الإعراب المحيط من تفسير البحر المحيط سورة الرعد
ثلاث وأربعون آية مكية ومدنية
والظاهر أن قوله: والذي مبتدأ، والحق خبره، ومن ربك متعلق
بانزل. وأجاز الحوفي أن يكون من ربك الخبر، والحق مبتدأ محذوف،
أو هو خبر بعد خبر، أو كلاهما خبر واحد انتهى. وهو إعراب
متكلف. وأجاز الحوفي أيضاً أن يكون والذي في موضع رفع عطفاً
على آيات، وأجاز هو وابن عطية أن يكون والذي في موضع خفض. وعلى
هذين الإعرابين يكون الحق خبر مبتدأ محذوف أي: هو الحق، ويكون
والذي أنزل مما عطف فيه الوصف على الوصف وهما لشيء واحد كما
تقول: جاءني الظريف العاقل وأنت تريد شخصاً واحداً. ومن ذلك
قول الشاعر:
إلى الملك القرم وابن الهام
وليث الكتيبة في المزدحم وأجاز الحوفي أن يكون الحق صفة الذي
يعني: إذا جعلت والذي معطوفاً على آيات.
والجلالة مبتدأ، والذي هو الخبر بدليل قوله
تعالى: وهو الذي مد الأرض ويجوز أن يكون صفة. وقوله: يدبر
الأمر يفصل الآيات خبراً بعد خبر، وينصره ما تقدمه من ذكر
الآيات قاله الزمخشري. وقرأ الجمهور: عمد بفتحتين. وقرأ أبو
حيوة، ويحيى بن وثاب: بضمتين، وبغير عمد في موضع الحال أي:
خالية عن عمد. والضمير في ترونها عائد على السموات أي: تشاهدون
السموات خالية عن عمد. واحتمل هذا الوجه أن يكون ترونها كلاماً
مستأنفاً، واحتمل أن يكون جملة حالية أي: رفعها مرئية لكم بغير
عمد. وهي حال مقدرة، لأنه حين رفعها لم نكن مخلوقين. وقيل:
ضمير النصب في ترونها عائد على عمد أي: بغير عمد مرئية،
فترونها صفة للعمد. ويدل على كنه صفة لعمد قراءة أبي: ترونه،
فعاد الضمير مذكراً على لفظ عمد، إذ هو اسم جمع. قال أي ابن
عطية: اسم جمع عمود والباب في جمعه عمد بضم الحروف الثلاثة
كرسول ورسل انتهى. وهو وهم، وصوابه: بضم الحرفين، لأن الثالث
هو حرف الإعراب فلا يعتبر ضمه في كيفية الجمع.
ثم استوى على العرش} قال ابن عطية: ثم هنا العطف الجمل لا
للترتيب، لأنّ الاستواء على العرش قبل رفع السموات. وفي الصحيح
عن النبي صلى الله عليه وسلّمأنه قال: «كان الله ولم يكن شيء
قبله، وكان عرشه على الماء ثم خلق السموات والأرض» انتهى.
وكل مضافة في التقدير، والظاهر أنّ المحذوف هو ضمير الشمس
والقمر أي: كليهما يجري إلى أجل مسمى.
وقيل: يدبر حال من الضمير في وسخر، ونفصل حال من الضمير في
يدبر.
والمعنى: جبالاً رواسي، وفواعل الوصف لا يطرد إلا في الإناث،
إلا أنّ جمع التكسير من المذكر الذي لا يعقل يجري مجرى جمع
الإناث. وأيضاً فقد غلب على الجبال وصفها بالرواسي، وصارت
الصفة تعني عن الموصوف، فجمع جمع الإسم كحائط وحوائط وكاهل
وكواهل. وقيل: رواسي جمع راسية، والهاء للمبالغة، وهو وصف
الجبل.
وفي بعض المصاحف: قطعاً متجاورات بالنصب
على جعل. وقرأ الجمهور: وجنات بالرفع، وقرأ الحسن: بالنصب،
بإضمار فعل. وقيل: عطفاً على رواسي. وقال الزمخشري: بالعطف على
زوجين اثنين، أو بالجر على كل الثمرات انتهى. والأولى إضمار
فعل لبعد ما بين المتعاطفين في هذه التخاريج، والفصل بينهما
بجمل كثيرة. وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحفص: وزرع ونخيل صنوان
وغير صنوان بالرفع في الجميع على مراعاة قطع. وقال ابن عطية:
عطفاً على أعناب، وليست عبارة محررة أيضاً، لأن فيها ما ليس
بعطف وهو قوله: صنوان. وقرأ باقي السباعة: بخفض الأربعة على
مراعاة من أعناب.
والظاهر من تفسير أكثر المفسرين للصنوان أن يكون قوله: صنوان،
صفة لقوله: ونخيل. ومن فسره منهم بالمثل جعله وصفاً لجميع ما
تقدم أي: أشكال، وغيره إشكال.
