فقه اللغة وسر العربية الفصل الحادي
والأربعون: مجمل في الزوائد والصلات التي هي من سنن العرب.
منها: الباء الزائدة كما تقول: أخَذتُ بزمام النَّاقة. وقال الشاعِر
الراعي: [من البسيط]
هن الحرائر لا ربات أحمرة ... سودُ المَحاجِرِ لا يَقرَأْنَ
بالسُّوَرِ.
أي لا يقرأن السوَر. كما قال عنترة: [من الكامل]
شربت بماء الدّحرضين فأصبحت. ... زواراء تنغر عن حياض الديلم1
أي ماء الدحرضين وفي القرآن حكاية عن هارون: {لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي
وَلا بِرَأْسِي} 2 وقال عزَّ ذِكره: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ
يَرَى} 3 فالباء زائدة والتقدير: ألم يعلم أن الله يرى كما قال جلَّ
ثناؤه: {وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} 4.
ومنها التاء الزائدة في: ثم ورُبِّ ولا تقول العرب: رُبَّتَ امرَأةٍ
وقال الشاعر: [من الوافر]
وربّتما شفيت غليل صدري.
وتقول: ثُمَّتَ كانت كذا كما قال عبدة بن الطّيب: [من البسيط]
ثُمَّتَ قُمنا إلى جُردٍ مُسَوَّمَةٍ ... أَعرافُهُنَّ لأيدينا
مَناديلُ.
أي ثُمَّ قمنا. وتقول: لآت حين كذا وفي القرآن: {وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ}
5 أي لا حين والتاء زائدة وصلة: ومنها: زيادة "لا" كقوله عزَّ وجلَّ:
{لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} 6: أي أقسم. وكقول الحجاج: [من
الرجز]
في بئرِ لاحُورٍ سَرَى وما شِعِرْ.
أي بئر حور. قال أبو عبيدة: لا. من حروف الزوائد كتتمة الكلام والمعنى
إنقاؤها كما قال عزَّ ذِكره: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا
الضَّالِّينَ} 7: أي والضالين وكما قال زهير: [من البسيط]
__________
1 الديلم: ضرب من الترك.
2 سورة طه الآية: 94.
3 سورة العلق: الآية 14.
4 سورة النور الآية: 25.
5 سورة صّ الآية: 3.
6 سورة القيامة: الآية 1.
7 سورة الفاتحة الآية: 7.
(1/239)
مُوَرِّثُ المَجدِ لا يَغتالُ هِمَّتَهُ
... عنِ الرياسَةِ لا عجَزٌ ولا سَأَمُ.
أي عجز وسأم وقال الآخر: [من البسيط]
ما كان يَرضى رَسولُ الله دينَهُمُ ... والطَّيِّبان أبو بكرٍ ولا عمر.
وقال أبو النّجم: [من الرجز]
فما ألومُ اليَومَ أنْ لا تَسْخَرا.
أي أن تسخرا. وفي القرآن: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ} 1 أي
ما منعك أن تسجد. ومنها زيادة "ما" كقوله عزَّ وجلَّ {فَبِمَا رَحْمَةٍ
مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} 2 أي فبرحمة من الله وكقوله: {فَبِمَا
نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ} 3 أي فبِنَقْضِهِم ميثاقهم وكقوله عزَّ
وجلَّ: {وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} 4 أي قليلٌ هم. وكقول الشاعر: [من الوافر]
لأمرٍ مَّا تصرَّفَتِ اللَّيالي ... لأمْرٍ مَّا تَصَرَّفَتِ
النُّجُومُ.
أي لأمر تصرفت. وقد زادت "ما" في رُبَّ كقول بعض السَّلف: رُبَّما
أَعْلَمُ فأَذَرُ. وفي القرآن: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا
لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} 5 ومنها زيادة "مِنْ" كما في قوله تعالى:
{وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا} 6 والمعنى: وما
تسقط ورقةٌ وكما قال عزَّ ذكره: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي
السَّمَاوَاتِ} 7 أي وكم ملك وكما قال جلَّ اسمه: {وَكَمْ مِنْ
قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا} 8. وكما قال عزَّ وجلَّ: {قُلْ
لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} 9. ومنها زيادة اللام
كما قال عزّ وجلّ: {لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} 10 أي
رَبِّهِم يرهَبون. وكما قال تقدَّسَت أسماؤه: {إِنْ كُنْتُمْ
لِلرُّؤْيا تَعْبُرُونَ} 11 أي إن كنتم الرؤيا تعبرون. ومنها: زيادة
"كان" كما قال عز ذكره:
__________
1 سورة الأعراف الآية: 12.
