نواسخ القرآن ناسخ القرآن ومنسوخه ت آل زهوي

... الباب الثالث والعشرون باب ذكر الآيات اللواتي ادّعي عليهنّ النسخ في سورة مريم
ذكر الآية الأولى
: قوله تعالى: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ [مريم: 39].
زعم بعض المغفلين من ناقلي التفسير، أن الإنذار منسوخ بآية السيف وهذا تلاعب من هؤلاء بالقرآن، ومن أين يقع التنافي بين إنذارهم القيامة، وبين قتالهم في الدنيا؟

ذكر الآية الثانية
: قوله تعالى: فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا [مريم: 59].
زعم بعض الجهلة أنه منسوخ بالاستثناء بعده، وقد بينا أن الاستثناء ليس بنسخ.

ذكر الآية الثالثة
: قوله تعالى: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها [مريم: 71].
زعم ذلك الجاهل أنها نسخت بقوله: ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا [مريم: 72] وهذا من أفحش الإقدام على الكلام في كتاب الله سبحانه بالجهل. وهل بين الآيتين

(1/170)


تناف؟ فإن الأولى تثبت أن الكل يردونها، والثانية تثبت أنه ينجو منهم من اتّقى، ثم هما خبران والأخبار لا تنسخ.

ذكر الآية الرابعة
: قوله تعالى: قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا [مريم: 75].
وزعم ذلك الجاهل أنها منسوخة بآية السيف، وهذا باطل. قال الزجاج: هذه الآية لفظها لفظ أمر، ومعناها الخبر، والمعنى: إن الله تعالى جعل جزاء ضلالته أن يتركه فيها، وعلى هذا لا وجه للنسخ.

ذكر الآية الخامسة
: قوله تعالى: فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا [مريم: 84].
زعم بعض المفسرين وأنها منسوخة بآية السيف. وهذا ليس بصحيح، لأنه إن كان المعنى لا تعجل بطلب عذابهم الذي يكون في الآخرة، فإن المعنى أن أعمارهم سريعة الفناء، فلا وجه للنسخ. وإن كان المعنى؛ لا تعجل بطلب قتالهم، فإن هذه السورة نزلت بمكة ولم يؤمر حينئذ بالقتال، فنهيه عن الاستعجال بطلب القتال واقع في موضعه، ثم أمره بقتالهم بعد الهجرة لا ينافي النهي عن طلب القتال بمكة، فكيف يتوجه النسخ؟
فسبحان من قدّر وجود قوم جهال يتلاعبون بالكلام في القرآن، يدّعون نسخ ما ليس بمنسوخ، وكل ذلك من سوء الفهم، نعوذ بالله منه.

... الباب الرابع والعشرون باب ذكر الآيات اللواتي ادّعي عليهن النسخ في سورة طه
ذكر الآية الأولى
: قوله تعالى: فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ [طه: 130].
قال جماعة من المفسرين، معناها: فاصبر على ما تسمع من أذاهم، ثم نسخت بآية السيف (1).
__________
(1) انظر «صفوة الراسخ» (ص 119) و «جمال القراء» (2/ 760) و «زاد المسير» للمصنف (5/ 333) و «الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (11/ 260).

(1/171)


ذكر الآية الثانية
: قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا [طه: 135].
قالوا: هي منسوخة بآية السيف. وقد ذكروا في سورة الأنبياء ما لا يحسن ذكره مما ادعوا فيه النسخ فأضربنا عنه.

... الباب الخامس والعشرون باب ذكر الآيات اللواتي ادّعي عليهن النسخ في سورة الحج
ذكر الآية الأولى
: قوله تعالى: وَإِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ [الحج: 68].
اختلفوا في هذه الآية على قولين:
الأول: أنها نزلت قبل الأمر بالقتال ثم نسخت بآية السيف.
والثاني: أنها نزلت في حق المنافقين؛ كانت تظهر منهم فلتات ثم يجادلون عليها، فأمر أن يكل أمورهم إلى الله تعالى، فالآية على هذا محكمة (1).
ذكر الآية الثانية
: قوله تعالى: وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ [الحج: 78] فيها قولان:

القول الأول: أنها منسوخة
، لأن فعل ما فيه وفاء لحق الله لا يتصور من أحد، واختلف هؤلاء في ناسخها على قولين:
الأول: أنه قوله: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها [البقرة: 286].
والثاني: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن: 16].

والقول الثاني: أنها محكمة
، لأن حق الجهاد الجد في المجاهدة وبذل الإمكان مع صحة القصد فعلى هذا هي محكمة، ويوضحه أن الله تعالى لم يأمر بما لا يتصور، فبان أن قوله: مَا اسْتَطَعْتُمْ تفسير لحق الجهاد فلا يصح نسخ، كما بينا في قوله تعالى في آل عمران: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ [آل عمران: 102].
...
__________
(1) انظر «صفوة الراسخ» (ص 119) و «جمال القراء» (2/ 763).

