بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
مُقَدّمَة الْمُؤلف
الْحَمد لله الَّذِي ذلل صعاب عُلُوم الِاجْتِهَاد لعلماء
الْأمة وحفظها بأساطين الْحفاظ وجهابذة الْأَئِمَّة
فتتبعوها من الأفواه والصدور وخلدوها للمتأخرين من الْأمة
فِي الأوراق والسطور واستنبطوا من الْقَوَاعِد مَا لَا
يَزُول بمرور الدهور واطلعوا من انوار علم الْكتاب
وَالسّنة على أنوار البصائر نورا على نور وَأشْهد أَن لَا
إِلَه إِلَّا الله المتكفل بِحِفْظ عُلُوم الدّين وَأشْهد
أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الَّذِي يحمل علمه من كل
خلف عدوله ينفون عَنهُ تَحْرِيف الغالين وانتحال المبطلين
صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله قرناء الْقُرْآن صَلَاة
وَسلَامًا يدومان مَا دارت الأفلاك وَاخْتلف الملوان وَبعد
فَإِن السَّيِّد قَاسم بن مُحَمَّد الكبسي رَحمَه الله
سَأَلَ عَن الْمسَائِل العلمية والأبحاث العملية نزلت
علينا نزُول الْغَيْث على الرياض بل الْعَافِيَة على
الْأَجْسَام المراض
سُؤال وخلاصة مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ أَنه هَل يكون
الْعَمَل من
(1/73)
الْمُتَأَخِّرين بتصحيح الْأَئِمَّة من أهل
الحَدِيث للْحَدِيث أَو تُحسنهُ أَو تَضْعِيفه تقليدا
لأولئك الْحفاظ من الْأَئِمَّة والأعيان من الْأمة فِيمَا
وصفوا بِهِ الحَدِيث من تِلْكَ الصِّفَات وَيكون الْقَائِل
لذَلِك وَالْعَامِل بِهِ مُقَلدًا أَو يكون فِيمَا قبله من
كَلَامهم فِي ذَلِك وَعمل بِهِ مُجْتَهدا فَإِنَّهُ قَالَ
السَّيِّد الإِمَام مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم فِي الرَّوْض
الباسم إِن قَول الثِّقَة الْعَارِف الَّذِي لَيْسَ لَهُ
قَاعِدَة فِي التَّصْحِيح مَعْلُومَة الْفساد إِن الحَدِيث
صَحِيح يجب قبُول قَوْله بالأدلة الْعَقْلِيَّة والسمعية
الدَّالَّة على قبُول خبر الْوَاحِد وَلَيْسَ ذَلِك بتقليد
بل هُوَ عمل بِمَا أوجبه الله تَعَالَى من قبُول خبر
الثِّقَات هَذَا كَلَامه وَلكنه خَالف كَلَام القَاضِي
الْعَلامَة الْحُسَيْن بن مُحَمَّد المغربي فِي شرح بُلُوغ
المرام فَإِنَّهُ قَالَ
(1/74)
من لم يكن أَهلا للنقد والتصحيح فَلهُ أَن
يُقَلّد فِي ذَلِك من صحّح أَو حسن مِمَّن هُوَ أَهله
فَإِن لم يكن أحد من الْأَئِمَّة تكلم بذلك على الحَدِيث
وَلَيْسَ هُوَ بِأَهْل للنقد لم يجز لَهُ الِاحْتِجَاج
بِالْحَدِيثِ إِذْ لَا يَأْمَن من أَن يحْتَج بِمَا لَا