واختلف القراء في الاستفهامين إذا اجتمعا
في أحد عشر موضعاً، هنا موضع، وكذا في المؤمنين، وفي العنكبوت،
وفي النمل، وفي السجدة، وفي الواقعة، وفي والنازعات، وفي بني
إسرائيل موضعان، وكذا في والمصافات. وقرأ نافع والكسائي بجعل
الأول استفهاماً، والثاني خيراً، إلا في العنكبوت والنمل يعكس
نافع. وجمع الكسائي بين الاستفهامين في العنكبوت، وأما في
النمل فعلى أصله إلا أنه زاد نوناً فقرأ: إننا لمخرجونوَهُوَ
الَّذِى مَدَّ الأٌّرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ
وَأَنْهَراً وَمِن كُلِّ الثَّمَرَتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ
اثْنَيْنِ يُغْشِى الَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِى ذلِكَ لآيَتٍ
لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَفِى الأٌّرْضِ قِطَعٌ
مُّتَجَوِرَتٌ وَجَنَّتٌ مِّنْ أَعْنَبٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ
صِنْوَنٌ وَغَيْرُ صِنْوَنٍ يُسْقَى بِمَآءٍ وَحِدٍ
وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِى الاٍّكُلِ إِنَّ فِى
ذلِكَ لآيَتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ
قَوْلُهُمْ أَءِذَا كُنَّا تُرَابًا أَءِنَّا لَفِى خَلْقٍ
جَدِيدٍ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ
وَأُوْلَئِكَ الأٌّغْلَلُ فِى أَعْنَقِهِمْ وَأُوْلَئِكَ
أَصْحَبُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَلِدونَ * وَيَسْتَعْجِلُونَكَ
بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِن
قَبْلِهِمُ الْمَثُلَتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ
لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ
الْعِقَابِ} وقرأ ابن عامر بجعل الأول خبراً، والثاني
استفهاماً، إلا في النمل والنازعات فعكس، وزاد في النمل نوناً
كالكسائي. وإلا في الواقعة فقرأهما باستفهامين، وهي قراءة باقي
السبعة في هذا الباب، إلا ابن كثير وحفصاً قرأ في العنكبوت
بالخبر في الأول وبالاستفهام في الثاني، وهم على أصولهم في
اجتماع الهمزتين من تخفيف وتحقيق وفصل بين الهمزتين وتركه.
وقولهم: فعجب، هو خبر
مقدم ولا بد فيه من تقدير صفة، لأنه لا
يتمكن المعنى بمطلق فلا بد من قيده وتقديره ـ والله أعلم ـ:
فعجب أي عجب، أو فعجب غريب. وإذا قدرناه موصوفاً جاز أن يعرب
مبتدأ لأنه نكرة فيها مسوغ الابتداء وهو الوصف، وقد وقعت موقع
الابتداء، ولا يضر كون الخبر معرفة ذلك. كما أجاز سيبويه ذلك
في كم مالك؟ لمسوغ الابتداء فيه وهو الاستفهام، وفي نحو: اقصد
رجلاً خير منه أبوه، لمسوغ الابتداء أيضاً، وهو كونه عاملاً
فيما بعده. وقال أبو البقاء: وقيل عجب بمعنى معجب، قال: فعلى
هذا يجوز أن يرتفع قولهم به انتهى. وهذا الذي أجازه لا يجوز،
لأنه لا يلزم من كون الشيء بمعنى الشيء أن يكون حكمه في العمل
كحكمه، فمعجب يعمل، وعجب لا يعمل، ألا ترى أن فعلاً كذبح،
وفعلاً كقبض، وفعلة كغرفة، هي بمعنى مفعول، ولا يعمل عمله، فلا
تقول: مررت برجل ذبح كبشه، ولا برجل قبض ماله، ولا برجل غرف
ماءه، بمعنى مذبوح كبشه ومقبوض ماله ومعروف ماؤه. وقد نصوا على
أن هذه تنوب في الدلالة لا في العمل عن المفعول. وقد حضر
النحويون ما يرفع الفاعل، والظاهر أن أئذا معمول لقولهم محكى
به. وقال الزمخشري: أئذا كنا إلى آخر قولهم يجوز أن يكون في
محل الرفع بدلاً من قولهم انتهى. هذا إعراب متكلف، وعدول عن
الظاهر. وإذا متمحضة للظرف وليس فيها معنى الشرط، فالعامل فيها
محذوف يفسره ما يدل عليه الجملة الثانية وتقريره: أنبعث، أو
أنحشر.
على ظلمهم في موضع الحال والمعنى: أنه يغفر لهم مع ظلمهم.
وهاد: يحتمل أن يكون قد عطف على منذر، وفصل بينهما بقوله لكل
قوم، وبه قال: عكرمة، وأبو الضحى.
والله يعلم: كلام مستأنف مبتدأ وخبر، ومن
فسر الهادي بالله جاز أن يكون الله خبر مبتدأ محذوف أي: هو
الله تعالى، ثم ابتدأ إخباراً عنه فقال: يعلم. ويعلم هنا
متعدية إلى واحد، لأنه لا يراد هنا النسبة، إنما المراد تعلق
بالمفردات. وما جوزوا أن تكون بمعنى الذي، والعائد عليها في
صلاتها محذوف، ويكون تغيض متعدياً. وأن تكون مصدرية، فيكون
تغيض وتزداد لا زمان. وسماع تعديتهما ولزومهما ثابت من كلام
العرب. وأن تكون استفهاماً مبتدأ، وتحمل خبره ويعلم متعلقه،
والجملة في موضع المفعول.
وأثبت ابن كثير وأبو عمر وفي رواية: ياء المتعال وقفاً ووصلاً،
وهو الكثير في لسان العرب، وحذفها الباقون وصلاً ووقفاً، لأنها
كذلك رسمت في الخط. واستشهد سيبويه بحذفها في الفواصل ومن
القوافي، وأجاز غيره حذفها مطلقاً. ووجه حذفها مع أنها تحذف مع
التنوين، وإن تعاقب التنوين، فحذفت مع المعاقب إجراء له مجرى
المعاقب.
وأعربوا سواء خبر مبتدأ أو من أسر، والمعطوف عليه مبتدأ. ويجوز
أن يكون سوا مبتدأ لأنه موصوف بقوله: منكم، ومن المعطوف الخبر.
وكذا أعرب سيبويه قول العرب: سواء عليه الخير والشر. وقول ابن
عطية: إن سيبويه ضعف ذلك بأنه ابتداء بنكرة، وهو لا يصح.
