نواسخ القرآن ناسخ القرآن ومنسوخه ت آل زهوي ... الباب التاسع عشر باب ذكر الآيات
اللواتي ادّعي عليهنّ النّسخ في سورة الرعد
ذكر الآية الأولى
: قوله تعالى: وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ
عَلى ظُلْمِهِمْ [الرعد: 6].
قد توهم بعض المفسرين أن هذه الآية منسوخة، لأنه قال: المراد
بالظلم هاهنا الشرك، ثم نسخت بقوله: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ
أَنْ يُشْرَكَ بِهِ [النساء: 48]. وهذا التوهم فاسد، لأن الظلم
عام، وتخصيصه بالشرك هاهنا يحتاج إلى دليل، ثم إن كان المراد
به الشرك فلا يخلو الكلام من أمرين: إما أن يراد التجاوز عن
تعجيل عقابهم في الدنيا، أو الغفران لهم إذا رجعوا عنه، وليس
في الآية ما يدل على أنه يغفر للمشركين إذا ماتوا على الشرك.
ذكر الآية الثانية
: قوله تعالى: فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا
الْحِسابُ [الرعد: 40].
__________
(1) المصدر السابق (ص 112 - 113).
(1/162)
روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله
عنهما أن قوله: فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ نسخ بآية السيف
وفرض الجهاد، وكذلك قال قتادة: وعلى ما سبق تحقيقه في مواضع من
أنه ليس عليك أن تأتيهم بما يقترحون من الآيات إنما عليك أن
تبلغ، تكون محكمة ولا يكون بينها وبين آية السيف منافاة.
الباب العشرون باب ذكر الآيات اللواتي ادّعي عليهن النسخ في
سورة الحجر
ذكر الآية الأولى
: قوله تعالى: ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا
وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [الحجر: 3].
قد زعم كثير من المفسرين: أنها منسوخة بآية السيف والتحقيق
أنها وعيد وتهديد، وذلك لا ينافي قتالهم فلا وجه للنسخ.
ذكر الآية الثانية
: قوله تعالى: فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ [الحجر: 85].
[171]- أخبرنا المبارك بن علي، قال: ابنا أحمد بن الحسين بن
قريش قال: ابنا البرمكي قال: ابنا محمّد بن إسماعيل بن العباس،
قال: ابنا أبو بكر بن أبي داود، قال: بنا عبد الله بن سعيد،
قال: بنا عقبة، عن إسرائيل، عن جابر، عن مجاهد وعكرمة
فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ قال: هذا قبل القتال.
قال أبو بكر: وبنا موسى بن هارون، قال: ابنا الحسين، قال: بنا
شيبان، عن قتادة فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ قال: نسخ هذا
بعد، فقال: وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ [البقرة:
191].
ذكر الآية الثالثة
: قوله تعالى: لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا
بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ [الحجر: 88].
قد زعم قوم أن هذا كان قبل أن يؤمر بقتالهم ثم نسخ بآية السيف،
وهذا ليس بشيء؛ لأن المعنى: لا تحزن عليهم إن لم يؤمنوا، وقيل:
لا تحزن بما أنعمت عليهم في الدنيا، ولا وجه لنسخ، وكذلك قال
أبو الوفاء بن عقيل: قد
(1/163)
ذهب بعضهم إلى أن هذه الآية منسوخة بآية
السيف؛ وليس بصحيح.
ذكر الآية الرابعة
: قوله تعالى: وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ
[الحجر: 89].
زعم بعضهم أن معناها نسخ بآية السيف، لأن المعنى عنده اقتصر
على الإنذار، وهذا خيال فاسد، لأنه ليس في الآية ما يتضمن هذا،
ثم هي خبر فلا وجه للنسخ.
ذكر الآية الخامسة
: قوله تعالى: وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ [الحجر: 94].
[172]- أخبرنا ابن ناصر، قال: ابنا ابن أيوب، قال: ابنا بن
شاذان، قال: ابنا أبو بكر النجاد، قال: أبو داود السجستاني،
قال: ابنا أحمد بن محمّد، قال: حدّثت عن معاوية بن صالح، عن
علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس رضي الله عنهما وَأَعْرِضْ عَنِ
الْمُشْرِكِينَ قال: نسختها: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ
حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [التوبة: 5].
[173]- أخبرنا المبارك بن علي، قال: بنا أحمد بن الحسين، قال:
ابنا البرمكي، قال: ابنا محمّد بن إسماعيل، قال: ابنا أبو بكر
بن أبي داود، قال: بنا محمّد بن سعد، قال: حدّثني أبي عن
الحسين بن الحسن بن عطية، عن أبيه، عن عطية، عن ابن عباس رضي
الله عنهما وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ، قال: هذا من
المنسوخ.