يحل الِاحْتِجَاج بِهِ قَالَ وَلِهَذَا أحَال جمَاعَة من
الْمُتَأَخِّرين الِاجْتِهَاد الْمُطلق لتعسر التَّصْحِيح
والتقليد فِي التَّصْحِيح يُخرجهُ عَن الْقَصْد وَهُوَ
الإجتهاد قَالَ وَلم يَتَيَسَّر فِي الْأَعْصَار
الْمُتَأَخِّرَة إِلَّا تَرْجِيح لبَعض الْمذَاهب على بعض
بِالنّظرِ إِلَى قُوَّة الدّلَالَة أَو إِلَى كَثْرَة من
صحّح أَو جلالته وَالْوَاجِب الرُّجُوع إِلَى الظَّن القوى
بِحَسب الْإِمْكَان رَأَيْت السَّائِل دَامَت إفادته جنح
إِلَى تَرْجِيح كَلَام القَاضِي قَائِلا إِنَّه قد يفرق
بَين التَّصْحِيح والتضعيف وَبَين الرِّوَايَة فَإِن
تَصْحِيح الحَدِيث وتضعيفه مَسْأَلَة اجتهادية ونظرية قد
يخْتَلف الإمامان العظيمان فِي الحَدِيث الْوَاحِد فأحدهما
يذهب إِلَى صِحَّته أَو حسنه وَالْآخر إِلَى ضعفه أَو
وَضعه بِاعْتِبَار مَا حصل لَهما من الْبَحْث وَالنَّظَر
وَلَيْسَ حَال الرِّوَايَة كَذَلِك فَإِن مدارها على
الضَّبْط وَالْعَدَالَة ومدار التَّصْحِيح والتحسين
وَنَحْوهمَا على قُوَّة الْيَد فِي
(1/75)
معرفَة الرِّجَال والعلل الْمُتَعَلّقَة
بِالْأَسَانِيدِ والمتون وَمَعْرِفَة الشواهد والمتابعات
وَالْقَاضِي قد جزم بِأَن قَول الْحَافِظ فِي التَّصْحِيح
تَقْلِيد وَإِذا نظرتم إِلَى تصرف الْعَلامَة الْحسن بن
أَحْمد الْجلَال فِي ضوء النَّهَار لم يجد الْإِنْسَان فِي
يَده غير مَا أَشَارَ إِلَيْهِ القَاضِي من التَّرْجِيح
بِقُوَّة الدّلَالَة أَو كَثْرَة من صحّح أَو جلالته وَلم
يكن مِمَّن يعرف الْأَسَانِيد والعلل مثل الْمُنْذِرِيّ
وَابْن حجر وَالنَّوَوِيّ وَمن فِي طبقتهما من
الْمُتَأَخِّرين دع عَنْك الْأَئِمَّة الْكِبَار مثل
الْحَاكِم وَالدَّارَقُطْنِيّ مَعَ تصريحه فِي غير مَوضِع
من كتبه بِالِاجْتِهَادِ الْمُطلق وَكَذَا الْعَلامَة
المقبلي سلك هَذَا المسلك وَلم يزل هَذَا السُّؤَال يخْطر
بالبال فأفضلوا بِالْجَوَابِ انْتهى
الْجَواب مَا حرر السَّائِل لَا زَالَ مُفِيدا وَلَا برح
فِي أنظاره العلمية سديدا وَأَقُول الْجَواب يظْهر إِن
شَاءَ الله تَعَالَى بِذكر فُصُول تشْتَمل على إِيضَاح
الْمَسْأَلَة بِمَشِيئَة الله تَعَالَى وهدايته
(1/76)
فصل فِي تَعْرِيف الحَدِيث الصَّحِيح
رسم الْحَافِظ ابْن حجر رَحمَه الله فِي كِتَابه نخبة
الْفِكر الحَدِيث الصَّحِيح بِأَنَّهُ مَا نَقله عدل تَامّ
الضَّبْط مُتَّصِل السَّنَد غير مُعَلل وَلَا شَاذ وَقَالَ
وَهُوَ الصَّحِيح لذاته وَقَرِيب مِنْهُ رسم ابْن الصّلاح