وظاهر التقسيم يقتضي تكرار من، لكنه حذف للعلم به، إذ تقدم
قوله: من أسرّ القول ومن جهر به، لكن ذلك لا يجوز على مذهب
البصريين، وأجازه الكوفيون. ويجوز أن يكون: وسارب، معطوفاً على
من، لا على مستخف، فيصح التقسيم. كأنه قيل: سواء شخص هو مستخف
بالليل، وشخص هو سارب بالنهار. ويجوز أن يكون معطوفاً على
مستخف. وأريد بمن اثنان، وحمل على المعنى في تقسيم خبر المبتدأ
الذي هو هو، وعلى لفظ من في إفراد هو. والمعنى: سواء اللذان
هما مستخف بالليل والسارب بالنهار، هو رجل واحد يستخفي بالليل
ويسرب بالنهار، وليرى نصرفه في الناس.
وقال الزمخشري: والأصل معتقبات، فأدغمت
التاء في القاف كقوله: وجاء المعذرونوَيَقُولُ الَّذِينَ
كَفَرُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ
إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ * اللَّهُ
يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ
الأٌّرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَىْءٍ عِندَهُ
بِمِقْدَارٍ * عَلِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَدَةِ الْكَبِيرُ
الْمُتَعَالِ * سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ
وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِالَّيْلِ
وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ * لَهُ مُعَقِّبَتٌ مِّن بَيْنِ
يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ
إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ
مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَآ أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا
فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ} يعني
المعتذرون. ويجوز معقبات بكسر العين، ولم يقرأ به انتهى. وهذا
وهم فاحش، لا تدغم التاء في القاف، ولا القاف في التاء، لا من
كلمة ولا من كلمتين. وقد نص التصريفيون على أنْ القاف والكاف
يدغم كل منهما في الآخر، ولا يدغمان في غيرهما، ولا يدغم
غيرهما فيهما. وأما تشبيهه بقوله: وجاء المعذرون، فلا يتعين أن
يكون أصله المعتذرون، وقد تقدم في براءة توجيهه، وأنه لا يتعين
ذلك فيه. وأما قوله: ويجوز معقبات بكسر العين، فهذا لا يجوز
لأنه بناه على أن أصله معتقبات، فأدغمت التاء في القاف. وقد
ذكرنا أن ذلك وهم فاحش.
على أنه مراد به: لا يحفظونه، فحذف لا.
وعلى هذا التأويل في من تكون متعلقة ـ كما ذكرنا ـ بيحفظونه،
وهي في موضع نصب. وقال الفراء وجماعة: في الكلام تقديم وتأخير
أي: له معقبات من أمر الله يحفظونه من بين يديه ومن خلفه. وروي
هذا عن مجاهد، والنخعي، وابن جريج، فيكون من أمر الله في موضع
رفع لأنه صفة لمرفوع، ويتعلق إذ ذاك بمحذوف أي: كائنة من أمر
الله تعالى، ولا يحتاج في هذا المعنى إلى تقدير تقديم وتأخير،
بل وصفت المعقبات بثلاث صفات في الظاهر: أحدها: من بين يديه
ومن خلفه أي: كائنة من بين يديه. والثانية: يحفظونه أي: حافظات
له. والثالثة: كونها من أمر الله، وإن جعلنا من بين يديه ومن
خلفه يتعلق بقوله: يحفظونه، فيكون إذ ذاك معقبات وصفت بصفتين:
إحداهما: يحفظونه من بين يديه ومن خلفه. والثانية: قوله: من
أمر الله أي: كائنة من أمر الله. غاية ما في ذلك أنه بدىء
بالوصف بالجملة قبل الوصف بالجار والمجرور، وذلك شائع فصيح،
وكان الوصف بالجملة الدالة على الديمومة، في الحفظ آكد، فلذلك
قدم الوصف بها.
وما موصولة صلتها بقوم، وكذا ما بأنفسهم. وفي ما إبهام لا
يتغير المراد منها: إلا بسياق الكلام، واعتقاد محذوف يتبين به
المعنى، والتقدير: لا يغير ما بقوم من نعمة وخير إلى ضد ذلك
حتى يغيروا ما بأنفسهم من طاعته إلى توالي معصيته.
قال الحوفي: خوفاً وطمعاً مصدران في موضع الحال من ضمير
الخطاب، وجوزه الزمخشري أي: خائفين وطامعين.
وأجاز الزمخشري أن يكونا منصوبين على الحال
من البرق، كأنه في نفسه خوف وطمع، أو على ذا خوف وطمع. وقال
أبو البقاء: خوفاً وطمعاً مفعول من أجله. وقال الزمخشري: لا
يصح أن يكون مفعولاً لهما، لأنهما ليسا بفعل الفاعل الفعل
المعلل إلا على تقدير حذف المضاف أي: إرادة خوف وطمع، أو على
معنى إخافة وإطماعاً انتهى. وإنما لم يكونا على ظاهرهما بفعل
الفاعل الفعل المعلل لأن الإرادة فعل الله، والخوف والطمع فعل
للمخاطبين، فلم يتحد الفاعل في الفعل في المصدر. وهذا الذي
ذكره الزمخشري من شرط اتحاد الفاعل فيهما ليس مجمعاً عليه، بل
من النحويين من لا يشترط ذلك، وهو مذهب ابن خروف.
ومن مفعول فيصيب، وهو من باب الإعمال، أعمل فيه الثاني إذ يرسل
يطلب من وفيصيب يطلبه، ولو أعمل الأول لكان التركيب: ويرسل
الصواعق فيصيب بها على من يشاء، لكن جاء على الكثير في لسان
العرب المختار عند البصريين وهو إعمال الثاني. ومفعول يشاء
محذوف تقديره: من يشاء إصابته.