... الباب الحادي والعشرون باب ذكر الآيات اللواتي ادّعي عليهن
النسخ في سورة النحل
ذكر الآية الأولى
: قوله تعالى: وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ
تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً [النحل: 67].
اختلف المفسرون بالمراد بالسكر على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه الخمر: قاله ابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس
رضي الله عنهم.
(1/164)
[174] (1) - أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال:
ابنا أبو الفضل البقال، قال: ابنا أبو الحسن بن بشران، قال:
ابنا إسحاق الكاذي، قال: بنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال:
حدّثني أبي، قال: حدّثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء
الخراساني، عن ابن عباس رضي الله عنهما تَتَّخِذُونَ مِنْهُ
سَكَراً قال: النبيذ فنسختها: إِنَّمَا الْخَمْرُ
وَالْمَيْسِرُ [المائدة: 90] الآية.
[175] (2) - أخبرنا ابن ناصر، قال: ابنا ابن أيوب، قال: ابنا
ابن شاذان، قال:
ابنا أبو بكر النجاد، قال: بنا أبو داود السجستاني، قال: بنا
حفص بن عمر، قال:
بنا شعبة عن مغيرة عن إبراهيم، والشعبي، وأبي رزين أنهم قالوا:
تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً قالوا هذه منسوخة.
[176]- أخبرنا المبارك بن علي، قال: ابنا أحمد بن الحسين بن
قريش، قال: ابنا إبراهيم بن عمر، قال: ابنا محمّد بن إسماعيل
بن العباس، قال: بنا أبو بكر بن أبي داود، قال: بنا عبد الله
بن الصباح، قال: بنا أبو علي الحنفي، قال:
بنا إسرائيل، عن أبي الهيثم، عن سعيد بن جبير في قوله:
تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً، قال: الخمر.
[177]- أخبرنا عبد الوهاب الحافظ، قال: ابنا أبو طاهر
الباقلاوي، قال:
ابنا أبو علي بن شاذان، قال: ابنا عبد الرحمن بن الحسن قال:
بنا إبراهيم بن الحسين قال: بنا آدم، قال بنا ورقاء، عن ابن
أبي نجيح، عن مجاهد تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً قال: السكر:
الخمر قبل تحريمها. وهذا قول الحسن وابن أبي ليلى والزجاج،
وابن قتيبة، ومذهب أهل هذا القول أن هذه الآية نزلت إذ كانت
الخمر مباحة ثم نسخت بقوله: فَاجْتَنِبُوهُ [المائدة: 90]. ومن
صرح بأنها منسوخة سعيد بن جبير، ومجاهد، والشعبي، وقتادة،
والنخعي، ويمكن أن يقال على هذا القول ليست بمنسوخة، ويكون
المعنى: أنه خلق لكم هذه الثمار لتنتفعوا بها على وجه مباح،
فاتخذتم أنتم منها ما هو محرّم عليكم، ويؤكّد هذا أنها خبر
والأخبار لا تنسخ، وقد ذكر نحو هذا المعنى الذي ذكرته أبو
الوفاء بن عقيل فإنه قال: ليس في الآية ما يقتضي إباحة السّكر،
إنما هي معاتبة وتوبيخ.
والقول الثاني: أن السّكر الخل بلغة الحبشة، روي عن ابن عباس
رضي الله عنهما.
__________
(1) أخرجه أبو عبيد في «ناسخه» (458).
(2) أخرجه أبو عبيد (456) من طريق: شعبة به.
(1/165)
[178]- وأخبرنا المبارك بن علي، قال: ابنا
أحمد بن الحسين بن قريش، قال: ابنا إبراهيم بن عمر، قال: ابنا
محمّد بن إسماعيل، قال: بنا أبو بكر بن أبي داود، قال: بنا
محمّد بن سعد، قال: حدّثني أبي، عن الحسين بن الحسن بن عطية،
عن أبيه، عن عطية- قال: قال ابن عمر: إن الحبشة يسمّون الخل
السّكر.
وقال الضحاك: هو الخل بلسان اليمن.
والثالث: أن السّكر الطعم يقال هذا له سكر أي طعم وأنشدوا:
جعلت عنب الأكرمين سكرا.
قاله: أبو عبيدة، فعلى هذين القولين الآية محكمة.
ذكر الآية الثانية
: قوله تعالى: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ
الْمُبِينُ [النحل: 82].