وزين الدّين بِأَنَّهُ مَا اتَّصل إِسْنَاده بِنَقْل عدل
ضَابِط عَن مثله من غير شذوذ وَلَا عِلّة قادحة
(1/77)
إِذا عرفت هَذَا فَهَذِهِ خَمْسَة قيود
ثَلَاثَة وجودية وَاثْنَانِ عدميان وَكلهَا إِخْبَار
كَأَنَّهُ قَالَ الثِّقَة حِين قَالَ حَدِيث صَحِيح هَذَا
الحَدِيث رُوَاته عدُول مأمونوا الضَّبْط مُتَّصِل إسنادهم
لم يُخَالف فِيهِ الثِّقَة مَا رَوَاهُ النَّاس وَلَيْسَ
فِيهِ أَسبَاب خُفْيَة طرأت عَلَيْهِ تقدح فِي صِحَّته
وَحِينَئِذٍ قَول الثِّقَة صَحِيح يتَضَمَّن الْإِخْبَار
بِهَذِهِ الْجمل الْخمس وَقد تقرر بالبرهان الصَّحِيح أَن
الْوَاجِب أَو الرَّاجِح الْعَمَل بِخَبَر الْعدْل
وَالْقَبُول لَهُ وتقرر أَن قبُوله لَيْسَ من التَّقْلِيد
لقِيَام الدَّلِيل على قبُول خَبره فالتصحيح مثلا
وَالرِّوَايَة للْخَبَر قد اتفقَا أَنَّهُمَا إِخْبَار
إِمَّا بِالدّلَالَةِ المطابقية أَو التضمينية أَو
الإلزامية أما قبُول خَبره الدَّال بالمطابقة فَلَا كَلَام
فِيهِ كَقَوْلِه زيد قَائِم أما قبُول خَبره الدَّال
بالتضمن أَو الإلتزام فَيدل على قبُوله أَنهم جعلُوا من
طرق التَّعْدِيل حكم مشترط الْعَدَالَة بِالشَّهَادَةِ
وَعمل الْعَالم الْمُشْتَرط لَهَا رِوَايَة من
(1/78)
لَا يروي إِلَّا عَن عدل فَإِنَّهُم
صَرَّحُوا فِي الْأُصُول وعلوم الحَدِيث أَن هَذِه طرق
التَّعْدِيل وَمَعْلُوم أَن دلَالَة هَذِه الصُّورَة على
عَدَالَة الرَّاوِي وَالشَّاهِد التزامية فَقَوْل الثِّقَة
حَدِيث صَحِيح يتَضَمَّن الْإِخْبَار بالقيود الْخَمْسَة
وَالرِّوَايَة لَهَا وَلَا يُقَال إِن إخْبَاره بِأَنَّهُ
صَحِيح إِخْبَار على ظَنّه بِحُصُول شَرَائِط الصِّحَّة
عِنْد ظَنّه كَمَا يدل لَهُ أَنه صرح زين الدّين وَغَيره
بِأَن قَول الْمُحدثين هَذَا حَدِيث صَحِيح فمرادهم فِيمَا
ظهر لنا عملا بِظَاهِر الْإِسْنَاد لَا أَنه مَقْطُوع
بِصِحَّتِهِ فِي نفس الْأَمر لأَنا نقُول إِخْبَار
الثِّقَة بِأَن زيدا عدل إِخْبَار عَن ظَنّه بِأَنَّهُ آتٍ
بالواجبات مجتنب للمقبحات بِحَسب مَا رَآهُ من ذَلِك
وَأخْبر مَعَ جَوَاز أَنه فِي نفس الْأَمر غير مُسلم لَكِن
هَذِه التجويزات لَا يُخَاطب بهَا الْمُكَلف
من شُرُوط الصَّحِيح السَّلامَة من الشذوذ وَالْعلَّة
فَإِن قلت من شُرُوط الصَّحِيح السَّلامَة من الشذوذ
وَالْعلَّة وَلَيْسَ مدرك هذَيْن الْأَمريْنِ الْإِخْبَار
بل تتبع الطّرق والأسانيد والمتون كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ
السَّائِل قلت أما أَولا فالشذوذ وَالْعلَّة نادران
وَالْحكم للْغَالِب لَا للنادر أَلا
(1/79)
ترى أَن الرَّاجِح الْعَمَل بِالنَّصِّ
وَإِن جوز أَنه مَنْسُوخ عملا بالأغلب وَهُوَ عدم النّسخ
وبرهان ندورهما يعرف من تتبع كَلَام أَئِمَّة الحَدِيث على
طرق الْأَحَادِيث من مثل الْبَدْر الْمُنِير وتلخيصه
فَإِنَّهُم يَتَكَلَّمُونَ على مَا قيل فِي الحَدِيث فتجد
الْقدح بالشذوذ والإعلال نَادرا جدا بل قَالَ السَّيِّد
مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم فِي التَّنْقِيح ظَاهر الحَدِيث
المعل السَّلامَة من الْعلَّة حَتَّى تثبت بطرِيق
مَقْبُولَة أما ثَانِيًا فَقَوْل الثِّقَة هَذَا صَحِيح
أَي غير شَاذ وَلَا مُعَلل إِخْبَار بِأَنَّهُ لم يَقع فِي
رُوَاته راو ثِقَة خَالف النَّاس فِيهِ وَلَا وجدت فِيهِ
عِلّة تقدح فِي صِحَّته
(1/80)
وَهَذَا إِخْبَار عَن حَال الرواي بِصفة
زَائِدَة على مُجَرّد عَدَالَته وَحفظه أَو حَال الْمَتْن
بِأَن أَلْفَاظه مصونة عَن ذَلِك وَلَيْسَ هَذَا خَبرا عَن
اجْتِهَاد بل عَن صِفَات الروَاة والمتون فَإِنَّهُ
إِخْبَار بِأَنَّهُ تتبع أَحْوَال الروَاة حَتَّى علم من
أَحْوَالهم صِفَات زَائِدَة على مُجَرّد الْعَدَالَة وَفِي
التَّحْقِيق هَذَا عَائِدَة إِلَى تَمام الضَّبْط وتتبع
مروياتهم حَتَّى أحَاط بألفاظها فَالْكل عَائِد إِلَى
الْإِخْبَار عَن الْغَيْر لَا عَن الِاجْتِهَاد الْحَاصِل
عَن دَلِيل ينقدح لَهُ مِنْهُ رَأْي
تَصْحِيح الْأَئِمَّة وتضعيفهم للأحاديث اجْتِهَاد أم
تَقْلِيد
وَأَنت إِذا نظرت إِلَى الْأَئِمَّة النقاد من الْحفاظ
كالحاكم أبي عبد الله وَأبي الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ
وَابْن خُزَيْمَة وَنَحْوهم كالمنذري وتصحيحهم لأحاديث
وتضعيفهم لأحاديث واحتجاجهم على الْأَمريْنِ مُسْتَندا
إِلَى كَلَام من تقدمهم كيحيى بن معِين وَأحمد بن حَنْبَل
وَأبي عبد الله البُخَارِيّ وَمُسلم وَغَيرهم من أَئِمَّة
هَذَا الشَّأْن وَأَنه ثَبت لَهُ عَنْهُم أَو عَن أحدهم
أَنه قَالَ فلَان حجَّة أَو ثَبت أَو عدل أَو نَحْوهَا من
عِبَارَات التَّعْدِيل وَأَنَّهُمْ قَالُوا فِي غَيره
إِنَّه ضَعِيف أَو كَذَّاب أَو لَا شَيْء أَو نَحْوهَا
ثمَّ فرعوا على هَذِه الرِّوَايَات صِحَة الحَدِيث أَو
ضعفه بِاعْتِبَار مَا قَالَه من قبلهم فَإِنَّهُ تجنب ابْن
إِسْحَاق من تجنبه من أهل الصِّحَاح بقول مَالك فِيهِ مَعَ