وقيل: وهم يجادلون حال من مفعول يشاء أي: فيصيب بها من يشاء في
حال جدالهم كما جرى لليهودي. وكذلك الجبار، ولا ربد. وهو شديد
المحال، جملة حالية من الجلالة.
الذي يظهر أن هذه الإضافة من باب إضافة الموصوف إلى الصفة
كقوله: ولدار الآخرة على أحد الوجهين، والتقدير: لله الدعوة
الحق بخلاف غيره فإنّ دعوتهم باطلة.
فالضمير في يدعون عائد على الكفار، والعائد على الذين محذوف
أي: يدعونهم. ويؤيده قراءة من قرأ بالتاء في تدعون، وهي قراءة
اليزيدي عن أبي عمر. وقيل: الذين أي: الكفار الذين يدعون،
ومفعول يدعون محذوف أي: يدعون الأصنام. والعائد على الذين
الواو في يدعون، والواو في لا يستجيبون عائد في هذا القول على
مفعول يدعون المحذوف، وعلى القول الأول على الذين.
الكاف في موضع نصب أي: مثل استجابة،
واستجابة مضافة في التقدير إلى باسط، وهي إضافة المصدر إلى
المفعول. وفاعل المصدر محذوف تقديره: كإجابة الماء من يبسط
كفيه إليه، فلما حذف أظهر في قوله: إلى الماء، ولو كان ملفوظاً
به لعاد الضمير إليه، فكان يكون التركيب كفيه إليه. هذا الذي
يقدر من كلام الزمخشري في هذا التشبيه، وتبعه أبو البقاء.
وفاعل ليبلغ ضمير الماء، وليبلغ متعلق بباسط.
وقرأ الأخوان وأبو بكر: أم هل يستوي بالياء، والجمهور بالتاء،
أم في قوله: أم، هل منقطعة تتقدر ببل؟ والهمزة على المختار،
والتقدير: بل أهل تستوي؟ وهل وإن نابت عن همزة الاستفهام في
كثير من المواضع فقد جامعتها في قول الشاعر:
أهل رأونا بوادي القفر ذي الاكم
وإذا جامعتها مع التصريح بها فلأنّ تجامعها مع أم المتضمنة لها
أولى، وهل بعد أم المنقطعة يجوز أن يؤتى بها لشبهها بالأدوات
الإسمية التي للاستفهام في عدم الأصالة فيه كقوله: أم مّن يملك
السمع والأبصار ويجوز أن لا يؤتى بها بعد أم المنقطعة، لأن أم
تتضمنها، فلم يكونوا ليجمعوا بين أم والهمزة لذلك. وقال الشاعر
في عدم الإتيان بهل بعد أم والإتيان بها:
هل ما علمت وما استودعت مكتوم
أم حبلها إذ نأتك اليوم مصروم
أم هل كبير بكى لم يقض عبرته
إثر الأحبة يوم البين مشكوم عرف السيل لأنه عنى به ما فهم من
الفعل، والذي يتضمنه الفعل من المصدر هو نكرة، فإذا عاد عليه
الظاهر كان معرفة، كما كان لو صرح به نكرة، ولذلك تضمن إذا عاد
ما دل عليه الفعل من المصدر نحو: من كذب كان شراً له أي: كان
الكذب شراً له، ولو جاء هنا مضمراً لكان جائزاً عائداً على
المصدر المفهوم من فسالت.
في النار متعلق بمحذوف تقديره: كائناً، أو
ثابتاً. ومنعوا تعليقه بقوله: توقدون، لأنهم زعموا أنه لا يوقد
على شيء إلا وهو في النار، وتعليق حرف الجر بتوقدون يتضمن
تخصيص حال من حال أخرى انتهى. ولو قلنا: إنه لا يوقد على شيء
إلا وهو في النار، لجاز أن يكون متعلقاً بتوقدون، ويجوز ذلك
على سبيل التوكيد كما قالوا في قوله: يطير بجناحيه، وانتصب
ابتغاء على أنه مفعول من أجله، وشروط المفعول من أجله موجودة
فيه. وقال الحوفي: هو مصدر في موضع الحال أي: مبتغين حلية.
ومِن الظاهر أنها للتبعيض، لأن ذلك الزبد هو بعض ما يوقد عليه
من تلك المعادن. وأجاز الزمخشري أن تكون مِن لابتداء الغاية
أي: ومنه ينشأ زبد مثل زبد الماء.
فالحسنى مبتدأ، وخبره في قوله: للذين. والذين لم يستجيبوا
مبتدأ، خبره ما بعده. وغاير بين جملتي الابتداء لما يدل عليه
تقديم الجار والمجرور في الاعتناء والاهتمام، وعلى رأي
الزمخشري من الاختصاص أي: لهؤلاء الحسنى لا لغيرهم. ولأن قراءة
شيوخنا يقفون على قوله الأمثال، ويبتدئون للذين. وعلى هذا
المفهوم أعرب الحوفي السني مبتدأ، وللذين خبره، وفسر ابن عطية
وفهم السلف.