2 سورة آل عمران الآية: 159.
3 سورة النساء الآية: 155.
4 سورة صّ الآية: 24.
5 سورة الحجر: الآية 2.
6 سورة الأنعام الآية: 59.
7 سورة لنجم الآية: 26.
8 سورة الأعراف الآية: 4.
9 سورة النور الآية: 30.
10 سورة الأعراف الآية: 154.
11 سورة يوسف الآية: 43.
(1/240)
{وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}
1: أي بما يعملون. وكما قال الشاعر: [من الوافر]
فكيف إذا رأيت ديار قوم ... وجِيرانٍ لنا كانوا كِرام.
ومنها زيادة "الإسم" كقوله: {بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا} 2 والمراد:
بالله ولكنه امّا أشبه القسم زيد فيه الإسم. ومنها زيادة "الوجه" كقوله
عزَّ وجلَّ: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} 3 أي ويبقى رَبُّك. ومنها
زيادة "مثل" كقوله تعالى: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ
عَلَى مِثْلِهِ} 4: أي عليه وقال الشاعر:
يا عاذِلي دَعني مِن عَذلِكا ... مِثلِي لا يَقْبَلُ مِنْ مِثْلِكا.
أي أنا لا أقبل منك وقال آخر: [من المنسرح]
دَعني مِنَ العُذْرِ في الصَّبوحِ فَما ... تُقْبَلُ مِنْ مِثْلِكَ
المَعاذيرُ.
الفصل الثاني والأربعون: في الألفات.
منها ألف الوصل وألف القطع وألف الأمر وألف الاستفهام وألف التَّعجب
وألف التثنية وألف الجمع وألف التعدية وألف لام المعرفة وألف المخبر عن
نفسه في قوله: أدخُل واخرُج وألف الحينونة كما يقال: أَحْصَدَ الزَّرع:
أي حان أن يُحصَدَ وأَرْكَبَ المُهْرُ: أي حانَ أنْ يُركَبَ. وألف
الوجدان كقوله: أجبَنْتُهُ: أي وجدته جبانا وأكذَبتُهُ: أي وجدته
كذابا. وفي القرآن: {فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ} 5: أي لا يجدونك
كذاباً. ومنها ألف الإتيان كقوله: أحسَنَ: أي أتى بفعل حسن وأَقْبَحَ:
أي أتى بفعل قبيح. ومنها ألف التحويل كقوله: {لَنَسْفَعاً
بِالنَّاصِيَةِ, نَاصِيَةٍ} 6 فإنها نون التوكيد حوّلت ألفا. ومنها ألف
القافية كقول الشاعر: [من البسيط]
يا رَبعُ لو كنتُ دَمعا فيكَ مُنْسَكِباً ... قَضَيتُ نَحْبي ولم أقضِ
الذي وجَبا.
ومنها ألف النُّدبة كقول أمَّ تأبَّطَ شرّأً: وابنَ اللَّيل. ومنها ألف
التوجُّع والتأسُّف وهي تقارب ألف النَّدبة نحو: وا قَلباه وا كَرباه
وا حزناه.
__________
1 سورة الشعراء الآية: 112.
2 سورة هود الآية: 41.
3 سورة الرحمن الآية: 27.
4 سورة الاحقاف الآية: 10.
5 سورة الأنعام الآية: 33.
6 سورة العلق الآية: 15 - 16.
(1/241)
الفصل الثالث
والأربعون: في الباءات.