أَن ابْن إِسْحَاق إِمَام أهل الْمَغَازِي
(1/81)
وقدحوا أَيْضا فِي الْحَارِث الْأَعْوَر
بِكَلَام الشّعبِيّ فِيهِ وَلم يلْقوا ابْن إِسْحَاق وَلَا
الْحَارِث بل قبلوا كَلَام من تقدم فيهم من الْأَئِمَّة
وَإِذا حققت علمت أَن تَصْحِيح البُخَارِيّ وَمُسلم
وَغَيرهمَا مَبْنِيّ على ذَلِك وَكَذَلِكَ تضعيفهما
فَإِنَّهُمَا لم يلقيا إِلَّا شيوخهما من الروَاة وَبينهمْ
وَبَين الصَّحَابَة وسائط كَثِيرُونَ اعتمدوا فِي ثقتهم
وَعدمهَا على الروَاة من الْأَئِمَّة قبلهم فَلم يعرفوا
عدالتهم وضبطهم إِلَّا من أَخْبَار أُولَئِكَ الْأَئِمَّة
فَإِذا كَانَ الْوَاقِع من مثل البُخَارِيّ فِي
التَّصْحِيح تقليدا لِأَنَّهُ بناه على إِخْبَار غَيره عَن
أَحْوَال من صحّح أَحَادِيثهم كَانَ كل قَابل لخَبر من
تقدمه من الثِّقَات مُقَلدًا
(1/82)
وَإِن كَانَ الْوَاقِع من البُخَارِيّ من
التَّصْحِيح اجْتِهَادًا مَعَ ابتنائه على خبر الثِّقَات
فَلْيَكُن قَوْلنَا بِالصِّحَّةِ لخَبر البُخَارِيّ
المتفرع عَن إِخْبَار الثِّقَات اجْتِهَادًا فَإِنَّهُ لَا
فرق بَين الْإِخْبَار بِأَن هَؤُلَاءِ الروَاة ثِقَات حفاظ
وَبَين الْإِخْبَار بِأَن الحَدِيث صَحِيح إِلَّا بالإجمال
وَالتَّفْصِيل وَكَأَنَّهُم عدلوا عَن التَّفْصِيل إِلَى
الْإِجْمَال اختصارا وتقريبا لأَنهم لَو أعقبوا كل حَدِيث
بقَوْلهمْ رُوَاته عدُول حافظون رَوَاهُ مُتَّصِلا وَلَا
شذوذ فِيهِ وَلَا عِلّة لطالت مَسَافَة الْكَلَام وضاق
نطاق الْكتاب الَّذِي يؤلفونه عَن اسْتِيفَاء أَحَادِيث
الْأَحْكَام فضلا عَمَّا سواهَا من الْأَخْبَار على أَن
هَذَا التَّفْصِيل لَا يَخْلُو عَن الْإِجْمَال إِذْ لم
يذكر فِيهِ كل راو على انْفِرَاده بصفاته بل فِي
التَّحْقِيق أَن قَوْلهم عدل معدول بِهِ عَن آتٍ بالواجبات
مجتنب للمقبحات محافظ على خِصَال الْمُرُوءَة متباعد عَن
أَفعَال الخسة فعدلوا عَن هَذِه الإطالة إِلَى قَوْلهم عدل
فَقَوْلهم عدل خبر انطوت تَحْتَهُ غُدَّة أَخْبَار كَمَا
انطوت تَحت قَوْلهم صَحِيح وَإِذا عرفت هَذَا تبين لَك
صِحَة قَول صَاحب الرَّوْض الباسم وَأَنه الصَّوَاب فِيمَا
نَقله السَّائِل عَنهُ وَمثله قَوْله فِي التَّنْقِيح
إِنَّه إِن نَص على صِحَة الحَدِيث أحد الْحفاظ المرضيين
المأمونين فَيقبل ذَلِك مِنْهُ للْإِجْمَاع وَغَيره من
الْأَدِلَّة الدَّالَّة على قبُول خبر الْآحَاد كَمَا
ذَلِك مُبين فِي مَوْضِعه وَلَا يجوز ترك ذَلِك مَتى تعلق