والفاء للعطف، وقدمت همزة الاستفهام لأنه
صدر الكلام والتقدير: فأمن يعلم، ويبعدها أن يكون فعل محذوف
بين الهمزة والفاء عاطفة ما بعدها على ذلك الفعل، كما قدره
الزمخشري في قوله: أفلم يسيرواهُوَ الَّذِى يُرِيكُمُ
الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِىءُ السَّحَابَ
الثِّقَالَ * وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ
وَالْمَلْئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَعِقَ
فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ وَهُمْ يُجَدِلُونَ فِى اللَّهِ
وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ * لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ
وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم
بِشَىْءٍ إِلاَّ كَبَسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَآءِ لِيَبْلُغَ
فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَآءُ الْكَفِرِينَ
إِلاَّ فِى ضَلَلٍ * وَللَّهِ يَسْجُدُ مَن فِى السَّمَوَتِ
وَالأٌّرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَلُهُم بِالْغُدُوِّ
وَالأٌّصَالِ * قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَوَتِ وَالأٌّرْضِ قُلِ
اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ لاَ
يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا قُلْ هَلْ
يَسْتَوِى الأٌّعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِى
الظُّلُمَتُ وَالنُّورُ
أَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ خَلَقُواْ
كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ
خَلِقُ كُلِّ شَىْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّرُ * أَنَزَلَ
مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا
فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ
عَلَيْهِ فِى النَّارِ ابْتِغَآءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَعٍ زَبَدٌ
مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَطِلَ
فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ
النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى الأٌّرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ
الأٌّمْثَالَ * لِلَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ
الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ لَوْ أَنَّ
لَهُمْ مَّا فِى الأٌّرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ
لاَفْتَدَوْاْ بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَبِ
وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ * أَفَمَن
يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ
كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ
الأَلْبَبِ * الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلاَ
يِنقُضُونَ الْمِيثَقَ * وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَآ أَمَرَ
اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ
سُوءَ الحِسَابِ * وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاءَ وَجْهِ
رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلَوةَ وَأَنْفَقُواْ مِمَّا
رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَءُونَ
بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى
الدَّارِ * جَنَّتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ
مِنْءَابَائِهِمْ وَأَزْوَجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ
وَالمَلَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ *
سَلَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ
* وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَقِهِ
وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ
أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِى الأٌّرْضِ
أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ *
اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَآءُ وَيَقَدِرُ
وَفَرِحُواْ بِالْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَوةُ
الدُّنْيَا فِى الأٌّخِرَةِ إِلاَّ مَتَعٌ * وَيَقُولُ
الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِءَايَةٌ مِّن
رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِى
إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ * الَّذِينَءَامَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ
قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ
تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ
الصَّلِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَئَابٍ * كَذَلِكَ
أَرْسَلْنَاكَ فِى أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَآ أُمَمٌ
لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِى أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَهُمْ
يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّى لا إِلَهَ إِلاَّ
هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ * وَلَوْ أَنَّ
قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ
الأٌّرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَل للَّهِ الأٌّمْرُ
جَمِيعًا أَفَلَمْ يَاْيْئَسِ الَّذِينَءَامَنُواْ أَن لَّوْ
يَشَآءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلاَ يَزَالُ
الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ
أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِىَ وَعْدُ
اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ * وَلَقَدِ
اسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ
كَفَرُواْ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ *
أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ
وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ
تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِى الأٌّرْضِ أَم بِظَهِرٍ
مِّنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ
وَصُدُّواْ عَنِ
السَّبِيلِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا
لَهُ مِنْ هَادٍ * لَّهُمْ عَذَابٌ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا
وَلَعَذَابُ الأٌّخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ
مِن وَاقٍ * مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِى وُعِدَ الْمُتَّقُونَ
تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأَنْهَرُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ
وِظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّعُقْبَى
الْكَفِرِينَ النَّارُ * وَالَّذِينَ آتَيْنَهُمُ الْكِتَبَ
يَفْرَحُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الأٌّحْزَابِ مَن
يُنكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ
اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ
* وَكَذلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ
اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ
مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِىٍّ وَلاَ وَاقٍ * وَلَقَدْ
أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ
أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِىَ
بِئَايَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ *
يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ
الْكِتَبِ * وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِى نَعِدُهُمْ
أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَغُ
وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ * أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِى
الأٌّرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ
لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * وَقَدْ
مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا
يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّرُ
لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ * وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ
لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي
وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَبِ} وقوله: {أفلا
يعقلون} وجوزوا في الذين أنْ يكون بدلاً من أو لو، أو صفة له،
وصفة
لمن من قوله: أفمن يعلم وإنما يتذكر
اعتراض، ومبتدأ خبره أولئك لهم عقبى الدار كقوله: {والذين
ينقضون عهد الله} ثم قال: {أولئك لهم اللعنة} .
والظاهر أن قوله: ولا ينقضون الميثاق، جملة توكيد به لقوله:
يوفون بعهد الله، لأن العهد هو الميثاق.
وأمر يتعدى إلى اثنين بحرف جر وهو به، والأول محذوف تقديره: ما
أمرهم الله به. وأن يوصل في موضع جر بدل من الضمير أي: بوصله.
وصبروا مطلق فيما يصبر عليه من المصائب في النفوس والأموال،
وميثاق التكليف. وجاءت الصلة هنا بلفظ الماضي، وفي الموصلين
قبل بلفظ المضارع في قوله: الذين يوفون، والذين يصلون، وما عطف
عليهما على سبيل التفنن في الفصاحة، لأنّ المبتدأ هنا في معنى
اسم الشرط بالماضي كالمضارع في اسم الشرط، فكذلك فيما أشبهه،
ولذلك قال النحويون: إذا وقع الماضي صلة أو صفة لنكرة عامة
احتمل أن يراد به المضي، وأن يراد به الاستقبال. فمن المراد به
المضي في الصلاة {الذين قال لهم الناس} ومن المراد به
الاستقبال {إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم} . ويظهر
أيضاً أن اختصاص هذه الصلة بالماضي وتينك بالمضارع، أن تينك
الصلتين قصد بهما الاستصحاب والالتباس دائماً، وهذه الصلة قصد
بها تقدمها على تينك الصلتين، وما عطف عليهما، لأنّ حصول تلك
الصلاة إنما هي مترتبة على حصول الصبر وتقدمه عليها، ولذلك لم
تأت صلة في القرآن إلا بصيغة الماضي، إذ هو شرط في حصول
التكاليف وإيقاعها والله أعلم. وانتصب ابتغا قيل: على أنه مصدر
في موضع الحال، والأولى أن يكون مفعولاً لأجله أي: إنّ صبرهم
هو لابتغاء وجه الله خالصاً.
