على
الإنسان في نفسه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. وقد دل على
ما قلنا قوله: إِذَا اهْتَدَيْتُمْ وإنما يكون الإنسان مهتديا
إذا امتثل أمر الشرع، ومما أمر الشرع به الأمر بالمعروف.
__________
(1) في «ناسخه» ص 286.
(1/135)
وقد روي عن ابن مسعود والحسن وأبي العالية:
أنهم قالوا في هذه الآية:
قولوا ما قبل منكم فإذا رد عليكم فعليكم أنفسكم.
[142] (1) - أخبرنا ابن الحصين، قال: ابنا ابن المذهب، قال:
ابنا أحمد بن جعفر، قال: ابنا عبد الله بن أحمد، قال حدّثني
أبي. قال: ابنا هاشم بن القاسم، قال: ابنا زهير يعني: ابن
معاوية، قال: ابنا إسماعيل بن أبي خالد، قال: ابنا قيس قال:
قام أبو بكر رضي الله عنه فحمد الله وأثنى عليه، قال: يا أيها
الناس إنكم تقرءون هذه الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا
اهْتَدَيْتُمْ إلى آخر الآية، وأنكم تضعونها على غير موضعها،
وإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إن الناس إذا
رأوا المنكر، ولا يغيّرونه أوشك الله عزّ وجلّ أن يعمّهم
بعقابه».
والثالث: أن الآية قد حملها قوم على أهل الكتاب إذا أدوا
الجزية، فحينئذ لا يلزمون بغيرها.
فروى أبو صالح عن ابن عباس أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كتب
إلى حجر، وعليهم منذر بن ساوي يدعوهم إلى الإسلام؛ فإن أبوا
فليؤدوا الجزية، فلما أتاه الكتاب عرضه على من عنده من العرب،
واليهود والنصارى والمجوس، فأقروا بالجزية وكرهوا الإسلام،
فكتب إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أما العرب فلا
تقبل منهم إلا الإسلام أو السيف، وأما أهل الكتاب والمجوس
فاقبل منهم الجزية» فلما قرءوا الكتاب أسلمت العرب، وأعطى أهل
الكتاب والمجوس الجزية. فقال المنافقون: عجبا لمحمد يزعم أن
الله بعثه ليقاتل الناس كافة حتى يسلموا، وقد قبل من مجوس هجر،
وأهل
__________
(1) حديث صحيح.
أخرجه أحمد (1/ 2، 5، 7، 9) وأبو داود (4338) والنسائي في
«الكبرى» (6/ 338 - 339/ 11157) والترمذي (2168، 3057) وابن
ماجة (4005) وابن أبي حاتم في «تفسيره» (4/ 1226/ 6919) وابن
جرير الطبري في «تفسيره» (11/ 149/ 12873) وابن أبي شيبة في
«مصنفه» (15/ 174 - 175/ 19429) وعبد بن حميد في «المنتخب من
المسند» (1) وابن حبان في «صحيحه» (1/ رقم: 304، 305) وأبو
يعلى في «مسنده» (1/ 118 - 120/ 128 - 132) والبزار في «مسنده»
(1/ 135، 137/ 65، 68) وسعيد بن منصور في «سننه» (4/ 1636/
840) والحميدي في «مسنده» (1/ 3، 4/ 3) وأبو بكر المروزي في
«مسند أبي بكر» (87، 88) والطحاوي في «مشكل الآثار» (2/ 62 -
64) والبيهقي في «سننه» (10/ 91) وفي «شعب الإيمان» (6/ 82/
7550) وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» (1/ 187/ 123) والبغوي في
«شرح السنة» (14/ 344/ 4153) وابن أبي عاصم في «الآحاد
والمثاني» (1/ 93، 94/ 63، 64) والطبراني في «مكارم الأخلاق»
(79) والخطابي في «العزلة» رقم (58) وغيرهم. من طرق؛ عن
إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس به.
(1/136)
الكتاب، الجزية، فهلا أكرههم على الإسلام
وقد ردها على إخواننا من العرب، فشق ذلك على المسلمين فنزلت
هذه الآية (1).
والرابع: أنه لما عابهم في تقليد آبائهم بالآية المتقدمة
أعلمهم بهذه الآية أن المكلف إنما يلزمه حكم نفسه، وأنه لا
يضره ضلال من ضل إذا كان مهتديا، حتى يعلموا أنه لا يلزمهم من
ضلال آبائهم شيء من الذم والعقاب. وإذا تلمحت هذه المناسبة بين
الآيتين لم يكن الأمر للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هاهنا
مدخل، وهذا أحسن الوجوه في الآية.
ذكر الآية التاسعة
: قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ
بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ
الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ
غَيْرِكُمْ [المائدة: 106] الإشارة بهذا إلى الشاهدين الذين
يشهدان على الموصي في السفر. والناس في قوله: ذَوا عَدْلٍ
مِنْكُمْ قائلان:
الأول: من أهل دينكم وملتكم.
[143]- أخبرنا عبد الوهاب الحافظ، قال: ابنا أبو الفضل بن
خيرون وأبو طاهر الباقلاوي، قالا: ابنا ابن شاذان، قال: ابنا
أحمد بن كامل، قال: حدّثني محمد بن سعد، قال: حدّثني أبي، قال:
حدّثني عمي، عن أبيه، عن جده، عن ابن عباس رضي الله عنهما ذَوا
عَدْلٍ مِنْكُمْ أي: من أهل الإسلام.
وهذا قول ابن مسعود وشريح، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير،
ومجاهد، وابن سيرين، والشعبي، والنخعي، وقتادة، وأبي مخلد،
ويحيى بن يعمر، والثوري، وهو قول أصحابنا (2).
والثاني: أن معنى قوله: مِنْكُمْ أي: من عشيرتكم، وقبيلتكم،
وهم مسلمون أيضا؛ قاله الحسن، وعكرمة والزهري والسدي، وعن
عبيدة كالقولين.
فأما قوله: أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ فقال ابن عباس: ليست
«أو» للتخيير، إنما المعنى: أو آخران من غيركم إن لم تجدوا
منكم.
في قوله: من غيركم قولان:
الأول: من غير ملّتكم ودينكم، قاله أرباب القول الأول.
والثاني: من غير عشيرتكم وقبيلتكم، وهم مسلمون أيضا، قال أرباب
القول
__________
(1) ذكره الواحدي في «أسباب النزول» (ص 212) عن الكلبي، عن أبي
صالح، عن ابن عباس.
(2) انظر «صفوة الراسخ» (ص 94).
(1/137)
الثاني: والقائل بأن المراد شهادة المسلمين من القبيلة أو من
غير القبيلة لا يشك في إحكام هذه الآية. فأما القائل بأن
المراد بقوله: أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ أهل الكتاب إذا
شهدوا على الوصية في السفر فلهم فيها قولان:
الأول: أنها محكمة والعمل على هذا عندهم باق. وهو قول ابن عباس
وابن المسيب وابن جبير، وابن سيرين، وقتادة والشعبي والثوري
وأحمد بن حنبل.
والثاني: أنها منسوخة بقوله تعالى: وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ
مِنْكُمْ [الطلاق: 2] وهو قول زيد بن أسلم وإليه يميل أبو
حنيفة ومالك والشافعي، قالوا: وأهل الكفر ليسوا بعدول. والأول
أصح، لأن هذا موضع ضرورة فجاز كما يجوز في بعض الأماكن شهادة
نساء لا رجل معهن بالحيض، والنفاس، والاستهلال. |