فقه اللغة وسر العربية

الفصل السادس عشر: في إقامة الواحد مُقام الجمع.
هي من سنن العرب إذ تقول: قَرَرْنا به عيناً أي أعيننا. وفي القرآن: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً} 3 وقال جلّ ذِكره: {ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً} 4 أي أطفالا وقال تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً} 5 وتقديره: وكم من ملائكة في السموات وقال عزّ من قائل: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ} 6 وقال: {هَؤُلاءِ ضَيفِي} 7 ولم يقل: أعدائي ولا أضيافي. وقال جلّ جلاله: {لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ} 8 والتفريق لا يكون إلا بين اثنين والتقدير: لا نُفَرِّق بينهم وقال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} 9 وقال: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} 10 وقال: {وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} 11. ومن هذا الباب سنة العرب أن يقولوا للرجل العظيم والملك الكبير: انظروا من أمري ولأنّ السادة والملوك يقولون: نحن فعلنا وإنّا أمَرنا فعلى قضيَّهذا الإبتداء يخاطِبون في الجواب كما قال تعالى عمّن حضره الموت: {رَبِّ ارْجِعُونِ} 12.
__________
1 سورة الانبياء الآية: 3.
2 سورة المائدة الآية: 71.
3 سورة النساء الآية: 4.
4 سورة غافر الآية: 67.
5 سورة النجم الآية: 26.
6 سورة الشعراء: 77.
7 سورة الحجر الآية: 68.
8. سورة البقرة الآية: 136.
9 سورة الطلاق الآية: 1.
10 سورة المائدة الآية: 6.
11 سورة التحريم الآية: 4.
12 سورة المؤمنون الآية: 99.

(1/227)


الفصل السابع عشر: في الجمع يراد به الواحد.
من سنن العرب الإتيان بذلك كما قال تعالى: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ} 1 وإنما أراد المسجد الحرام وقال عزّ وجلّ: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا} 2 وكان القاتل واحدا.
الفصل الثامن عشر: في أمر الواحد بلفظ أمر اثنين.
تقول العرب: افعلا كذا والمخاطب واحد كما قال الله عزّ وجلّ: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ} 3 وهو خطاب لمالك خازن النار. وكما قال الأعشى: [من الطويل]
وَصَلِّ عَلَى حِينِ العَشِيَّاتِ والضُّحى ... ولا تَعْبُدِ الشَّيطانَ واللهَ فاعْبُدا.
ويقال: إنه أراد والله فاعبُدَنّ فقلب النون الخفيفة ألفا. وكذلك في قوله عزّوجلّ: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ} 4.