إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد

شَرَائِط الِاجْتِهَاد وَكَيْفِيَّة تَحْصِيله لأهل الذكاء من الْعباد
ثمَّ اعْلَم أَن هُنَا زِيَادَة إِفَادَة لطَالب الرشاد ألحقناها بإرشاد النقاد وَهُوَ أَنه قد ظهر لَك بِمَا قَررنَا سهولة الِاجْتِهَاد وتيسره لأهل الهمة والأمجاد فلنذكر شَرَائِطه وَكَيْفِيَّة تَحْصِيله لأهل الذكاء من الْعباد فَنَقُول قَالَ الإِمَام الْكَبِير مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْوَزير صَاحب كتاب العواصم والقواصم فِي الذب عَن سنة أبي الْقَاسِم فِي كِتَابه الْقَوَاعِد مَا لَفظه اعْلَم أَنه قد كثر استعظام النَّاس فِي هَذَا الزَّمَان الِاجْتِهَاد واستبعادهم لَهُ حَتَّى صَار كالمستحيل فِيمَا بَينهم وَمَا كَانَ السّلف يشددون هَذَا التَّشْدِيد الْعَظِيم وَلَيْسَ هُوَ بالهين وَلكنه قريب مَعَ الِاجْتِهَاد أَي فِي تَحْصِيله وَصِحَّة الذَّوْق والسلامة من آفَة البلادة ثمَّ ذكر خَمْسَة شُرُوط بعد أَن أبطل شَرْطِيَّة مَعْرفَته علم الْكَلَام وَأَنه علم مُبْتَدع لم يعْهَد فِي عصر النُّبُوَّة وَلَا عهد الصَّحَابَة ثمَّ عد خَمْسَة وَلم يرتبها كَمَا نسوقه الأول معرفَة علم الْعَرَبيَّة قَالَ وَيَكْفِي فِيهِ قِرَاءَة كتاب مثل مُقَدّمَة الشَّيْخ ابْن الْحَاجِب قِرَاءَة فهم وإتقان وَهَذَا على الِاحْتِيَاط لَا على الْإِيجَاب وَذَلِكَ لِأَن فِي الْعَرَبيَّة مَا لَا بُد من مَعْرفَته وفيهَا مَا لَا يحْتَاج إِلَى

(1/133)


مَعْرفَته مِثَال مَا لَا يحْتَاج إِلَى مَعْرفَته كَلَامهم فِي عَالم الْمُسْتَثْنى مَا هُوَ وَلم ارْتَفع الْفَاعِل وانتصب الْمَفْعُول وَنَحْو ذَلِك مِمَّا لم يعرفهُ الْعَرَب بل قد نقل عَن أبي الْحُسَيْن الْبَصْرِيّ أَنه قَالَ لَيْسَ الشَّرْط بعد معرفَة الْكتاب وَالسّنة إِلَّا أصُول الْفِقْه وَإِن أهل أصُول الْفِقْه قد نقلوا عَن الْعَرَبيَّة والمعاني وَالْبَيَان مَا يحْتَاج إِلَيْهِ الْمُجْتَهد انْتهى كَلَام أبي الْحُسَيْن الشَّرْط الثَّانِي معرفَة أصُول الْفِقْه وَهُوَ رَأسهَا وعمودها بل أَصْلهَا وأساسها بل سَمِعت عَن أبي الْحُسَيْن الْبَصْرِيّ صَاحب كتاب الْمُعْتَمد فِي أصُول الْفِقْه أَنه لَا يشْتَرط سواهُ بعد معرفَة الْكتاب وَالسّنة الشَّرْط الثَّالِث معرفَة علم الْمعَانِي وَالْبَيَان وَقد اخْتلف فِيهِ هَل هُوَ شَرط أم لَا قَالَ السَّيِّد مُحَمَّد وَالْحق أَن فِيهِ مَا هُوَ شَرط فِي بعض الْمسَائِل كالعربية وَفِيه مَا لَيْسَ بِشَرْط الْبَتَّةَ وَقد نقل أهل الْأُصُول أَكثر مَا يحْتَاج إِلَيْهِ وَقد تخْتَلف عبارتهم وَالْمعْنَى وَاحِد الشَّرْط الرَّابِع معرفَة الْآيَات القرآنية الشَّرْعِيَّة وَقد قيل إِنَّهَا

(1/134)


خمس مائَة آيَة مَا صَحَّ ذَلِك وَإِنَّمَا هِيَ مِائَتَا آيَة أَو قريب من ذَلِك وَلَا أعرف أحدا من الْعلمَاء أوجب حفظهَا غيبا بل شرطُوا أَن يعرف موَاضعهَا حَتَّى يتَمَكَّن عِنْد الْحَاجة من الرُّجُوع إِلَيْهَا فَمن نقلهَا إِلَى كراسته وأفردها كَفاهُ ذَلِك الشَّرْط الْخَامِس معرفَة جملَة من الْأَخْبَار النَّبَوِيَّة ويكفى فِيهَا معرفَة كتاب جَامع مثل التِّرْمِذِيّ وَسنَن أبي دَاوُد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وفيهَا مَا لَا يجب مَعْرفَته على مُجْتَهد لِأَنَّهَا جَامِعَة لأخبار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومغازيه وبعوثه وَلما ورد من تَفْسِير الْقُرْآن الْكَرِيم من كَلَامه وَلذكر الرَّقَائِق وَالْجنَّة وَالنَّار وأحوال الْقِيَامَة والفتن والآداب والفضائل وقصص الْأَنْبِيَاء الْمُتَقَدِّمين وَغير ذَلِك مِمَّا لَا يحْتَاج إِلَيْهِ الْمُجْتَهد وَالَّذِي يدل على أَن جملَة من الْأَخْبَار تكفيه وَلَا يجب الْإِحَاطَة بهَا أَن

(1/135)


الصَّحَابَة قد صَحَّ اجتهادهم فِي أحكامهم وَلم يحيطوا بهَا علما وَكَذَلِكَ التابعون وأئمة الْإِسْلَام وَلم يعلم أَن أحدا أحَاط بهَا وَلذَا قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ علمَان لَا يُحِيط بهما أحد الحَدِيث واللغة وَهَذَا صَحِيح وَهُوَ قَول الجماهير وَالْخلاف فِيهِ شَاذ قَالَ وَالْأولَى من مُرِيد الِاجْتِهَاد أَن يعرف كتابا من كتب الْأَحْكَام الَّتِي اقْتصر أَهلهَا على ذكر أَحَادِيث التَّحْلِيل وَالتَّحْرِيم وجمعوا جَمِيع مَا فِي الْكتب الصِّحَاح من ذَلِك وبينوا الصَّحِيح من السقيم وعد كتبا من ذَلِك ثمَّ قَالَ وأنفعها كتاب تَلْخِيص الْمُخْتَصر لِلْحَافِظِ ابْن حجر فَلَا شكّ فِي كِفَايَته للمجتهد وَزِيَادَة الْكِفَايَة انْتهى كَلَامه رَحمَه الله

(1/136)