(1/172)


الباب السادس والعشرون باب ذكر الآيات اللواتي ادّعي عليهن النسخ في سورة المؤمنون
ذكر الآية الأولى
: قوله تعالى: فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ [المؤمنون: 54] أي: في عمايتهم وحيرتهم إلى أن يأتيهم ما وعدوا به من العذاب.
واختلفوا: هل هذه منسوخة أم لا، على قولين:

الأول: أنها منسوخة بآية السيف
لأنها اقتضت ترك الكفار على ما هم عليه.

والثاني [أنها محكمة]:
أن معناها الوعيد والتهديد، فهي محكمة.

ذكر الآية الثانية
: قوله تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ [المؤمنون: 96].
للمفسرين في معناها هذه أربعة أقوال:
الأول: ادفع إساءة المسيء بالصفح، قاله الحسن.
والثاني: ادفع الفحش بالإسلام، قاله عطاء والضحاك.
والثالث: ادفع الشرك بالتوحيد، قاله ابن السائب.
والرابع: ادفع المنكر بالموعظة، حكاه الماوردي.
وقد ذكر بعض المفسرين أن هذه الآية منسوخة، وقال بعض المحققين من العلماء: لا حاجة بنا إلى القول بالنسخ؛ لأن المداراة محمودة ما لم تضر بالدين، ولم تؤد إلى إبطال حق وإثبات باطل (1).

... الباب السابع والعشرون باب ذكر الآيات اللواتي ادّعي عليهن النسخ في سورة النور
ذكر الآية الأولى
: قوله تعالى: الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ [النور: 3].
__________
(1) انظر «صفوة الراسخ» (ص 120) و «جمال القراء» (2/ 765).

(1/173)


قال عكرمة: هذه الآية في بغايا كنّ بمكة أصحاب رايات، وكان لا يدخل عليهن إلا زان من أهل القبلة أو مشرك، فأراد ناس من المسلمين نكاحهن فنزلت هذه الآية.
قال ابن جرير: فعلى هذا يكون المعنى: الزاني من المسلمين لا يتزوج امرأة من أولئك البغايا إلا زانية أو مشركة، لأنهن كذلك، والزانية من أولئك البغايا لا ينكحها إلا زان أو مشرك.
[184] (1) - أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: بنا عمر بن عبيد الله البقال، قال:
بنا ابن بشران، قال: ابنا إسحاق بن أحمد، قال: بنا عبد الله بن أحمد، قال:
حدّثني أبي، قال: بنا هشيم؛ وابنا ابن ناصر، قال: ابنا ابن أيوب، قال: ابنا ابن شاذان، قال بنا أبو بكر النجاد، قال: بنا أبو داود السجستاني، قال: بنا وهب بن بقية، عن هيثم، قال: ابنا يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب في قوله:
وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ قال: نسختها الآية التي بعدها وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ [النور: 32].
قال الشافعي: القول كما قال ابن المسيب إن شاء الله.

ذكر الآية الثانية
: قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ [النور: 4].
زعم من لا فهم له، من ناقلي التفسير، أنها نسخت بالاستثناء بعدها، وهو قوله تعالى: إِلَّا الَّذِينَ تابُوا [النور: 5] وقد بينا في مواضع أن الاستثناء لا يكون ناسخا.

ذكر الآية الثالثة
: قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ الآية [النور: 27].
ذهب بعض المفسرين إلى أنه نسخ من حكم هذا النهي العام حكم البيوت التي ليس لها أهل يستأذنون، بقوله تعالى: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ [النور: 29].
[185]- أخبرنا المبارك بن علي، قال: ابنا أحمد بن الحسين بن قريش،
__________
(1) أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسيره» (8/ 2524/ 14134) وأبو عبيد في «ناسخه» (171) والشافعي في «الأم» (5/ 12، 148) والبيهقي في «السنن» (7/ 154) وابن أبي شيبة في «مصنفه» (4/ 271) والنحاس في «ناسخه» (ص 191) وغيرهم.

(1/174)


قال: ابنا إبراهيم بن عمر البرمكي، قال: ابنا محمّد بن إسماعيل قال: ابنا أبو بكر بن أبي داود، قال: ابنا محمّد بن قهزاد، قال: بنا علي بن الحسين بن واقد قال: حدّثني أبي، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا [النور: 27] الآية.
ثم نسخ واستثنى من ذلك: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ [النور: 29].
وهذا مروي عن الحسن، وعكرمة، والضحاك، وليس هذا نسخ إنما هو تخصيص.
والثاني: أن الآيتين محكمتان فالاستيذان شرط في الأولى إذا كان للدار أهل، والثانية وردت في بيوت لا ساكن لها والإذن لا يتصور من غير آذن، فإذا بطل الاستئذان لم يكن البيوت الخالية داخلة في الأولى، وهذا أصح.