منها باء زائدة وقد تقدّم ذِكرها ويقال لبعضها: باء التبعيض كما قال
عزَّ وجلَّ: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} 1 أي بعضها. ومنها القَسَم
كقولهم: باللهِ وبالبيتِ الحرامِ وبحياتك. ومنها باء الإلصاق كقولك:
مَسَحتُ يَدَيَّ بالأرضِ. ومنها باء الاعتمال كقولك: كَتَبْتُ
بِالقَلَم وضَرَبتُ بالسَّيف وزَعَمَ قوم أنَّ. ومنها باء المُصاحَبة
كما تقول: دخل فلان بثياب سفره وركب فلان بسلاحه وفي القرآن: {وَإِذَا
جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ
خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ} 2. ومنها
باء السبب كقوله تعالى: {وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ} 3 أي
من أجل شُركائهم. وكما قال: {وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا
يُشْرِكُونَ} 4 أي من أجله. ومنها الباء الدّاخلة على نفس المخبر
والظاهر أنها لغيره نحو: رأيتُ بِفلانٍ رجلا جَلْداً ولَقيتُ بِزيد
كَريماً توهمُ أنك لقيتَ بزيدٍ كريماً آخر غير زيد وليس كذلك وإنما
أردت نفسه كما قال الشاعر: [من المتقارب]
إذا ما تأمَّلتُهُ مُقْبِلا ... رأيتَ بِهِ جَمْرَةً مُشعَلة.
وفي القرآن: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً} 5. ومنها الباء الواقعة موقع
"مِن وعَنْ" كما قال عزَّ وجلَّ: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} 6
أي عن عذاب واقع وكما قال: {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} 7
أي منها. ومنها الباء التي في موضع "في" كما قال الأعشى:. ما بُكاءُ
الكَبيرِ بالأطلالِ. أي في الأطلال وقال الآخر: [من الخفيف]
ولَيلٍ كأنَّ نجومَ السَّماء ... بِهِ مُقَلٌ رُنَّقَتْ8 للهُجُوعِ.
ومنها الباء التي في موضع "على" كما قال الشاعر: [من الطويل]
__________
1 سورة المائدة الآية: 6.
2 سورة المائدة: الآية 61.
3 سورة الروم الآية: 13.
4 سورة المؤمنون: 59.
5 سورة الفرقان الآية: 59.
6 سورة المعارج: الآية 1.
7 سورة الانسان الآية: 6.
8 رنق: خالط.
(1/242)
أَرَبٌ يَبولُ الثُّعلُبَانُ بِرأسهِ ... لقَدْ ذَلَّ مَنْ بالتْ عليهِ
الثَّعالبُ.
أي على رأسه. ومنها باء البدل كما تقول: هذا بذاك أي عوض وبدل منه كما
قال الشاعر: [من الكامل]
إنْ تَجْفُني فَلَطالَما وصَلتَني ... هذا بذاك فَما عليك مَلَامُ.
ومنها باء التعدية كقولك: ذهبت ورجعت به. ومنها الباء بمعنى حيثُ
كقولهم: أنتَ بالمُجَرَّب أي حيث التَّجريب. وفي كتاب الله عزَّ وجلَّ:
{فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ} 1 أي حيث يفوزون.
الفصل السادس والأربعون: في التاءات.
منها ما يُزاد في الإسم كما زيد في: تَنْضُبُ وتَتْفُلُ. ومنها ما يزاد
في الفعل نحو: تَفَعَل وتَفاعَل وافْتَعَلَ واسْتَفْعَلَ. ومنها تاء
القَسَم تقول: تالله لأفعلنَّ كذا أي بالله. وفي القرآن: {وَتَاللَّهِ
لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} 2 ولا تستعمل هذه التاء إلا مع اسم الله
عزَّ وجلّلأ. ومنها التاء التي تزاد في رُبَّ وثُمَّ ولا وتقدم ذكرها.
ومنها تاء التأنيث نحو تَفْعَلُ وفَعَلْت وتاء النَّفس نحو فَعَلتُ
وتاء المخاطبة نحو فَعَلْتِ. ومنها تاء تكون بدلا عن سين في بعض اللغات
كما أنشد ابن السكيت: [من الرجز]
يا قاتلَ الله بني السَّعلاتِ
... عمرو بن مسعود شِرار النَّاتِ.
يعني شرار الناس. |