وجنات عدن بدل من عقبى الدار، ويحتمل أن يراد عقبى دار الآخرة
لدار الدنيا في العقبى الحسنة في الدار الآخرة هي لهم، ويحتمل
أن كون جنات خبر ابتداء محذوف.
والظاهر أنّ ومن معطوف على الضمير في
يدخلونها وقد فصل بينهما بالمفعول. وقيل: يجوز أن يكون مفعولاً
معه أي: يدخلونها مع من صلح.
وارتفع سلام على الابتداء، وعليكم الخبر، والجملة محكية بقول
محذوف أي: يقولون سلام عليكم. والظاهر أن قوله تعالى: سلام
عليكم تحية الملائكة لهم، ويكون قوله تعالى: بما صبرتم، خبر
مبتدأ محذوف أي: هذا الثواب بسبب صبركم في الدنيا على المشاق،
أو تكون الباء بمعنى بدل أي: بدل صبركم.
وجوزوا في الذين أن يكون بدلاً من الذين، وبدلاً من القلوب على
حذف مضاف أي: قلوب الذين، وأن يكون خبر مبتدأ محذوف أي: هم
الذين، وأن يكون مبتدأ خبره ما بعده.
وطوبى: فعل من الطيب، قلبت ياؤه واواً لضمة
ما قبلها كما قلبت في موسر، وطوبى: مبتدأ، وخبره لهم. فإن كانت
علماً لشجرة في الجنة فلا كلام في جواز الابتداء، وإن كانت
نكرة فمسوع الابتداء بها ما ذهب إليه سيبويه من أنه ذهب بها
مذهب الدعاء كقولهم: سلام عليك، إلا أنه التزم فيه الرفع على
الابتداء، فلا تدخل عليه نواسخه هكذا قال: ابن مالك. ويرده أنه
قرىء: وحسن مآب بالنصب، قرأه كذلك عيسى الثقفي، وخرج ذلك ثعلب
على أنه معطوف على طوفى، وأنها في موضع نصب، وحسن مآب معطوف
عليها. قال ثعلب: وطوبى على هذا مصدر كما قالوا: سقيا. وخرجه
صاحب اللوامح على النداء قال: بتقدير يا طوبى لهم، ويا حسن
مآب. فحسن معطوف على المنادى المضاف في هذه القراءة، فهذا نداء
للتحنين والتشويق كما قال: يا أسفي على الفوت والندبة انتهى.
ويعني بقوله: معطوف على المنادى المضاف، أنّ طوبى مضاف للمضير،
واللام مقحمة كما أقحمت في قوله: يا بؤس للجهل ضراراً لأقام،
وقول الآخر: يا بؤس للحرب التي، ولذلك سقط التنوين من بؤس
وكأنه قيل: يا طوباهم وحسن مآب أي: ما أطيبهم وأحسن مآبهم، كما
تقول: يا طيبها ليلة أي: ما أطيبها ليلة. وقرأ بكرة الأعرابي
طيبي بكسر الطاء، لتسلم الياء من القلب، وإن كان وزنها فعلي،
كما كسروا في بيض لتسلم الياء، وإن كان وزنها فعلاً كحمر. وقال
الزمخشري: أصبت خيراً وطيباً، ومحلها النصب أو الرفع كقولك:
طيباً لك، وطيب لك، وسلاماً لك، وسلام لك، والقراءة في قوله:
وحسن مآب بالرفع والنصب بذلك على محلها، واللام في لهم للبيان
مثلها في سقيا لك. وقرىء: وحسن مآب بفتح النون، ورفع مآب. فحسن
فعل ماض أصله وحسن نقلت ضمة سينه إلى الحاء، وهذا جائز في فعل
إذا كان للمدح أو الذم كما قالوا: حسن ذا أدباً.
وقال الحوفي: الكاف للتشبيه في موضع نصب
أي: كفعلنا الهداية والإضلال، والإشارة بذلك إلى ما وصف به
نفسه من أنه يفعل من يشاء ويهدي من يشاء. وقال أبو البقاء:
كذلك التقدير الأمر كذلك.
وهم يكفرون أي: وحال هؤلاء أنهم يكفرون بالرحمن جملة حالية.
لو كان قرآناً تسير به الجبال عن مقارها، أو تقطع به الأرض حتى
تتزايل قطعاً قطعاً، أو تكلم به الموتى فتسمع وتجيب، لكان هذا
القرآن لكونه غاية في التذكير، ونهاية في الإنذار والتخويف.