الحَدِيث بِحكم شَرْعِي
(1/83)
فصل فِي جَوَاز تَصْحِيح الحَدِيث وتضعيفه
فِي هَذِه الْأَعْصَار
إِذا عرفت مَا قَرَّرْنَاهُ فَاعْلَم أَنه لَا مَانع لمن
وجد فِي هَذِه الْأَعْصَار حَدِيثا لم يسْبق عَلَيْهِ
كَلَام إِمَام من الْأَئِمَّة بتصحيح وَلَا غَيره فتتبع
كَلَام ائمة الرِّجَال فِي أَحْوَال رُوَاته حَتَّى حصل
لَهُ من كَلَامهم ثِقَة رِوَايَته أَو عدمهَا فَجزم
بِأَيِّهِمَا على الحَدِيث كَمَا جزم من قبله من أَئِمَّة
التَّصْحِيح والتضعيف من مثل البُخَارِيّ وَغَيره ومستنده
فِي ذَلِك مُسْتَند من قبله كَمَا أوضحناه غَايَة الْفرق
أَنه كثر الوسائط فِي حَقه لتأخر عصره فَكَانُوا أَكثر من
الوسائط فِي حق من تقدمه لقرب عصرهم وَهَذَا مُوجب
لمَشَقَّة الْبَحْث عَلَيْهِ لِكَثْرَة الروَاة الَّذين
يبْحَث عَن أَحْوَالهم وَلَكِن رُبمَا كَانَ ثوابهم أَكثر
لزِيَادَة مشقة الْبَحْث
(1/84)
هَذَا إِن كَانَت طَرِيق الْمُتَأَخر هِيَ
الرِّوَايَة وَأَرَادَ معرفَة أَحْوَال شُيُوخه وتحقيقها
حَتَّى يبلغ إِلَى مؤلف الْكتاب الَّذِي قَرَأَهُ أما إِذا
كَانَت طَريقَة الإيجازة أَو الوجادة فَإِنَّهُ لَا
كَثْرَة للوسائط
(1/85)
أصلا بل هُوَ كالقدماء فِي ذَلِك
وَحِينَئِذٍ فَيكون مُجْتَهدا فِيمَا حكم بِصِحَّتِهِ مثلا
فَإِنَّهُ كَمَا أَنه لَا محيص عَن القَوْل بِأَن تَصْحِيح
الْأَئِمَّة الْأَوَّلين اجْتِهَاد فَإِنَّهُ إِنَّمَا
بِنوح على مَا بلغ إِلَيْهِم من أَحْوَال الروَاة ففرعوا
عَلَيْهِ التَّصْحِيح وجعلوه عبارَة عَن ثِقَة الروَاة
وضبطهم كَذَلِك لَا محيص عَن القَوْل بِأَن مَا صَححهُ من
بعدهمْ إِلَى يَوْمنَا هَذَا أَو ضَعَّفُوهُ أَو حسنوه
حكمه حكم مَا قَالَه الْأَولونَ من الْأَئِمَّة إِذْ
الأَصْل فِي الْكل وَاحِد وَهُوَ قبُول إِخْبَار من سلف
عَن أَحْوَال الروَاة وصفاتهم وَإِلَّا كَانَ القَوْل
بِخِلَاف هَذَا تحكما لَا يَقُول بِهِ عَالم وَإِذا عرفت
هَذَا عرفت ضعف مَا قَالَه ابْن الصّلاح بل بُطْلَانه من
أَنه لَيْسَ لنا الْجَزْم بالتصحيح فِي هَذِه الْأَعْصَار
وَقد خَالفه النَّوَوِيّ وَرجح زين الدّين كَلَام
النَّوَوِيّ وَهُوَ الْحق
(1/86)
وَلَعَلَّ القَاضِي شرف الدّين أغتر
بِكَلَام ابْن الصّلاح فِي هَذَا الطّرف وَأما قَول
القَاضِي إِن القَوْل بتصحيح الْأَئِمَّة الماضيين
وَالْعَمَل عَلَيْهِ تَقْلِيد لَهُم فَلَا أعلم فِيهِ سلفا
بل الْحق مَا قَدرنَا لَك من قَول الإِمَام صَاحب العواصم
رَحمَه الله
(1/87)