قال كثير من المفسرين: إنها منسوخة بآية السيف، وقد بينا في
نظائرها أنه لا حاجة بنا إلى ادعاء النسخ في مثل هذه.
ذكر الآية الثالثة
: قوله تعالى: وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:
125].
اختلف المفسرون في هذه الآية على أربعة أقوال:
الأول: أن المعنى جادلهم بالقرآن.
والثاني: بلا إله إلا الله، والقولان عن ابن عباس رضي الله
عنهما.
والثالث: أعرض عن أذاهم إياك.
[179]- أخبرنا عبد الوهاب الأنماطي قال: ابنا أبو طاهر، قال:
ابنا ابن شاذان، قال: ابنا عبد الرحمن بن الحسن، قال: ابنا
إبراهيم الحسين، قال: ابنا آدم، قال: بنا ورقاء، عن ابن أبي
نجيح، عن مجاهد وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ قال:
يقول أعرض عن أذاهم إياك.
والرابع: جادلهم غير فظ ولا غليظ وألن لهم جانبك، قاله الزجاج.
وقد ذهب كثير من المفسرين إلى أن هذه الآية منسوخة بآية السيف
وفيه بعد، لأن المجادلة لا تنافي القتال، ولم يقل له، اقتصر
على جدالهم، فيكون المعنى جادلهم فإن أبوا فالسيف فلا يتوجه
نسخ (1).
__________
(1) انظر «صفوة الراسخ» (ص 115 - 116) و «الإيضاح» (ص 387) و
«جمال القراء» (2/ 746) و «الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (10/
200).
(1/166)
ذكر الآية الرابعة
: قوله تعالى: وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما
عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ
لِلصَّابِرِينَ [النحل: 126]. للمفسرين في هذه الآية قولان:
الأول [أنها منسوخة]:
أنها نزلت قبل براءة، فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أن
يقاتل من قاتله، ولا يبدأ بالقتال، ثم نسخ ذلك وأمر بالجهاد؛
قاله ابن عباس والضحاك.
[180]- أخبرنا عبد الوهاب، قال: ابنا أبو الفضل بن خيرون، وأبو
طاهر الباقلاوي، قالا: ابنا أبو علي بن شاذان، قال: ابنا أحمد
بن كامل، قال: حدّثني محمّد بن سعد، قال: حدّثني عمي، عن أبيه،
عن جده، عن ابن عباس رضي الله عنهما وَإِنْ عاقَبْتُمْ
فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ فقال: أمر الله تعالى
نبيه صلّى الله عليه وسلّم أن يقاتل من قاتله، ثم نزلت براءة،
فهذا من المنسوخ، فعلى هذا القول، يكون المعنى:
ولئن صبرتم عن القتال، ثم نسخ هذا بقوله: فَاقْتُلُوا
الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ.
والثاني: أنها محكمة
، وأنها نزلت: فيمن ظلم ظلامة فلا يحل له أن ينال من ظالمه
أكثر مما نال الظلم منه. قاله الشعبي، والنخعي وابن سيرين،
والثوري.
[181]- أخبرنا عبد الوهاب، قال: ابنا أبو طاهر، قال: ابنا ابن
شاذان، قال: ابنا عبد الرحمن بن الحسن، قال: ابنا إبراهيم بن
الحسين، قال: بنا آدم قال: بنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن
مجاهد وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ
بِهِ يقول: لا تعتدوا. يعني: محمّدا وأصحابه، وعلى هذا القول
يكون المعنى ولئن صبرتم على المثلة لا عن القتال. وهذا أصح من
القول الأول.
ذكر الآية الخامسة
: قوله تعالى: وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلا
تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ [النحل: 127].
هذه الآية متعلقة بالتي قبلها فحكمها حكمها، وقد زعم بعض
المفسرين أن الصبر هاهنا منسوخ بآية السيف.
***
(1/167)
الباب الثاني والعشرون باب ذكر الآيات
اللواتي ادّعي عليهن النسخ في سورة بني إسرائيل (1)
ذكر الآية الأولى
: قوله تعالى: وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما [الإسراء: 24].
قد ذهب بعض المفسرين إلى أن هذا الدعاء المطلق نسخ منه الدعاء
للوالدين المشركين، وروي نحو هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما
والحسن وعكرمة ومقاتل.
[182] (2) - أخبرنا المبارك بن علي، قال: ابنا أحمد بن الحسين
بن قريش، قال: ابنا أبو إسحاق البرمكي، قال: ابنا محمّد بن
إسماعيل بن العباس، قال: ابنا أبو بكر بن أبي داود، قال: بنا
محمّد بن قهزاد قال: حدّثني علي بن الحسين بن واقد، قال:
حدّثني أبي، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله
عنهما في قوله: إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ
[الإسراء: 23] إلى قوله: كَما رَبَّيانِي صَغِيراً [الإسراء:
23، 24] نسختها ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ
يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ [التوبة: 113].