كما قال: لو أنزلنا هذا القرآن على جبلوَيَقُولُ الَّذِينَ
كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِءَايَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ
إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِى إِلَيْهِ مَنْ
أَنَابَ * الَّذِينَءَامَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ
بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ
الْقُلُوبُ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّلِحَاتِ
طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَئَابٍ * كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِى
أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَآ أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ
عَلَيْهِمُ الَّذِى أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ
بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّى لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ
عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ * وَلَوْ أَنَّ
قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ
الأٌّرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَل للَّهِ الأٌّمْرُ
جَمِيعًا أَفَلَمْ يَاْيْئَسِ الَّذِينَءَامَنُواْ أَن لَّوْ
يَشَآءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلاَ يَزَالُ
الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ
أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِىَ وَعْدُ
اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ * وَلَقَدِ
اسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ
كَفَرُواْ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} الآية
فجواب لو
محذوف وهو ما قدرناه، وحذف جواب لو لدلالة
المعنى عليه جائز نحو قوله تعالى: {ولو يرى الذين ظلموا إذ
يرون العذاب ولو ترى إذ وقفوا على النار وقال الشاعر:
وجدك لو شيء أتانا رسوله
سواك ولكن لم نجد عنك مدفعا وقيل: تقديره لما آمنوا به كقوله
تعالى: ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا
عليهم كل شيء قبلاً ما كانوا ليؤمنوا} قال الزجاج. وقال
الفراء: هو متعلق بما قبله، والمعنى: وهم يكفرون بالرحمن. ولو
أن قرآناً سيرت به الجبال وما بينهما اعتراض، وعلى قول الفراء:
يترتب جواب لو أن يكون لما آمنوا، لأنّ قولهم وهم يكفرون
بالرحمن ليس جواباً، وإنما هو دليل على الجواب. وقيل: معنى
قطعت به الأرض شققت فجعلت أنهاراً وعيوناً. ويترتب على أن يكون
الجواب المحذوف لما آمنوا قوله: بل لله الأمر جميعاً أي:
الإيمان والكفر، إنما يخلقهما الله تعالى ويريدهما. وأما على
تقدير لكان هذا القرآن، فيحتاج إلى ضميمة وهو أن يقدر: لكان
هذا القرآن الذي أوحينا إليك المطلوب فيه إيمانهم وما تضمنه من
التكاليف.
وأنْ لو يشاء جواب قسم محذوف أي: وأقسموا لو شاء الله لهدى
الناس جميعاً، ويدل على إضمار هذا القسم وجود أنْ مع لو كقول
الشاعر:
أما والله أن لو كنت حراً
وما بالحر أنت ولا القمين وقول الآخر:
فاقسم أن لو التقينا وأنتم
لكان لنا يوم من الشر مظلم وقد ذكر سيبويه أنّ أن تأتي بعد
القسم، وجعلها ابن عصفور رابطة للقسم المقسم بالجملة عليها،
وأما على تأويل الجمهور فإن عندهم هي المخففة من الثقيلة أي:
أنه لو يشاء الله.
من موصولة صلتها ما بعدها، وهي مبتدأ
والخبر محذوف تقديره: كمن ييئس، كذلك من شركائهم التي لا تضر
ولا تنفع، كما حذف من قوله: أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو
على نور من ربهأَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا
كَسَبَتْ وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ
تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِى الأٌّرْضِ أَم بِظَهِرٍ
مِّنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ
وَصُدُّواْ عَنِ السَّبِيلِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ
مِنْ هَادٍ * لَّهُمْ عَذَابٌ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا
وَلَعَذَابُ الأٌّخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ
مِن وَاقٍ} تقديره: كالقاسي قلبه الذي هو في ظلمة. ودل عليه
قوله تعالى: وجعلوا لله شركاء، كما دل على القاسي {فويل
للقاسية قلوبهم} ويحسن حذف هذا الخبر كون المبتدأ يكون مقابله
الخبر المحذوف، وقد جاء مثبتاً كثيراً كقوله تعالى: {أفمن يخلق
كمن لا يخلق} {أفمن يعلم} ثم قال: {كمن هو أعمى} . والظاهر أنّ
قوله تعالى: وجعلوا لله شركاء، استئناف إخبار عن سوء صنيعهم.
وقال الزمخشري: ويجوز أن يقدر ما يقع خبراً للمبتدأ، ويعطف
عليه وجعلوا لله أي: وجعلوا، وتمثيله: أفمن هو بهذه الصفة لم
يوحدوه، وجعلوا له شركاء، وهو الله الذي يستحق العبادة وحده
انتهى. وف يهذا التوجيه إقامة الظاهر مقام المضمر في قوله:
وجعلوا لله أي: وجعلوا له، وفيه حذف الخبر عن المقابل، وأكثر
ما جاء هذا الخبر مقابلاً. وفي تفسير أبي عبد الله الرازي قال:
الشديد صاحب العقد، الواو في قوله تعالى: وجعلوا واو الحال،
والتقدير: أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت موجود، والحال
أنهم جعلوا له شركاء، ثم أقيم الظاهر وهو لله مقام المضمر
تقديراً لألوهيته وتصريحاً بها، كما تقول: معطي الناس ومغنيهم
موجود، ويحرم مثلي انتهى.
وأبعد من ذهب إلى أنّ قوله: أفمن هو قائم
المراد به الملائكة الموكلون ببني آدم، حكاه القرطبي عن
الضحاك. والخبر أيضاً محذوف تقديره: كغيره من المخلوقين. وأبعد
أيضاً من ذهب إلى أن قوله: وجعلوا معطوفاً على استهزىء، أي:
استهزؤوا وجعلوا، أم في قوله: أم تنبؤونه منقطعة.
جعل الفاعل في قوله: بما لا يعلم، عائداً على الله. والعائد
على بما محذوف أي: بما لا يعلمه الله. وكنا قد خرجنا تلك الآية
على الفاعل في قوله: بما لا يعلم، عائد على ما، وقررنا ذلك
هناك، وهو يتقرر هنا أيضاً.
الظاهر في أم في قوله: أم، بظاهر أنها منقطعة أيضاً أي: بل
أتسمونهم شركاء بظاهر من القول من غير أن يكون لذلك حقيقة.
وقيل: أم متصلة والتقدير: أم تنبئونه بظاهر من القول لا حقيقة
له.
وارتفع مثل على الابتداء في مذهب سيبويه، والخبر محذوف أي:
فيما قصصنا عليكم مثل الجنة، وتجري من تحتها الأنهار تفسير
لذلك المثل.