ذكر الآية الرابعة
: قوله تعالى: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها [النور: 31].
قال ابن مسعود رضي الله عنه: هو الرداء.
وقد زعم قوم: أن هذا نسخ، بقوله: وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ [النور: 60].
[186]- أخبرنا المبارك بن علي، قال: ابنا أحمد بن الحسين، قال: ابنا البرمكي، قال: ابنا محمّد بن إسماعيل، قال: بنا أبو بكر بن أبو داود، قال: بنا محمّد بن قهزاد قال: بنا علي بن الحسين بن واقد، قال: حدّثني أبي، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ إلى قوله: لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ [النور: 31] نسخ ذلك واستثنى من قوله: وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً.
وكذلك قال الضحاك. وهذا ليس بصحيح؛ لأن الآية الأولى فيمن يخاف الافتتان بها، وهذه الآية في العجائز؛ فلا نسخ.

ذكر الآية الخامسة
: قوله تعالى: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ [النور: 54].
زعم بعضهم: أنها منسوخة بآية السيف وليس هذا صحيحا، فإن الأمر بقتالهم لا ينافي أن يكون عليه ما حمل، وعليهم ما حملوا، ومتى لم يقع التنافي بين الناسخ والمنسوخ لم يكن نسخ.

(1/175)


ذكر الآية السادسة
: قوله تعالى: لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ [النور: 58].
اختلفوا في هذه الآية، فذهب الأكثرون إلى أنها محكمة.
[187] (1) - أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: ابنا عمر بن عبيد الله، قال: ابنا ابن بشران، قال: ابنا إسحاق بن أحمد، قال: ابنا عبد الله بن أحمد، قال:
حدّثني أبي، قال: بنا عفان، قال: بنا أبو عوانة، قال: بنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: هذه الآية مما تهاون الناس به لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ قال: ليست منسوخة (2).
وهذا قول القاسم بن محمّد، وجابر بن زيد.
[188]- فقد أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: ابنا عمر، قال: ابنا ابن بشران، قال: ابنا إسحاق بن أحمد، قال: بنا عبد الله بن أحمد، قال: حدّثني أبي، قال: بنا هاشم، قال: بنا شعبة، عن داود أبي هند، عن ابن المسيب، قال:
هذه الآية منسوخة.
وقد روي عنه أنه قال: هي منسوخة بقوله: وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا [النور: 59] وهذا ليس بشيء، لأن معنى الآية: وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ أي: من الأحرار الحلم فليستأذنوا، أي: في جميع الأوقات في الدخول عليكم كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يعني كما استأذن الأحرار الكبار الذين بلغوا قبلهم، فالبالغ يستأذن في كل وقت، والطفل والمملوك يستأذن في العورات الثلاث (3).

ذكر الآية السابعة
: قوله تعالى: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ [النور: 61].
__________
(1) أخرج نحوه ابن أبي حاتم (8/ 2632/ 14789) من طريق: عبد الله بن لهيعة، حدثني عطاء بن دينار، عن سعيد بن جبير به. وإسناده ضعيف.
(2) أخرجه ابن أبي حاتم (8/ 2633/ 14790) وأبو عبيد في «ناسخه» (404) والنحاس في «ناسخه» (ص 196). من طريق: سفيان به.
(3) انظر «صفوة الراسخ» (ص 122 - 123) و «الإيضاح» (ص 366 - 368) و «الجامع لأحكام القرآن» (12/ 303) و «جمال القراء» (2/ 772 - 773).

(1/176)


هذه الآية كلها محكمة، والحرج المرفوع عن أهل الضر مختلف فيه، فمن المفسرين من يقول، المعنى: ليس عليكم في مؤاكلتكم حرج، لأن القوم تحرجوا وقالوا: الأعمى لا يبصر موضع الطعام الطيب، والمريض لا يستوفي الطعام، فكيف نؤاكلهم؟ وبعضهم يقول: بل كانوا يضعون مفاتحهم إذا غزوا عند أهل الضر ويأمرونهم أن يأكلوا، فيتورع أولئك عن الأكل، فنزلت هذه الآية.
وأما البيوت المذكورة فيباح للإنسان الأكل منها لجريان العادة ببذل أهلها الطعام لأهلها، وكل ذلك محكم، وقد زعم بعضهم أنها منسوخة بقوله: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ [البقرة: 188] وليس هذا بقول فقيه.