قال أبو بكر: وبنا محمّد بن سعد قال: حدّثني أبي، عن الحسين بن
الحسن بن عطية، عن عطية، عن ابن عباس رضي الله عنهما: إِمَّا
يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ إلى قوله: صَغِيراً
فنسخها ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ
يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ.
قال: أبو بكر: وبنا أحمد بن يحيى بن مالك، قال: بنا عبد
الوهاب، عن سعيد، عن قتادة نحوه.
[183]- أخبرنا ابن ناصر، قال: ابنا ابن أيوب، قال: ابنا ابن
شاذان، قال:
ابنا أبو بكر النجاد، قال: ابنا أبو داود السجستاني، قال: ابنا
أحمد بن محمّد، قال: بنا عبد الله بن عثمان، عن عيسى بن عبيد
الله، عن عبيد الله مولى عمر،
__________
(1) أي: سورة الإسراء.
(2) أخرجه أبو عبيد (518) من طريق: حجاج، عن ابن جريج وعثمان
بن عطاء، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس به.
(1/168)
عن الضحاك وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما نسخ
منها بالآية التي في براءة، ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ
آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ [التوبة: 113].
قلت: وهذا ليس بنسخ عند الفقهاء، إنما هو عام دخله التخصيص
وإلى نحو ما قلته ذهب ابن جرير الطبري (1).
ذكر الآية الثانية
: قوله تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا
[الإسراء: 54].
للمفسرين في معنى الوكيل ثلاثة أقوال:
الأول: كفيلا تؤخذ بهم قاله ابن عباس رضي الله عنهما.
والثاني: حافظا وربا، قاله الفراء.
والثالث: كفيلا بهدايتهم وقادرا على إصلاح قلوبهم، ذكره ابن
الأنباري.
وعلى هذه الآية محكمة، وقد زعم بعضهم: أنها منسوخة بآية السيف،
وليس بصحيح، وقد تكلمنا على نظائرها فيما سبق.
ذكر الآية الثالثة
: قوله تعالى: وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [الإسراء: 34].
قد زعم من قل فهمه، من نقلة التفسير أن هذه الآية لما نزلت
امتنع الناس من مخالطة اليتامى فنزلت: وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ
فَإِخْوانُكُمْ [البقرة: 220]. وهذا يدل على جهل قائله
بالتفسير ومعاني القرآن؛ أيراه يجوز قرب مال اليتيم بغير التي
هي أحسن حتى يتصور نسخ؟! وإنما المنقول عن ابن عباس رضي الله
عنهما وغيره من المفسرين أنهم كانوا يخلطون طعامهم بطعام
اليتامى، فلما نزلت هذه الآية عزلوا طعامهم عن طعامهم، وكان
يفضل الشيء فيفسد، فنزل قوله: وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ
فَإِخْوانُكُمْ [البقرة: 220] فأما أن يدّعى نسخ فكلا (2) ...
ذكر الآية الرابعة
: قوله تعالى: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها
[الإسراء: 110].
روى الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: نسخت هذه
الآية بقوله: وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً
وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ [الأعراف: 205].
__________
(1) انظر تفسير المصنف «زاد المسير» (5/ 26) و «الجامع لأحكام
القرآن» (10/ 244) و «الإيضاح» لمكي (ص 337).
(2) انظر «الإيضاح» (ص 339) و «صفوة الراسخ» (ص 118).
(1/169)
وقال ابن السائب: نسخت بقوله: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ [الحجر:
94]. وهذا القول ليس بصحيح وليس بين الآيات تناف ولا وجه
للنسخ.
وبيان هذا؛ أن المفسرين اختلفوا في المراد بقوله: وَلا
تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ فقال قوم: هي الصلاة الشرعية لا تجهر
بقراءتك فيها ولا تخافت بها. وقال آخرون:
الصلاة الدعاء، فأمر التوسط في رفع الصوت، وذلك لا ينافي
التضرع.
... فأما سورة الكهف: فليس فيها
منسوخ
إلا أن السدي يزعم: أن قوله تعالى:
فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف:
29]، قال: وهذا تخيير نسخ بقوله:
وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ [الإنسان: 30] وهذا
تخليط في الكلام، وإنما هو وعيد وتهديد، وليس بأمر، كذلك قال
الزجاج وغيره ولا وجه للنسخ. |