فقال غيرهما: الخبر تجري، كما تقول: صفة زيد اسمر، وهذا أيضاً
لا يصح أن يكون تجري خبراً عن الصفة، وإنما يتأول تجري على
إسقاط أن ورفع الفعل، والتقدير: أنْ تجري خبر ثان الأنهار.
وقرأ أبو جليد عن نافع: ولا أشرك بالرفع على القطع أي: وأنا لا
أشرك به. وجوز أن يكون حالاً أي: أنْ أعبد الله غير مشرك به.
انتصب حكماً على الحال من ضمير النصب في أنزلناه، والضمير عائد
على القرآن.
وقال الحوفي وغيره: فإنما عليك البلاغ جواب الشرط، والذي تقدم
شرطان، لأنّ المعطوف على الشرط شرط. فأما كونه جواباً للشرط
الأول فليس بظاهر، لأنه لا يترتب عليه، إذ يصير المعنى: وإما
نرينك بعض ما نعدهم من العذاب فإنما عليك البلاغ. وأما كونه
جواباً للشرط الثاني هو أو نتوفينك فكذلك، لأنه يصير التقدير:
إن ما نتوفينك فإنما عليك البلاغ.
والجملة من قوله إلا معقب لحكمة في موضع الحال أي: نافذ حكمة
وهو سريع الحسبا تقدم الكلام على مثل هذه الجملة.
وعن الحسن: لا والله ما يعني إلا الله،
والمعنى: كفى بالذي يستحق العبادة، وبالذي لا يعلم ما في اللوح
إلا هو شهيداً بيني وبينكم. قال ابن عطية: ويعترض هذا القول
بأن فيه عطف الصفة على الموصوف، وذلك لا يجوز، وإنما تعطف
الصفات بعضها على بعض انتهى. وليس ذلك كما زعم من عطف الصفة
على الموصوف، لأنّ من لا يوصف بها ولا لشيء من الموصولات إلا
بالذي والتي وفروعهما، وذو وذوات الطائيتين. وقوله: وإنما تعطف
الصفات بعضها على بعض ليس على إطلاقه، بل له شرط وهو أن تختلف
مدلولاتها. ويعني ابن عطية: لا تقوم مررت بزيد. والعالم فتعطف،
والعالم على الاسم وهو علم لم يلحظ منه معنى صفة، وكذلك الله
علم. ولما شعر بهذا الاعتراض من جعله معطوفاً على الله قدر
قوله: بالذي يستحق العبادة، حتى يكون من عطف الصفات بعضها على
بعض، لا من عطف الصفة على الاسم. ومن في قراءة الجمهور في موضع
خفض عطفاً على لفظ الله، أو في موضع رفع عطفاً على موضع الله،
إذ هو في مذهب من جعل الباء زائدة فاعل بكفى. وقال ابن عطية:
ويحتمل أن يكون في موضع رفع بالابتداء والخبر محذوف تقديره:
أعدل وأمضى قولاً ونحو هذا مما يدل عليه لفظة شهيداً ويراد
بذلك الله تعالى. وقرىء: وبمن بدخول الباء على من عطفاً على
بالله. وقرأ علي وأبي وابن عباس وعكرمة وابن جبير وعبد الرحمن
بن أبي بكرة والضحاك وسالم بن عبد الله بن عمرو بن أبي إسحاق،
ومجاهد، والحكم، والأعمش: ومن عنده علم الكتاب بجعل من حرف جر،
وجر ما بعده به، وارتفاع علم بالابتداء، والجار والمجرور في
موضع الجر. وقرأ علي أيضاً وابن السميقع، والحسن بخلاف عنه.
ومن عنده بجعل من حرف جر علم الكتاب، بجعل علم فعلاً مبنياً
للمفعول، والكتاب رفع به. وقرىء ومن عنده بحرف جر علم الكتاب
مشدداً مبنياً للمفعول، والضمير في عنده في هذه القراءات
الثلاث عائد على الله تعالى. وقال الزمخشري في القراءة التي
وقع
فيها عنده صلة يرتفع العلم بالمقدر في
الظرف فيكون فاعلاً، لأن الظرف إذا وقع صلة أو غل في شبه الفعل
لاعتماده على الموصول، فعمل على الفعل كقولك، مررت بالذي في
الدار أخوه، فأخوه فاعل، كما تقول: بالذي استقر في الدار أخوه
انتهى. وهذا الذي قاله الزمخشري ليس على وجه التحتم، لأنّ
الظرف والجار والمجرور إذا وقعا صلتين أو حالين أو خبرين، إما
في الأصل، وإما في الناسخ، أو تقدمهما أداة نفي، أو استفهام،
جاز فيما بعدهما من الاسم الظاهر أن يرتفع على الفاعل وهو
الأجود، وجاز أن يكون ذلك المرفوع مبتدأ، والظرف أو الجار
والمجرور في موضع رفع خبره، والجملة من المبتدأ والخبر صلة أو
صفة أو حال أو خبر، وهذا مبني على اسم الفاعل. فكما جاز ذلك في
اسم الفاعل، وإن كان الأحسن إعماله في الاسم الظاهر، فكذلك
يجوز في ما ناب عنه من ظرف أو مجرور. وقد نص سيبويه على وقد
نصّ سيبويه على إجازة ذلك في نحو امررت برجل حسن وجهه فأجاز
حسن وجهه على رفع حسن على أنه خبر مقدم، وهكذا تلقفنا هذه
المسألة من الشيوخ. وقد يتوهم بعض النشأة في النحو أن اسم
الفاعل إذا اعتمد على شيء مما ذكرناه بتمتم إعماله في الظاهر
وليس كذلك.
وقد أعرب الحوفي عنده علم الكتاب
مبتدأً وخبراً في صلة مَن. وقال أبو البقاء: ويجوز أن يكون
خبراً يعني {عنده} والمبتدأ علم الكتاب. انتهى. |